شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود

          ░61▒ باب: تَخْفِيفِ الإمَامِ فِي الْقِيَامِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
          فيه: أَبُو(1) مَسْعُودٍ: (أَنَّ رَجُلا قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لأتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ(2) غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا(3) صلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ). [خ¦702]
          وترجم له: باب إذا صلَّى لنفسِه، فليطوِّل ما شاء. وروى ذلك أبو هريرة عن النبيِّ صلعم.
          فيه: دليل أنَّ أئمَّة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمرِ رسول الله صلعم لهم بذلك، وقد بيَّن في هذا الحديث العلَّة الموجبة للتخفيف، وهي غير مأمونة على أحدٍ من أئمَّة الجماعة، لأنَّه(4) وإن علم قوَّة من خلفَه فإنَّه لا يدري ما يحدث بهم من الآفات، ولذلك قال: وإذا صلَّى لنفسِه فليطوِّل ما شاء لأنَّه يعلم من نفسِه ما لا يعلم من غيرِه، وقد ذكر الله تعالى الأعذار التي مِن أجلها أسقط(5) فرض قيام الليل عن عبادِه، فقال: {عَلِمَ(6) أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}[المزمل:20]، فينبغي للأئمَّة التخفيف مع إكمال الركوع والسُّجود، ألا ترى أنَّه صلعم، قال للذي لم يتمَّ ركوعَه ولا سجودَه(7): ((ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ))، وقال صلعم: ((لا تجزئ صلاة الرجل حتَّى يُقيم ظهرَه في الركوع والسجود)).
          وممَّن كان يخفِّف الصَّلاة مِن السَّلف: أنس بن مالك، قال ثابت: صلَّيتُ معَه العتمة، فتجوَّز ما(8) شاء الله، وكان سعدٌ إذا صلَّى في المسجد خفَّف الركوع والسجود وتجوَّز(9)، وإذا صلَّى في بيتِه أطال الركوع والسُّجود والصَّلاة، فقلتُ له، فقال: إنَّا أئمَّة يُقتدى بنا، وصلَّى الزبير بن العوَّام صلاة خفيفة، فقيل له: أنتم أصحاب رسول الله صلعم أخفُّ الناس صلاة، فقال: إنَّا نُبادر هذا الوسواس، وقال عمارٌ: احذفوا هذه الصَّلاة قبل وسوسة الشيطان، وكان أبو هريرة يتمُّ الركوع والسجود ويتجوَّز(10)، فقيل له: هكذا(11) كانت صلاة رسول الله صلعم؟ فقال: نعم وأجوَز، وقال عَمْرو بن ميمون: لما طُعن عمر تقدَّم عبد الرحمن بن عوف، فقرأ بأخصر(12) سورتين في القرآن: {إنَّا أعطيناك الكوثر}[الكوثر:1]، و{إذا جاء نصر الله(13)}[النصر:1]، وكان إبراهيم يُخفِّف الصَّلاة ويتمُّ الركوع والسجود، وقال أبو مجلز: كانوا يُتمُّون ويوجزون، ويبادرون الوسوسة، ذكر(14) الآثار كلَّها ابن أبي شيبة في «مصنَّفِه».


[1] في (ق): ((ابن)).
[2] زاد في(م): ((منه)).
[3] قوله: ((ما)) ليس في (ق).
[4] في(ق): ((أنه)).
[5] في(م) و(ق): ((سقط)).
[6] قوله: ((علم)) ليس في (ز) و هي مثبتة من باقي النسخ.
[7] في(م) و(ق): ((ركوعه وسجوده)).
[8] في(م): ((بما)).
[9] في(م) و(ق): ((وجوَّز)).
[10] في (ق): ((ويجوّز)).
[11] في(م): ((أهكذا)).
[12] في (ق): ((بأحسن))، و في (م): ((بأقصر)).
[13] زاد في(م): ((والفتح)).
[14] زاد في(م) و(ق): ((هذه)).