شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يكف شعرًا

          ░137▒ باب: لا يَكُفُّ شَعَرًا ولا ثوبًا فِي الصَّلاةِ.
          فيه: ابْن عَبَّاسٍ: (أنَّ النَّبِيّ صلعم، قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، ولا نَكُفُّ(1) شَعَرًا وَلا ثَوْبًا). [خ¦815]
          قال الطبريُّ: فيه البيان أنَّه غير جائز للمرء أن يصلِّي عاقصًا شعرَه أو كافًّا ثوبَه، يرفع أسافلَه من الأرض أو يشمِّر(2) أكمامَه، فإن صلَّى وهو عاقصٌ شعرَه أو كافٌّ ثوبَه، فقد أساء ولا إعادة عليه لإجماع الأمَّة(3) على ذلك، ورواية عن نبينا صلعم على(4) أنه(5) لا إعادة عليه، وممَّن رُوي عنه ذلك(6) من السلف: عليٌّ وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة، وكان ابن عباس إذا سجد يقع شعرُه على الأرض، وقال ابن عمر لرجل رآه يسجد معقوصًا(7) شعرُه: أرسلْه يسجد معك.
          وقال(8) ابن المنذر: على(9) هذا قول أكثر أهل العلم غير الحسن البصريِّ، فإنَّه قال: من صلَّى عاقصًا شعرَه أو كافًّا ثوبَه، فعليه إعادة الصلاة.
          وأجمع الفقهاء أنَّه يجوز السجود على اليدين في الثياب، وإنما كرِه ذلك ابن عمر وسالم وبعض التابعين، وحجَّة الجماعة ما رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه: ((أن النبي صلعم نهى أن يكشف الثوب عن يدِه إذا سجد)).
          وقال الحسن: كان أصحاب النبي صلعم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ذكرَه ابن أبي شيبة، وإجماع الأمَّة على جواز السجود على الركبتين مستورتين(10).
          وحجَّة من كرِه ذلك أنَّ اليدين حكمهما حكم الوجه لا حكم الركبتين(11)، وقياسًا(12) على أنَّ اليدين من المرأة تبع للوجه في كشفهما في الإحرام، / فكذلك(13) اليدان تبع للوجه في كشفهما في السجود.
          واحتجَّ الطحاويُّ بهذا الحديث في جواز السجود على كور العمامة فقال: قال ◙: ((أُمرت أن أسجد على سبعة آراب))، ولو سجد على ركبتيه ويديه ورجليه(14) وهي مستورة جاز، وكذلك السجود على الجبهة وهي مستورة، وقد تقدَّم اختلاف العلماء في السجود على كور العمامة في باب السجود على الثوب في شدَّة الحرِّ في أبواب اللِّباس في الصلاة قبل هذا.
          وقوله: (وَلا أكفَّ(15) شَعْرًا، ولا ثَوْبًا)، يعني: ولا(16) أضمُّهما، ويُروى: ((ولا أكفتُ ثوبًا)) والمعنى واحد، وفي الحديث: ((اكفتوا صبيانكم عند فحمة العشاء، فإنَّ للشيطان انتشارًا وخطفة بالليل(17)))، ومنه قولُه تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25-26].


[1] في (م) و(ق): ((أكفُّ)).
[2] في (م) صورتها: ((بتشميره))، و في (ق): ((تشميره)).
[3] في (م): ((الحجة)).
[4] قوله: ((على)) ليس في (ص).
[5] في (ق) و(م): ((وراثة عن نبيها ◙ أنه)).
[6] في (م): ((ذلك عنه)).
[7] في (ق): ((معقوص)).
[8] في (م) و(ق): ((قال)).
[9] في (م): ((وعلى)).
[10] في (ق): ((مستورين)).
[11] في (ق): ((الرجلين)).
[12] في (م) و(ق): ((قياسًا)).
[13] في (م): ((وكذلك)).
[14] في (ق): ((ورجليه ويديه)).
[15] في (ق): ((يكفّ)).
[16] في (م) و(ق): ((لا)).
[17] قوله: ((بالليل)) ليس في (ق).