شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاستهام في الأذان

          ░9▒ باب: الاسْتِهَامِ فِي الأذَانِ.
          وَيُذْكَرُ أَنَّ قْومًا اخْتَلَفُوا فِي الأذَانِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (قال رَسُولَ اللهِ صلعم: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا). [خ¦615]
          قال أبو جعفر الداوديُّ: قولُه ◙: (لو يعلم الناس(1) ما في النداء والصفِّ الأول)، يريد: لو يعلمون ما فيه من عظم(2) الثواب لتبادروا(3) إليه جميعًا، فلا يبقى من يقيم لهم الجمعة؛ لأنَّ إمام الجمعة لا يكون مؤذنًا، وإنَما يؤذِّنون بين يديه إذا جلس على المنبر، ولذلك قال عمر: لولا الخلاف(4) لأَذَّنتُ. أمَّا إقراع سعد بين الذين اختلفوا في الأذان فإنَّ الطبريَّ ذكر أنَّه افتُتحت القادسية صدر النهار واتَّبع الناس العدو، فرجعوا وقد حانت صلاة الظهر وأُصيب المؤذِّن؛ فتشاج الناس في الأذان حتى كادوا يجتلدون بالسيوف، فأقرع بينهم سعد فخرج سهم رجلٍ فأذَّن.
          والقرعة(5) أصلٌ من أصول السنة(6) في تبدية من استوت دعواهم في الشيء، وفضُل الصف الأول على غيرِه باستماع(7) القرآن إذا جهر الإمام والتكبير عند تكبيرِه والتأمين عند فراغِه من فاتحة الكتاب، وقد قيل: إنَّ المراد بذكر الصف الأول المسابقة إلى المسجد لأنَّ مَنْ بَكَّر إلى الصلاة وانتظرها وإن لم يصلِّ في الصف الأول أفضل ممَّن تأخَّر وصلَّى في الصف الأول؛ لأنَّ المنتظر للصلاة في صلاة، والتهجير: السبق إلى المسجد في الهواجر، فمن(8) ترك قائلتَه وقصد إلى المسجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة وهو في رباط.
          وقوله: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا)، فإنَّما خاطب بذكر العتمة من لا يعرف العشاء الآخر(9) إلَّا بهذا الاسم / فخاطبهم بما يعقلون، ومن علم أنَّ اسمها العشاء لم يُخاطب إلَّا بما في القرآن. قالَه الداودي. قال الطبري: وإنَّما خصَّ العتمة والصبح دون سائر الصلوات للزومها في أثقل الأوقات، العشاء وقت الدَّعة والسكون من كلِّ تعب، وقد جعل الله الليل سكنًا، وفيها تكلُّف الحركة في ظلمة الليل مع تخوف(10) الهوامِّ الضارَّة في الطريق، وأمَّا الفجر فوقت اشتداد(11) النوم لمحبة النفس(12) استدامة الراحة، فكان خروجًا من الدَّعة إلى تعب الوضوء والمشي إلى المساجد وليس كسائر الصلوات، ويبيّن ذلك قولُه ◙: ((أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر))، وقال ابن عمر: كنَّا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء والصبح أَسأْنا به الظنَّ، وقال عمر: لأن أشهد(13) الفجر في جماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة، وقال عثمان: من شهد العشاء فكأنَّما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح كأنَّما قام ليلة، وقولُه: (ولو حَبْوًا)، يعني لأتاهما من لا يقدر على المشي كالمُقعد وشبهِه.


[1] في (ص): ((لو يعلمون)).
[2] في (ق): ((عظيم)).
[3] في (ص): ((لبادروا)).
[4] في (م): ((الخلاف)) غير واضحة، و في (ق): لعلها الخلافة, في (ص): ((الخلافة)).
[5] في (ص): ((فالقرعة)).
[6] في (ص): ((الشريعة)).
[7] في (ص): ((لاستماع)).
[8] في (ق): ((لمن)).
[9] في (ق): ((الآخرة)), قوله: ((الآخر)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((خوف)).
[11] في (ق): ((استلذاذ)).
[12] في (ص): ((الناس)).
[13] في (ص): ((إني لأشهد)).