شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا ركع دون الصف

          ░114▒ باب: إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ.
          فيه: أَبو بَكْرَةَ: (أَنَّهُ انْتَهَى إلى النَّبِيِّ صلعم، وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلعم، فَقَالَ: زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ(1)). [خ¦783]
          اختلف العلماء فيمن ركع دون الصف، فروي عن زيد بن ثابت وابن مسعود(2) أنهما ركعا دون الصف ومشيا إلى الصف ركوعًا، وفعله سعيد بن جبير وعروة بن الزبير وأبو سلمة وعطاء، وقال مالك والليث: لا بأس أن يركع الرجل وحده دون الصف ويمشي إلى الصف إذا كان قريبًا قدر ما يلحق به(3).
          وقال أبو حنيفة والثوري: يكره للواحد أن يركع دون الصف ثم يتقدم، ولا يكره ذلك للجماعة، ذكره الطحاوي، قال: وأجاز مالك والكوفيون والليث والشافعي صلاة المنفرد دون الصف وحده، قال(4) مالك: ولا يجبذ إليه رجلًا، وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر: إن(5) ركع وحده دون الصف بطلت صلاته، واحتجوا بقوله صلعم لأبي بكرة: (زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ)، فدل أن صلاته غير صحيحة.
          قالوا: وقد قال أبو هريرة: لا تكبِّر حتى تأخذ مقامك من الصف.
          قال الطحاوي: وحجة أهل المقالة الأولى أن أبا بكرة ركع دون الصف، فلم يأمره النبي صلعم بإعادة الصلاة، ولو كان من صلى خلف الصف وحده(6) لا تجزئه صلاته لكان من دخل في(7) الصلاة خلف الصف لا يكون داخلًا فيها، فلما كان دخول أبي بكرة في الصلاة دون الصف دخولًا صحيحًا كانت صلاة المصلي كلها دون الصف صحيحة.
          فإن قيل: فما معنى قوله: (وَلَا تَعُدْ)؟ قيل: له عندنا معنيان:
          أحدهما: لا تعد أن تركع دون الصف حتى تقوم في الصف كما روى ابن عجلان عن الأعرج(8) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلعم: ((إذا أتى أحدكم إلى الصلاة(9) فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه منه(10))).
          والثاني: لا تعد أن تسعى إلى الصلاة سعيًا يحفزك فيه النفس، كما روى حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة قال: ((جئت ورسول الله صلعم راكع، وقد حفزني(11) النفس، فركعت دون الصف))، وذكر الحديث.
          قال ابن القصار: فجاء يلهث وكان(12)◙، أمرهم أن يأتوا الصلاة وعليهم السكينة.
          قال الطحاوي: ولا يختلفون فيمن صلى وراء إمام في صف، فخلا موضع رجل أمامه أنه ينبغي له أن يمشي إليه، وفي تقدمه من صف إلى صف هو فيما بين الصفين في غير صف، فلم يضره ذلك ولم يخرجه من الصلاة.
          فلو كانت الصلاة لا تجوز إلا لقائم في صف لفسدت على هذا صلاته لما صار في غير صف، وإن كان ذلك أقل القليل، كما أن من وقف على موضع(13) نجس أقل القليل وهو يصلي أفسد ذلك عليه صلاته، فلما أجمعوا أنهم يأمرون هذا بالتقدم إلى ما قد خلا أمامه من الصف، ولا يفسد ذلك عليه كونه فيما بين الصفين في غير صف، دل ذلك أن من صلى دون الصف أن صلاته تجزئه.


[1] قوله: ((ولا تعد)) ليس في (م).
[2] في (م): ((عن ابن مسعود وزيد بن ثابت)).
[3] قوله: ((به)) ليس في (م).
[4] في (م): ((وقال)).
[5] في (م): ((من)).
[6] قوله: ((وحده)) ليس في (م).
[7] قوله: ((دخل في)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((ابن عجلان، عن الأعرج)) ليس في (م).
[9] في (م): ((الصف)).
[10] في (م): ((من الصف)).
[11] في حاشية (ز): ((حفزه: جهده وأعياه)).
[12] زاد في (م): ((النبي)).
[13] في (م): ((مكان)).