شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة

          ░18▒ باب: الأذَانِ لِلْمُسَافِرِ(1) إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإقَامَةِ. وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ(2) وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: الصَّلاةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ.
          فيه: أَبو ذَرٍّ قَالَ: (كُنَّا مَعَ النبي صلعم فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ(3)، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ، حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ صلعم: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)(4). [خ¦629]
          وفيه: مَالِك بْن الْحُوَيْرِثِ قَالَ: (أَتَى رَجُلانِ(5) النَّبِيَّ صلعم يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: إِذَا أَنْتُمَا(6) خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا(7)، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا). [خ¦630]
          وفيه: نَافِعٌ عن(8) ابْن عُمَرَ: (أَذَّنَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ النبيَّ صلعم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا أَنْ(9) يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ على إِثْرِهِ: أَلا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ(10) الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ). [خ¦632]
          وفيه: أَبو جُحَيْفَةَ: (رَأَيْتُ النبيَّ صلعم بِالأبْطَحِ، فَجَاءَهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، وَأَخْرَجَ الْعَنزَةَ فَرَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلعم بِالأبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ). [خ¦633]
          اختلف العلماء في الأذان والإقامة في السفر، فاستحبَّت طائفة أن يؤذن المسافر ويقيم لكلِّ صلاة، رُوي(11) ذلك عن سلمان(12) وعبد(13) الله بن عَمْرو(14)، وعن سعيد بن المسيَّب مثلَه، وهذا قول(15) الكوفيين والشافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وقالت طائفة: هو بالخيار إن شاء أذَّن(16) وإن شاء أقام، رُوي ذلك عن عليِّ بن أبي طالب، وهو قول عروة والثوريِّ والنخعيِّ(17)، وقالت طائفة: يجزئه(18) إقامة، رُوي ذلك عن مكحول والحسن البصريِّ والقاسم، وكان ابن عمر يقيم في السفر لكلِّ صلاة إلَّا الصبح فإنَّه كان يؤذِّن لها ويُقيم. وفي «المختصر» عن مالك: ولا أذان على مسافر، وإنَّما الأذان على من(19) يجتمع إليه لتأذينه(20)، وقال عطاء: إذا كنت في سفر فلم تؤذِّن ولم تُقم فأَعِدِ الصلاة، وقال مجاهد: إذا نسي(21) الإقامة في سفر(22) أعاد، والحجَّة لهما قولُه صلعم للرَّجلين: (أذِّنا وأقيما)، قالا(23): وأمرُه على الوجوب، والعلماء على خلاف قول عطاء ومجاهد لأنَّ الإيجاب يحتاج إلى دليلٍ لا مُنازع فيه، وجمهور العلماء على أنَّه غير واجب في الحضر، والسفرُ الذي قُصرت فيه الصلاة عن هيئتها أولى بذلك.
          قال ابن القصَّار: والجواب عن قولِه للرجلين: (أذَّنا وأقيما) فإنِّه أراد الفضل بدلالة قولِه: (أذِّنَا)، والواحد يُجزئ عندهم. وأحاديث هذا الباب محمولة عند العلماء على استحباب الأذان والإقامة في السفر، وقد جاءت آثار في ترغيب الأذان والإقامة في أرض فلاة(24)، وأنَّه من فعل ذلك يصلِي وراءَه من الملائكة أمثال الجبال.


[1] في (ق): ((للمسافرين)).
[2] زاد في (م) و(ق): ((وجمع)).
[3] زاد في (م) ما صورته: ((أبر، الحديث))، و في (ق): ((أبرد أبرد الحديث)).
[4] قوله: ((ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ... إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)) ليس في (م) و(ق).
[5] زاد في (ق): ((إلى)).
[6] قوله: ((أنتما)) ليس في (م) و(ق).
[7] في (م) و(ق): ((وأقيما)).
[8] في (م) و(ق): ((أنَّ)).
[9] قوله: ((أن)) ليس في (م) و(ق).
[10] قوله ((أو)) ليس في (ق).
[11] في (ق): ((وروي)).
[12] في (ص): ((سليمان)).
[13] في (م): ((وعبيد)).
[14] في (ص): ((عبد الله بن عمر)).
[15] في (م) و(ق): ((المسيب وهو قول)).
[16] زاد في (م) و(ق): ((وأقام)).
[17] في (م) و(ق): ((عروة، والنخعي والثوري)).
[18] في (ق): ((تجزئه)).
[19] في (م): ((الأذان لمن)).
[20] في (ص): ((لأذانه)).
[21] قوله: ((نسي)) ليس في (م).
[22] في (م) و(ق): ((السفر)).
[23] قوله: ((قالا)) ليس في (م) و(ق).
[24] في (ق): ((الفلاة)).