شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث

          ░160▒ باب(1): مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيئِّ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ.
          وَقَوْلِ النبيِّ صلعم: (مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ مِنَ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا).
          فيه: ابْن عُمَرَ(2) أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ _يَعْنِي الثُّومَ_ فَلا يَغْشَانَا فِي مَسَجِدِنَا(3)، قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلا نِيِّئَهُ)(4). [خ¦853]
          وفيه: جَابِر عن النبيِّ صلعم: (لا يَغْشَانَا(5) فِي مَسَاجِدِنَا). [خ¦854]
          وفيه: جَابِر أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ(6): (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا _أَوْ(7) قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا_ وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ، وَأَنَّ النبي صلعم، أُتِيَ بِقِدْرٍ(8) فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: قَرِّبُوهَا، إلى بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآهُ(9) كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي).
          وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عن يونس عن الزهريِّ: أُتِيَ بِبَدْرٍ، يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ. [خ¦855]
          وفيه: أَنَس قَالَ النبيُّ صلعم: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبْنَا، ولا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا). [خ¦856]
          في هذا الحديث من الفقه إباحة أكل الثوم لأنَّ قولَه: (مَنْ أَكَلَ) لفظ إباحة، وفي ذلك دليل على أن شهود الجماعة ليس بفريضة خلافًا لأهل(10) الظاهر الذين يوجبونها، ويُحرِّمون أكل الثوم من أجل شهودها، وقد أكل الثومَ جماعةٌ من السلف.
          واختلف العلماء في معانٍ من هذا الحديث، فقال بعضهم(11): إنما خرج النهي عن(12) مسجد النبي صلعم خاصة من أجل ملائكة الوحي. وقال جمهور العلماء: حكم مسجد النبي صلعم وحكم سائر المساجد سواء، وملائكة الوحي وغيرها سواء لأنَّه قد أخبر صلعم(13) أنه يتأذى منه بنو آدم، وقال: ((يُؤذينا بريح الثوم))، ولا يحلُّ أذى الجليس(14) المسلم حيث كان.
          وروى ابن وهب عن مالك أنه قال(15): من أكل الثوم يوم الجمعة لا أرى له أن يشهد الجمعة في المسجد ولا رحابَه(16)، وبئس(17) ما صنع(18) من(19) أكل الثوم وهو ممن تجب عليه الجمعة.
          وفيه: دليل أن كلَّ ما(20) يتأذى به كالمجذوم وشبهِهِ يُبعد عن المسجد وحِلَق الذكر، وقد قال سُحنون: لا أرى الجمعة تجب على المجذوم، واحتج بقولِه صلعم: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنَّ مسجدنا)). وأفتى أبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم في رجل شكا جيرانُه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانِه، قال(21): يُخرج عن المسجد، ويُبعد عنه ونزع بهذا الحديث، وقال: أذاه أكثر من أذى الثوم، وهذا الحديث أصل في نفي كل ما(22) يتأذى به.
          وفيه: أن الخُضر كانت عندهم بالمدينة، وفي إجماع أهلها على(23) أنَّه لا زكاة فيها دليل على أنَّ رسول الله صلعم لم يأخذ منها الزكاة، ولو أخذ منها(24) لم يخفَ على جميعهم ولنُقل ذلك، وهو قول مالك والشافعيّ وجماعة.
          وقال(25) المُهَلَّب: في(26) قولِه: (أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِيْ)، دليل أنَّ الملائكة أفضل من بني آدم. وفيه: أنَّ بني آدم يلزمهم(27) من برِّ بعضهم ما لا يلزم لجميعهم(28) ألا ترى أنه لم يُؤمر آكل الثوم / باجتناب(29) أهل الأسواق ومهنة الناس وباعتهم. قال(30) مالك: ما سمعتُ في أكل الثوم كراهية(31) في دخول السوق(32)، وإنما ذلك في المسجد، ذكرَه ابن أبي زيد في «النوادر». وفيه: أنه من ترك طعامًا لا يحبُّه أنه لا لوم عليه كفعلِه ◙ في الضبِّ.
          وقال الخطابيُّ: فسّر ابن وهب البدر أنه الطبَق، وأراه سُمِّي بذلك(33) لاستدارتِه واتِّساقِه، ولذلك سُمِّي القمر عند اتِّساقِه(34) بدرًا، ومنه: عينٌ بدرةٌ إذا كانت واسعة مستديرة، قال امرؤ القيس:
وعيـن لهـا حَـدْرة بَدْرة(35)                      شُقَّتْ مآقيهما(36) مواخرها(37)
          والبدرة: مسك السخلة، وبه سمِّيت بدرة المال.


[1] قوله: ((باب)) ليس في (م).
[2] في (ق): ((عباس)).
[3] في (م) و(ق): ((فلا يقربنَّ مسجدنا)).
[4] قوله: ((قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلا نِيئَهُ)) جاء في (م) و(ق). بعد قوله: ((وفيه جابر عن النبي ◙ لا يغشانا في مساجدنا)).
[5] في (ق): ((يغشنا)).
[6] في (م): ((جابر، قال النبي صلعم)).
[7] في (ق): ((و)).
[8] في (م): ((بقدر)) غير واضح.
[9] في (م) و(ق): ((رأوه)).
[10] في (م) و(ق): ((خلاف أهل)).
[11] في (م) و(ق): ((قوم)).
[12] في (ق): ((على)).
[13] في (م) و(ق): ((لأنه ◙ قد أخبر)).
[14] زاد في (م) و(ق): ((ولا)).
[15] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[16] في (م): ((برحابه)).
[17] بياض في (ص) مكان ((بئس)).
[18] في (ص): ((منع)).
[19] في (ق): ((حين)).
[20] في (م) و(ق): ((من)).
[21] في (م) و(ق): ((فقال)).
[22] في (م) و(ق): ((من)).
[23] قوله: ((على)) ليس في (ق).
[24] في (م) و(ق): ((ولو أخذها)).
[25] في (م) و(ق): ((قال)).
[26] في (م): ((وفي)).
[27] في (ق) و(م): ((يلزم)).
[28] في (م): ((بجميعهم)).
[29] في (م): ((اجتناب)).
[30] في (م): ((وقال)).
[31] في (م): ((كراهة)).
[32] قوله: ((وباعتهم. قال مالك: ما سمعتُ في أكل الثوم كراهية في دخول السوق)) ليس في (ق).
[33] في (م) و(ق): ((بدرًا)).
[34] قوله: ((عند اتِّساقِه)) ليس في (ق).
[35] في (ص): ((بدرة حدرة)).
[36] في (ص): ((مآقيها)).
[37] في (ق) و(م): ((من أُخُر)).