شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم

          ░59▒ باب: إِذَا لَمْ يَنْوِ الإمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ.
          فيه: ابْن عَبَّاسٍ أنَّه قَالَ: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي ميمونة، فَقَامَ(1) النَّبِيُّ صلعم يُصلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ(2)، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي، فَأَقَامَنِي(3) عَنْ يَمِينِهِ). [خ¦699]
          اختلف العلماء في هذا الباب، فقال الثوريُّ وإسحاق ورواية(4) عن أحمد: على المأموم الإعادة إذا لم ينوِ الإمام أن يُؤتمَّ به في صلاتِه. وقال أبو حنيفة: إذا نوى الإمام جاز أن يُصلِّي خلَفه الرِّجال وإن لم ينوهم، ولا يجوز للنساء أن يُصلِّينَ خلفَه إلَّا أن ينويهنَّ. ولابن القاسم في «العتبية» نحو قول أبي حنيفة، فيمن أمَّ النساء، سُئل ابن القاسم عن إمام صلَّى برجال(5) ونساء، فقام الرجل عن يمينِه والنساء خلفهما فأحدث الإمام، فقدَّم صاحبَه هل يُصلِّي بالنساء اللاتي خلفَه؟ قال: يُصلِّي المستخلف بالنساء(6)، وإن لم يستخلفْه الإمام إذا نوى أن يكون إمامهنَّ.
          وقال مالك في «المدونة»: ولا(7) بأس أن تأتمَّ بمن لم ينوِ أن يؤمَّك في الصَّلاة، وهو قول الشافعيِّ(8). وذكر الطحاويُّ أن قول زفر كقول مالك والشافعيِّ: أنَّه يجوز للمرأة الائتمام(9) بمن لم ينوِ إمامتها. قال ابن القصَّار: ولا إشكال في أنَّه لا يحتاج إلى نيَّة الإمامة، والمراعاةُ في هذا نيةُ المأموم(10) أن يكون مأمومًا؛ لأنَّه إذا كان مأمومًا(11) سقطتْ عنه القراءة والسهو؛ لأنَّ الذي قد(12) دخل في الصَّلاة وحدَه قد دخل على أنَّه تلزمُه القراءة والسهو، وأنَّ أحدًا لا يتحمَّلها عنه، والمأموم يدخل مقتديًا بغيرِه، فالقراءة والسهو عنه ساقطان(13)، فهو يحتاج إلى نيَّة الائتمام، ولو جاز أن يحتاج الإمام إلى نيَّة الإمامة لجاز أن يُقال: يحتاج إلى أن يُعيِّن في صلاتِه من يُصلِّي خلفَه من الرجال والنساء حتَّى لو جاء أحدٌ ممَّن لم ينوِه لم يجزْ أن يدخل(14) خلفَه.
          وحديث ابن عباس حجَّة لمالك ومن وافقَه لأنَّ ابن عباس جاء والنبيُّ صلعم يُصلِّي بالليل، فجعلَه على يمينِه، فمن ادَّعى أنَّ النبيَّ صلعم نوى أن يؤمَّ ابن عبَّاس في تلك الصَّلاة فعليه الدليل.
          وأمَّا قول أبي حنيفة، فلو قلبَه عليه(15) قالب فقال: إن نوى أن يكون إمامًا جاز للنساء أن يُصلِّينَ خلفَه ولم يجزْ للرجال، لم يكن له(16) فرق ولم تكن الحجَّة لهم إلَّا كالحجَّة عليهم، وأيضًا فإنَّ النساء كنَّ يُصلِّينَ خلف النبيِّ صلعم، ولم يَنقل عنه(17) أحدٌ أنَّه عيَّنهنَّ بالنيَّة، ولا حصل منه تعليم ذلك(18).


[1] في (ق): ((فقال)).
[2] قوله: ((معه)) ليس في (م) و(ق).
[3] في(م) و(ق): ((وأقامني)).
[4] في(م): ((ورواه)).
[5] في (ق): ((برجل)). في(م): ((عن رجل صلَّى برجل)).
[6] في (ص): ((والنساء)).
[7] في (ق): ((لا)).
[8] في(م) و(ق): ((الصلاة، وذكر مثله المزني عن الشافعي)).
[9] في (ق): ((الإمامة)).
[10] زاد في(م) و(ق): ((إن نوى)).
[11] قوله: ((أن يكون مأمومًا)) ليس في (م).
[12] قوله: ((قد)) ليس في (م) و(ق).
[13] في (ق): ((ساقطتان)).
[14] في (ص): ((يصلي)).
[15] في(م) و(ق): ((عليهم)) وفي (ص) طمس فوق نهاية ((عليه)) فتحتمل الوجهين.
[16] في(م) و(ق): ((لهم)).
[17] في (ق): ((عند)).
[18] في(م) و(ق): ((لذلك)).