شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الإقامة واحدة إلا قوله: قد قامت الصلاة

          ░3▒ باب الإقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلا قَوْلَهُ (قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ)
          فيه: أَنَس قَالَ: (أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُه لأيُّوبَ، فَقَالَ: إِلَّا الإقَامَةَ). [خ¦607]
          اختلف العلماء في الإقامة فقال مالكٌ وأهل الحجاز والأوزاعيٌّ: الإقامة فرادى، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال الشافعيُّ: الإقامة فرادى إلاَّ قولَه: (قَدْ قَامَت الصَّلاةُ)، فإنَّه يقولها مرَّتين، وفي «مختصر ابن شعبان» مثلُه. وقال الثوري وسائر الكوفيين: الإقامة مثنى مثنى كلُّها مثل الأذان، واحتجّوا بما رواه همام(1) عن عامر الأحول عن مكحول عن ابن مُحَيْرِيز عن أبي محذورة أنَّ الإقامة مثنى مثنى، وهو(2) قول عليِّ بن أبي طالب وأصحاب عبد الله(3) ابن مسعود. وحجُّةُ الشافعي ما رواه أيوب من قولِه: إلَّا الإقامة فهي شفع، قال: ويبين ذلك ما رواه شعبة عن أبي جعفر الفرَّاء، عن مسلمٍ _مؤذن كان لأهل الكوفة_ عن ابن عمر قال: ((كانت الإقامة على عهد النبيِّ صلعم مرَّة مرَّة، غير أنَّه إذا قال: قد قامت الصلاة، قالها مرتين)). واحتج أهل المقالة الأولى بما رواه خالد الحذَّاء عن أبي قِلابة، عن أنس قال: ((أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)). قال أبو محمد الأصيليُّ: وقولُه: (إلَّا الإقامة)، هو من قول أيوب وليس من الحديث، قال ابن القصَّار: وكذلك رواه ابن جُريج، عن عطاء، عن أبي محذورة: ((أن النبي صلعم علَّمَه الأذان شفعًا والإقامة وترًا))، ومثلُه في رواية عبد الله بن زيد، وسعد القرظ، فإن قال الشافعيُ: قول أيوب: إلَّا الإقامة زيادة في الحديث والزيادة يجب قبولها، قيل: الزائد أولى ما لم يُعارضه(4) ما هو أقوى منه، وذلك عمل أهل المدينة وإجماعهم خلف عن سلف على إفراد الإقامة، ومُحال أن يذهب عليهم شيءٌ من جهة النبيّ صلعم مما يجري في اليوم والليلة خمس مرات ويعلمُه غيرهم، ولو صحَّت زيادة أيوب وما رواه الكوفيون من تثنية الإقامة لجاز أن يكون ذلك في وقتٍ ما، ثمَّ ترك فعمل أهل المدينة على الآخر الذي استقر الأمر عليه، ولا يجوز أن يُظنَّ بهم أنَّه خالفوا ولا قصدوا العناد، وبمثل هذا احتجَّ ابن القصار على من خالف مالكًا في كثير من المسائل، واحتجَّ(5) بنقلهم وفعلهم في ترك الزكاة في الخضر وبالأجناس وبالمدِّ وبالصاع(6) على من خالفه.


[1] في المطبوع و(ص): ((هشام)).
[2] في (ق) و(ص): ((قالوا: وهو)).
[3] قوله: ((عبد الله)) ليس في (ص).
[4] في (ق): ((يعارض)).
[5] في (ق): ((فاحتجَّ)).
[6] في (ق): ((والصاع)).