شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من انتظر الإقامة

          ░15▒ باب: مَنِ انْتَظَرَ الإقَامة.
          فيه: عَائِشَة قَالَتْ(1): ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأولَى مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ على شِقِّهِ الأيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإقَامَةِ)). [خ¦626]
          قال المؤلف:(2) هذا الحديث دليل على أنَّ(3) ما جاء في(4) الحضِّ على التهجير والترغيب في الاستباق إلى المساجد، إنَّما كان لمن هو على(5) مسافة من المسجد لا يسمع فيها الإقامة من بيتِه، ويخشى إنْ لم يبكِّر أنْ يفوتَه فضل انتظار الصلاة، وأمَّا من كان مجاورًا للمسجد(6) حيث(7) يسمع الإقامة ولا تخفى عليه، فانتظار الصلاة(8) في دارِه كانتظارِه لها في المسجد، له أجرُ منتظِر الصلاة لأنَّه لا يجوز أن يترك النبي صلعم الأفضل من الأعمال في خاصتِه(9) ويحضَّ عليها أمَّتَه، بل كان يلتزم التشديد في نفسِه، ويحبُّ التخفيف عن أمَّته، ولو لم يكن له(10) في بيتِه فضل الانتظار لخرج إلى المسجد قبل الإقامة، ليأخذ بحظٍّ من(11) الفضل، والله أعلم.
          وقد قال أبو سليمان الخطابيُّ(12): سكب المؤذن(13)، بالباء، رواه عن عبد(14) العزيز بن محمد، عن(15) الجنيد، قال(16) سويد: عن(17) ابن المبارك عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة، قال سويد: سكب: يريد أَذَّنَ، والسَّكْبُ(18): الصَّبُّ، وأصلُه في الماء يُصَبُّ، وقد يُستعار فيُستعمل في القول والكلام كقول القائل: أُفرغ في أذني كلام لم أسمع مثلَه، وأنشد ابن دريد: لا يفرغنَّ في أذني مثلها، وفي الحديث: ((ويل لأقماع القول))، وهم الذين يستمعون(19) ولا يعملون به، شبَّه آذانهم بالأقماع يُصب فيها الكلام صبَّ الماء في الإناء، وهذا الذي رواه سويد، عن ابن المبارك له وجه في الصواب، ولا يدفع ذلك رواية من روى: ((سكت))، بالتاء؛ لأنَّها بيِّنة المعنى(20)، وقد تأتي الباء بمعنى من و عن في كلام(21) العرب كقولِه تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:59]، أي: عنه، وقولِه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ}[الإنسان:6]، أي: يشرب منها، وممكن والله أعلم أن يكون(22) حمل الراوي لهذا الحديث على أن يرويه سكب بالباء(23) دون التاء لأنَّ المشهور في سكت أن تكون معلقة(24) بعن أو من، كقولهم: سكت عن كذا، أو سكت من كذا، فلما وُجد في الحديث مكان: من و عن، الباء ظنَّ أنَّه سكب من أجل مجيء الباء بعدها، وقد ذكرنا أنَّ الباء تأتي(25) بمعنى: عن و من، وكلُّ(26) الروايتين خارج المعنى، والله أعلم(27).


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[2] زاد في (ق) و(ص): ((في)).
[3] قوله: ((أنَّ)) ليس في (ص).
[4] في (م) و(ق): ((من)).
[5] في (ق): ((إنما هو لمن كان على)), في (ص): ((إنما هو على)).
[6] في (م) و(ص): ((مجاور المسجد)).
[7] في (ق): ((بحيث)).
[8] في (م) و(ق): ((فانتظاره للصلاة)), في (ص): ((فانتظارها)).
[9] في (م) و(ق): ((خاصة نفسه)).
[10] قوله: ((له)) ليس في (ق).
[11] زاد في (م) و(ق) و(ص): ((هذا)).
[12] زاد في (ق) و(م): ((في قوله)).
[13] زاد في (م) و(ق): ((سكب)).
[14] في (م): ((وقد حدثناه عبد))، و في (ق): ((وقال حدثنا عبد)).
[15] زاد في (م) و(ق): ((ابن)).
[16] في (م) و(ق): ((حدثنا)).
[17] في (م)و(ق): ((حدثنا)).
[18] في (م) و(ق): ((قال والكسب)).
[19] في (ص): ((يسمعون)).
[20] زاد في (م) و(ق)و(ص): ((في الصواب)).
[21] في (م): ((بمعنى عن، ومن كثيرٌ إلى كلام))،و في (ق): ((بمعنى من روي كثيرًا في كلام)).
[22] في (ق) و(ص): ((ويمكن أن يكون والله أعلم)).
[23] في (م): ((والباء)).
[24] في (م) و(ق): ((متعلقة)).
[25] في (م): ((قد تأتي)).
[26] في (م) و(ق): ((وكِلا)).
[27] قوله: ((والله أعلم)) ليس في (م) و(ق).