شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع

          ░124▒ باب: القراءة في الركوع والسجود وما يقول الإمام.
          ومن خلفَه إذا رفع رأسَه من الركوع.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ(1) إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ(2)، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ). [خ¦795]
          ترجم له البخاريُّ(3): باب القراءة في الركوع والسجود، ولم يُدخل فيه حديثًا بجواز ذلك ولا بمنعِه.
          وقد رُوي عن النبيِّ صلعم، ((أنَّه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود))، ذكرَه الطبريُّ قال: أخبرنا(4) عبدالله بن أبي زياد، قال: حدَّثنا عثمان بن عُمَير(5)، قال: حدَّثنا داود بن قيس، عن إبراهيم(6) بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، عن عليَّ ☺ قال: ((نهانيْ حبيبي(7) صلعم أن أقرأ راكعًا وساجدًا(8))).
          واتفق فقهاء الأمصار على القول بهذا الحديث، وخالفَه قوم من السلف فأجازوه(9)، روى أبو إسحاق، عن عَمْرو بن ميمون قال: سمعت أخي سليمان(10) بن ربيعة وهو ساجد، وهو يقول: ╖، ما لو شاء رجل يذهب إلى أهلِه يتوضأ(11)، ثم يجيء وهو ساجد لفعل، وقال عطاء: رأيتُ عبيد بن عمير يقرأ وهو راكع في المكتوبة، وأجازَه الربيع بن خُثَيم، وقال إبراهيم النَّخَعِي في الرجل ينسى الآية فيذكرها وهو راكع، قال: يقرؤها وهو راكع.
          قال الطبريُّ: وهؤلاء لم يبلغهم الحديث بالنهي عن ذلك عن النبي صلعم، أو بلغهم فلم يَرَوْهُ صحيحًا، ورأوا قراءة القرآن حسنة في كل حال،(12) قال الطبريُّ: / والخبر عندنا بذلك(13) صحيح، فلا ينبغي لمصلٍّ أن يقرأ في ركوعِه وسجودِه من أجله، وعلى هذا جماعة أئمَّة الأمصار.
          واختلف العلماء فيما يقول الإمام ومن خلفَه إذا رفع رأسَه من الركوع، فذهبتْ طائفة إلى الأخذ بحديث سعيد المقبريِّ عن أبي هريرة، وقال(14): ينبغي للإمام أن يقول: سمع الله لمن حمدَه ربنا ولك الحمد، يجمعهما جميعًا، ثم يقول المأموم: ربنا ولك الحمد خاصَّة، هذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن والشافعيِّ وابن نافع صاحب مالك، إلَّا أنَّ الشافعيَّ خالفهم في المأموم فقال: يقول: سمع الله لمن حمدَه ربنا ولك الحمد، كالإمام سواء.
          وقالت طائفة: يقول الإمام: سمع الله لمن حمدَه دون المأموم، ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد، هذا قول مالك والليث وأبي حنيفة، واحتجُّوا لهذا القول(15) بحديث مالك عن سُميٍّ عن أبي صالح عن أبي هريرة: ((أن النبيَّ صلعم قال: إذا قال الإمام(16): سمع الله لمن حمدَه، فقولوا: ربنا ولك الحمد)).
          قال ابن القصَّار: فأفرد الإمامَ بغير ما أفرد به المأمومين، ولو كان الإمام يجمع الأمرين لقال ◙: إذا قال الإمام: ربَّنا لك(17) الحمد، فقولوا: سمع الله لمن حمدَه ربَّنا ولك الحمد، حتى يكون ابتداء قولهم بعد انتهاء قولِه كما قال: وإذا كبَّر فكبِّروا، ولم يكن للفرق بينهما معنى، وحديث أبي صالح قاضٍ على حديث المقبريِّ ومبيِّنٌ له، ويحتمل أن يكون ◙، يقول: سمع الله لمن حمدَه ربَّنا لك الحمد إذا كان منفردًا في صلاتِه، وإنَّما سقط سمع الله لمن حمدَه للمأموم لاختلاف حالِه وحال الإمام في الصلاة، وأنَّ المأموم(18) مجيب للدعاء، كما قسم النبيُّ صلعم الذكر بين العاطس والمشمِّت، فكذلك قسم هذا الذكر بين الإمام والمأموم.
          وقول الإمام: سمع الله لمن حمدَه استجابة(19) لدعاء داعٍ، وقول المأموم: ربنا ولك(20) الحمد على وجه المقابلة لأنَّه لا حامد له غير المؤتمِّ به في هذه الحال(21)، فلا يشرك أحدهما صاحبَه.
          وقال أهل المقالة الأولى: ليس في قولِه ◙: ((وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمدَه، فقولوا: ربنا ولك الحمد))، دليل على أنَّ ذلك يقولُه الإمام دون غيرِه، ولو كان كذلك لاستحال أن يقولها من ليس بمأموم، فقد رأيناكم تُجمعون على(22) أنَّ(23) المصلي وحدَه يقولها مع قولِه: سمع الله لمن حمدَه، فلمَّا قالها المنفرد ولم ينتفِ ما ذكرنا من قولِه ◙، كان الإمام كذلك يقولها أيضًا(24)، ولا ينفي ما قال رسولُ الله صلعم، واحتجّوا أيضًا بما رواه ابن وهب عن يونس عن الزهريِّ عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: ((كان رسول الله صلعم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة يكبِّر ويرفع رأسَه يقول: سمع الله لمن حمدَه(25) ربَّنا ولك الحمد، اللَّهُمَّ أنجِ الوليد بن الوليد)) الحديثَ. وبه قال(26) ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: ((خسفت الشمس في حياة رسول الله صلعم فصلَّى بالناس، فلما رفع رأسَه من الركوع قال: سمع الله لمن حمدَه ربنا ولك(27) الحمد)).
          قال الطحاويُّ: فهذا(28) من طريق الآثار، وأمَّا(29) من(30) طريق النظر(31)، فإنَّا رأيناهم قد أجمعوا أنَّ المنفرد يقول ذلك، فأردنا أن ننظر في الإمام هل حكمُه حكم من يصلي وحدَه أم لا، فوجدنا الإمام يفعل في صلاتِه كلِّها من التكبير والقراءة مثل(32) ما يفعلُه المنفرد، ووجدنا أحكامَه فيما يطرأ عليه كأحكامِه، وكان المأموم في ذلك بخلاف الإمام والمنفرد، وثبت باتفاقهم أنَّ المصلي وحدَه يقول: سمع الله لمن حمدَه ربَّنا ولك الحمد ثبت أنَّ الإمام يقولها أيضًا كذلك.


[1] زاد في (م) و(ق): ((النبي صلعم)).
[2] في (م): ((كبر)).
[3] في (م) و(ق): ((قال المؤلف: ترجم البخاري في)).
[4] في (م) و(ق): ((حدثنا)).
[5] في (ق) و(م) و(ص): ((عمر)).
[6] زاد في (م) و(ق): ((بن عبدالله)).
[7] في (م): ((حبِّي)).
[8] في (م): ((أو ساجدًا)).
[9] في (ق) و(م) و(ص): ((وأجازوه)).
[10] في (م): ((سلمان)).
[11] في (ق) و(م) و(ص): ((فيتوضأ)).
[12] قوله: ((قال الطبريُّ: وهؤلاء لم يبلغهم الحديث بالنهي عن ذلك عن الرسول، أو بلغهم فلم يَرَوْهُ صحيحًا، ورأوا قراءة القرآن حسنة في كل حال)) ليس في (م) و(ق).
[13] في (م) و(ق): ((والخبر بذلك عندنا)).
[14] في (م): ((وقالوا))، وفي (ص): ((فقالوا)).
[15] قوله: ((لهذا القول)) ليس في (م) و(ق).
[16] في (م): ((أن النبي ◙ قال الإمام)).
[17] في (ق) و(م) و(ص): ((ولك)).
[18] في (ص): ((للإمام)).
[19] في (م): ((استحبابه)).
[20] في (م): ((لك)).
[21] في (م): ((الحالة)).
[22] قوله: ((على)) ليس في (م) و(ق).
[23] في (ق): ((إلى)).
[24] في (م): ((كذلك أيضًا يقولها)).
[25] زاد في (ق): ((اللَّهُمَّ)).
[26] في (م): ((عن)).
[27] في (م): ((لك)).
[28] في (ص): ((هذا)).
[29] في (م): ((فأما)).
[30] قوله ((من)) ليس في (ق).
[31] زاد في (م) و(ق): ((في ذلك)).
[32] في (م): ((والقراءة وغير ذلك))، و في (ق): ((والقراءة غير ذلك مثل)).