شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة

          ░80▒ باب: إِذَا كَانَ بَيْنَ الإمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ.
          وقَالَ الْحَسَنُ: لا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ(1).
          وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ طَرِيقٌ، إذا سمع تكبير الإمام(2).
          وفيه(3) عَائِشَة: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُصلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صلعم، فَقَامَ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ، فَأَصْبَحُوا، فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ مَعَهُ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ(4)، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، حتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ(5)، فَقَالَ: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ(6) عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ). [خ¦729]
          وفيه: زَيْد بْن ثَابِتٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم اتَّخَذَ حُجْرَةً _حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ_ فِي رَمَضَانَ، فَصلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فقَالَ(7): قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاة صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ). [خ¦731]
          قال المؤلف(8): اختلف العلماء في الإمام بينَه وبين القوم طريق أو حائط، فأجازتْه طائفة، رُوي ذلك عن أنس بن مالك وأبي هريرة وسالم وابن سيرين، وكان عروة يُصلِّي بصلاة الإمام وهو(9) في دارٍ بينها وبين المسجد طريق، وقال مالك: لا بأس أن يُصلِّي وبينَه وبينَه(10) طريق أو نهر صغير، وكذلك السُّفن المتقاربة يكون الإمام في إحداها أو نهر صغير(11) تجزئهم الصَّلاة معَه. وقال عطاء: لا بأس أن يُصلِّي بصلاة الإمام مَن علمها. وكرهتْ ذلك طائفة رُوي عن عُمَر بن الخطاب ☺: إذا كان بينَه وبين الإمام طريق أو نهر أو حائط فليس(12) معَه، وكرِه الشَّعبيُّ وإبراهيم أن يكون بينهما طريق، وزاد إبراهيم: أو نساء. وقال الكوفيون: لا تجزئه إلَّا أن تكون الصفوف متَّصلَة في(13) الطريق، وهو قول الليث والأوزاعيِّ وأشهب صاحب مالك، وكذلك اختلفوا فيمن صلَّى في(14) دارٍ محجورٍ عليها بصلاة للإمام(15)، فأجازَه عطاء، وأبو حنيفة في الجمعة وغيرها، وبه قال ابن نافع صاحبُ مالك، وجوَّزَه مالك إذا كان يسمع التكبير إلَّا في الجمعة خاصَّة، فلا تصحُّ صلاتها عندَه في موضع يمنع منه في سائر الأوقات، ولا تجوز إلَّا في الجامع ورحابِه.
          وقال الشافعي: لا يجوز(16) أن يُصلِّي في موضع محجورٍ عليه في الجمعة وغيرها إلَّا أن تتَّصل الصفوف. وحجَّة من أجاز ذلك حديث عائشة وزيد بن ثابت أنَّ النبي صلعم، صلَّى في حجرتِه وصلَّى الناس بصلاتِه، فلو لم تجزئهم لأخبرهم بذلك لأنَّه بُعث معلِّمًا.
          قال ابن القصار: وقد كان أزواج النبي صلعم يُصلِّين في حجرهنِّ بصلاتِه صلعم، وبعدَه بصلاة أصحابِه إذا(17) لم يمنع الحائل بين الإمام والمأموم من تكبيرة الإحرام ولا استماع التكبير لم يقدح في الصَّلاة، دليلُه: الأعمى، ومن(18) بينَه وبين الإمام صفوف أو سارية، فلا معنى للمنع مِن ذلك. قال المُهَلَّب: وفي هذا الحديث(19) جواز الائتمام بمن لم ينو أن يكون إمامًا في تلك الصَّلاة لأنَّ الناس ائتموا برسول الله صلعم من وراء الحائط ولم يعتقد(20) نيَّة(21) معهم على الإمامة، وهو قول مالك والشافعيِّ وقد تقدَّم.


[1] في(م): ((هواء))، و زاد في (ق): ((إذا سمع تكبير الإمام)).
[2] العبارة في(م) و(ق): ((إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإمَامِ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: تأْتَمُّ بِالإمَامِ، وَإِنْ كَان بينك وبينه جِدَارٌ أَوْ طَرِيقٌ)).
[3] في (ق) و(م): ((فيه)).
[4] قوله: ((فَأَصْبَحُوا، فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ مَعَهُ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاتِه)) ليس في (م).
[5] في(م) و(ق): ((للناس)).
[6] في (ق): ((يكثر)).
[7] في (م) و(ص): ((وقال)).
[8] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م) و(ق).
[9] قوله: ((وهو)) ليس في (م).
[10] في(م): ((وبين الإمام))، و قوله ((وبينه)) ليس في (ق).
[11] في(م) و(ق): ((أحدها في نهر صغير)).
[12] في (ق): ((فليبن)).
[13] في (ص): ((على)).
[14] قوله: ((صلى في)) ليس في (م).
[15] في (ق) و(م): ((الإمام)).
[16] في(م) و(ق): ((يجزئه)).
[17] في(م) و(ق): ((وإذا)).
[18] في(م) و(ق): ((أو من)).
[19] زاد في(م): ((من الفقه))، و في (ق): ((وفي الحديث من الفقه)).
[20] في(م) و(ق): ((يعقد)).
[21] في(م) و(ق): ((نيته)).