شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟

          ░69▒ باب: هَلْ يَأْخُذُ الإمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رسول الله صلعم، انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاة أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ النبيُّ صلعم(1): أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟، فَقَالَ(2) النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ(3) فَصلَّى اثْنَتَيْنِ)، الحديثَ(4). [خ¦714]
          اختلف العلماء في الإمام إذا شكَّ في صلاتِه، فأخبرَه مَن خلفَه مِن المأمومين أنَّه ترك ركعة هل يرجع إلى قولهم، ويدع يقينَه(5) أم لا؟ فقال(6) ابن القصَّار: اختلفتْ(7) الرواية عن مالك في ذلك، فقال مرَّة: يرجع إلى قولهم، وهو قول أبي حنيفة لأنَّهم يقولون: إنَّه يبني على غالب ظنِّه، وقال مرَّة أخرى: يعمل على يقينِه(8)، ولا يرجع إلى قولهم، وهو قول الشافعيِّ، قال ابن القصَّار: فوجه قولِه(9) لا يرجع إلى قولهم(10)، فإنَّما هو عنديْ إذا كان على يقينٍ من صلاتِه، فلا يجوز أن يترك يقينَه(11)، وقال(12) الشافعيُّ: رجوع(13) النبي صلعم يوم ذي اليدين إلى قول من أخبرَه إنِّما كان لأنَّه ذُكِّر بذلك(14) فَذَكر وبنى على يقينِه، ووجه القول الآخر أن يأخذ بقولهم فالذي يؤدِّي إلى اليقين أن يأتي بركعة ويقبل قولهم؛ لأنَّ يقين الاثنين أكثر من يقين الواحد، والذي يهمُّهم من أمر الصَّلاة مثل الذي يهمُّه، فينبغي أن يقبل منهم لأنَّه يشكُّ كما يشكُّون، غير أنَّ الاثنين إذا اتفقا كانوا(15) أقوى من الواحد، فكيف الجماعة؟ ولا معنى لقول الشافعيِّ: إنِّ النبيَّ صلعم ذُكِّرَ فَذَكر لأنَّه لو ذكر لقال قد ذكرتُ، حتَّى لا يظنَّ أحدٌ أنَّه عمل على قولهم، فمن ادَّعى أنَّه ذكر بغير دلالة فهو بمنزلة مَن قال(16): إنَّ الحاكم إذا حكم بشهادة الشهود، فإنَّه لم يحكم لأجل ما ثبت عندَه مِن الشهادة، وإنَّما حكم لأجل أنه علم ذلك.


[1] في(م) و(ق): ((رسول الله صلعم)) و قوله ((النبي صلعم)) ليس في (م).
[2] في(م) و(ق): ((قال)).
[3] قوله: ((فقال)) ليس في (ق).
[4] قوله: ((الحديث)) ليس في (ص).
[5] في(م): ((نفسه)).
[6] في(م) و(ق): ((قال)).
[7] في (ق): ((واختلفت)).
[8] في(م) صورتها: ((نفسه)) في الموضعين.
[9] زاد في(م): ((أنه)).
[10] في(م) صورتها: ((تعينهم)) وتحتمل: ((نفسهم)).
[11] قوله: ((ولا يرجع إلى قولهم، وهو قول الشافعيِّ، قال ابن القصَّار: فوجه قولِه لا يرجع إلى قولهم، فإنَّما هو عنديْ إذا كان على يقينٍ من صلاتِه، فلا يجوز أن يترك يقينَه)) ليس في (ق).
[12] في(م): ((قال)).
[13] في(م) و(ق): ((ورجوع)).
[14] قوله: ((بذلك)) ليس في (م).
[15] في(م) و(ق): ((كان)).
[16] في(م) و(ق): ((يقول))، وفي (ص): ((قولهم: قال)).