شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدعاء عند النداء

          ░8▒ باب: الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ.
          فيه: جَابِر: (قال النبيُّ صلعم: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ). [خ¦614]
          قال الطحاويُّ: وقد رُوي عن النبيِّ صلعم أنَّه كان يقول عند الأذان غير ما جاء في هذا(1) الحديث ويأمر(2) به، / وذلك ما روى الليث عن حكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنَّ رسول الله صلعم قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له(3)، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، رضيت بالله، ╡(4) ربًّا،(5) وبالإسلام دينًا؛ غُفر له)). وما رواه(6) ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن حفصة بنت أبي كثير، عن أمِّها، عن أمِّ سلمة قالت: ((علَّمني النبي صلعم فقال: إذا كان عند أذان(7) المغرب فقولي(8): اللَّهُمَّ عند(9) استقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك(10) وحضور صلواتك، اغفر لي)). قال الطحاويُّ: فهذه الآثار تدل على أنه إنما يراد بهذه الآيات مما يقال(11) عند الأذان(12) الذكر(13)، فكل الأذان ذِكْر غير: حي على الصلاة، حيَّ على الفلاح، فإنَّهما دعاء إلى الصلاة، فالذكر أولى أن يُقال. وقال المُهَلَّب: فيه الحض على الدعاء في أوقات الصلوات حين تُفتح أبواب السماء للرحمة، وقد جاء في الحديث: ((ساعتان لا يُردُّ فيهما الدعاء حضرة النداء بالصلاة، وحضرة الصفِّ في سبيل الله))، فدلَّهم ◙ على أوقات الإجابة وأن يُدعى بمعنى ما فتح له أبواب السماء وهو قوله: (ربَّ هذه الدعوة التامة)، يعني الأذان المشتمل على شهادة الإخلاص لله تعالى، والإيمان بنبيِّه، ◙، وبذلك تمَّ(14) استحقاق الدخول في الإسلام، و(الصلاة القائمة) التي هي أول الفرائض بعد الإيمان بالله، فإذا دعا للنبيِّ ◙، بالوسيلة والمقام المحمود فقد دعا لنفسِه ولجميع المسلمين، وقوله: (حلَّت له شفاعتي) معناه غشيتْه وحلَّتْ عليه، لا أنَّها كانت حرامًا عليه قبل ذلك، و (اللام) هاهنا بمعنى (على)، وذلك موجود في القرآن، قال الله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ(15)}[الإسراء:109]، يعني: على الأذقان سجدًا، وقولُه: (ربَّ هذه الدعوة) لا حجَّة فيه للمعتزلة الذين يقولون بخلق الصفات _تعالى الله عن قولهم_ لأنَّ الرَّب في اللغة(16) يُقال لغير الخالق للشيء، وهو على ضروب: فربُّ الشيء بمعنى مالكِه ومستحقِّه كما قال يوسف ◙: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}[يوسف:23]، أي: إنَّه مالكي، والله ╡ وإنْ كان لا يجوز(17) أن يُوصف بأنَّه مالك لصفاتِه فهو مستحقٌّ أن يُوصف بها لأنَّ الملك والاستحقاق معناهما واحد.


[1] قوله: ((هذا)) ليس في (ق) و(ص).
[2] في (ق): ((ويأمره)).
[3] قوله: ((له)) ليس في (م)، و هي مثبتة من (ق).
[4] قوله: ((╡)) ليس في (ق).
[5] زاد في (ق): ((ومحمد رسولا)).
[6] زاد في (ص): ((محمد)).
[7] في (م): ((نداء)) وكتب فوقها: ((أذان)).
[8] في (ق): ((قولي)).
[9] في (م): ((عند)) وكتب فوقها كلمة غير واضحة صورتها: ((بحق)), في (ص): ((اللَّهُمَّ هذا استقبال)).
[10] في (ق): ((دعائك)).
[11] في (ص): ((على أنه أريد بها ما يقال)).
[12] زاد في (ص): ((من)).
[13] في (ق): ((فهذه الآثار تدل على أنه إنما أريد بما يقال عند الأذان الذكر)).
[14] في (ق): ((يتم)).
[15] زاد في (ص): ((سجدًا)).
[16] في (ق): ((في كلام العرب)).
[17] قوله: ((لا يجوز)) ليس في (م)،و هي مثبتة من (ق).