إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟!

          4532- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (حِبَّانُ) بكسر الحاء(1) المهملة وتشديد الموحَّدة، ابن موسى المروزيُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ ”أخبرنا“ (عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ) بالنُّون، واسم جدِّه أَرْطَبَان البصريُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) أنَّه (قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ) بضمِّ العين المهملة وسكون الظَّاء المعجمة، جمعُ عظيمٍ، أي: عظماء (مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى) اسمه: يسارٌ الكوفيُّ، زاد في «سورة الطَّلاق»: «فذكروا آخر الأجلين» [خ¦4910] (فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بضمِّ العين وسكون الفوقية، ابن مسعودٍ الهذليِّ التَّابعيِّ، ابن أخي عبد الله بن مسعودٍ (فِي شَأْنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ) بضمِّ السِّين المهملة وفتح الموحَّدة وفتح العين المهملة، مصغَّر «سبعةٍ» الأسلميَّة، وكانت زوج سعد بن خولة فتوفِّي عنها بمكَّة، فقال لها أبو السَّنابل بن بَعْكَكٍ: إنَّ أجلَكِ أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليالٍ، قيل: خمسٌ وعشرون(2) ليلةً، وقيل: أقلُّ من ذلك، فلما قال لها أبو السَّنابل ذلك؛ أتت النَّبيَّ صلعم فأخبرته، فقال لها: «قد حللتِ، فانكحي من شئت» (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن أبي ليلى: (وَلَكِنَّ عَمَّهُ) نصب بـ «لكنَّ» المشدَّدة، ولأبي ذرٍّ: ”ولكنْ عمُّه“ بتخفيف النُّون ورفع «عمُّه» أي: عمُّ عبد الله بن عتبة؛ وهو عبد الله بن مسعودٍ (كَانَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ) بل يقول: تعتدُّ بآخر الأجلين، قال محمَّد ابن سيرين: (فَقُلْتُ: إِنِّي لَجَرِيءٌ) أي: ذو جراءة (إِنْ كَذَبْتُ(3) عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الكُوفَةِ) يريد: عبد الله بن عُتبة، وكان سكن الكوفة وتوفِّي بها في(4) زمن عبد الملك بن مروان، ومفهومه: وقوع ذلك وعبد الله بن عتبة حيٌّ (وَرَفَعَ) ابن سيرين (صَوْتَه، قَالَ) أي: ابن سيرين: (ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ) أبا عطيَّة الهَمْدانيَّ (أَوْ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ) أي: ابن(5) نضلة، صاحب ابن مسعودٍ، والشَّكُّ من الرَّاوي بلا خلافٍ(6) (قُلْتُ) له: (كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي) عدَّة (المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهْيَ حَامِلٌ؟) الواو في: «وهي» للحال (فَقَالَ) مالك بن عامرٍ أو مالك بن عوفٍ: (قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ) وهو طول زمن عدَّة الحمل إذا زادت على أربعة أشهرٍ وعشرٍ (وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ) وهي خروجها من العدَّة إذا وضعت لأقلِّ من أربعةِ أشهرٍ وعشرٍ؟! (لَنَزَلَتْ) بلام التَّأكيد لقسمٍ محذوفٍ، أي: والله لنزلت، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”أُنزِلت“ (سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرَى) التي هي سورة الطَّلاق، ومراده منها: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}‼ [الطلاق:4] (بَعْدَ الطُّولَى) التي هي سورة البقرة، ومراده منها: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:234] ومفهوم كلام ابن مسعودٍ: أنَّ المتأخِّر هو النَّاسخ، لكنَّ الجمهور أن لا نسخ، بل عموم آية البقرة مخصوصٌ بآية الطَّلاق، وقد روى أبو داود وابن أبي حاتمٍ من طريق مسروقٍ قال: بلغ ابن مسعودٍ أنَّ عليًّا يقول: تعتدُّ آخر الأجلين، فقال: من شاء لاعَنْتُه أنَّ التي في النِّساء القُصْرى أُنزِلت بعد سورة البقرة، ثمَّ قرأ: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:4].
          (وَقَالَ أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ مما وصله في سورة الطَّلاق [خ¦4910] (عَنْ مُحَمَّدٍ) هو ابن سيرين: (لَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ) من غير شكٍّ.


[1] «الحاء»: ليس في (د).
[2] في (د): «وعشرين».
[3] في (م): «كذبنا».
[4] «في»: مثبت من (د).
[5] في غير (د): «بن أبي» ولعلَّه تحريفٌ.
[6] «بلا خلاف»: ليس في (د) و(س).