إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة آل عمران

          ░░░3▒▒▒ (سورة آلِ عِمْرَانَ) زاد أبو ذرٍّ: ” ╖ “ (تُقَاةٌ وَتَقِيَّةٌ) بوزن مطيَّة: (وَاحِدَةٌ) وفي نسخةٍ: ”واحدٌ“ أي: كلاهما مصدرٌ بمعنًى واحدٍ، وبالثَّانية قرأ يعقوب، والتَّاء فيهما بدلٌ من الواو؛ لأنَّ أصل {تُقَاةً}: وقيةٌ، مصدرٌ على «فعلة» من الوقاية، وأراد المؤلِّف قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} المسبوق بقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} أي: اتِّخاذهم أولياء؛ {فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}[آل عمران:28] أي: إلَّا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتِّقاؤه‼، والاستثناء مفرَّغ من المفعول من أجله، والعامل فيه: {لاَّ يَتَّخِذِ} أي: لا يتَّخذ المؤمن الكافر وليًّا لشيءٍ من الأشياء إلَّا للتَّقيَّة ظاهرًا، فيكون مواليه في الظَّاهر ومعاديه في الباطن، قال ابن عبَّاسٍ: ليس التَّقيَّة بالعمل إنَّما التَّقيَّة باللِّسان، ونصب {تُقَاةً} في الآية على المصدر، أي: تتَّقوا منهم اتِّقاءً، فـ {تُقَاةً} واقعةٌ موقع الاتِّقاء، أو نُصِب على الحال من فاعل {تَتَّقُواْ} فتكون حالًا مؤكِّدةً ({صِرٌّ}) أي: (بَرْدٌ) يريد قوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ}[آل عمران:117] وسقط لأبي ذرِّ قوله: «تُقَاةٌ...» إلى هنا.
          وقوله تعالى: {وَكُنتُمْ عَلَىَ} ({شَفَا حُفْرَةٍ}) {مِّنَ النَّارِ}[آل عمران:103]: هو (مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ) بفتح الرَّاء وكسر الكاف وتشديد التَّحتيَّة آخره هاءٌ، أي: البئر (وَهْوَ حَرْفُهَا) و{شَفَا}: بفتح الشِّين مقصورًا، وهو من ذوات الواو، يثنَّى بالواو؛ نحو: شَفَوان، ويُكتَب بالألف، ويُجمَع على أشفاءٍ، والمعنى: كنتم مُشْفين على الوقوع في نار جهنَّم لكفركم، فأنقذكم الله تعالى منها بالإسلام، وقوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} ({تُبَوِّىءُ}) {الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:121] قال أبو عبيدة أي: (تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا) بفتح الكاف، وقال غيره أي: تُنزِّل، فيتعدَّى(1) لاثنين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجرِّ، وقد يُحذَف كهذه الآية (المُسَوَِّمُ) بفتح الواو: اسم مفعولٍ، وبكسرها: اسم فاعلٍ، ولأبي ذرِّ: ”والمسوَِّ♣م“: (الَّذِيْ لَهُ سِيْمَاءٌ) بالمدِّ والصَّرف (بِعَلَامَةٍ أَوْ بِصُوْفَةٍ أَوْ بِمَا كَانَ) من العلامات، وفي نسخةٍ قبل «المَسوَّم»: ”{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}“[آل عمران:14] وروى ابن أبي حاتمٍ عن عليٍّ ╩ قال: «كان سيما الملائكة يوم بدرٍ الصُّوف الأبيض، وكان سيماهم أيضًا في نواصي خيولهم».
          قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ} ({رِبِّيُّونَ}[آل عمران:146]) قال أبو عبيدة: (الجَمِيعُ، وَالوَاحِدُ) ولأبي ذرٍّ: ”الجموع“ بالواو بدل الياء، واحدها: (رِبِّيٌّ) وهو العالم، منسوبٌ إلى الرَّبِّ، وكُسِرَت راؤه تغييرًا في النَّسب، وقيل: لا تغيير، وهو نسبة إلى الرَّبَّة؛ وهي الجماعة، وفيها لغتان: الكسر والضَّمُّ، قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ} ({تَحُسُّونَهُم}[آل عمران:152]) أي: (تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا) بإذنه، بتسليطه إياكم عليهم، وقوله تعالى: {أَوْ كَانُواْ} ({غُزًّى}[آل عمران:156]) قال أبو عبيدة / : (وَاحِدُهَا: غَازٍ) ومعنى الآية: أنَّه تعالى نهى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفَّار في اعتقادهم الفاسد الدَّال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والجهاد: لو كانوا تركوا ذلك لَمَا أصابهم ما أصابهم، فإنَّ ذلك جعله(2) الله تعالى حسرةً(3)، وسقط لأبي ذرٍّ من(4) «تستأصلونهم(5)...» إلى هنا، قوله تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} ({سَنَكْتُبُ}[آل عمران:181]) أي: (سَنَحْفَظُ) ما قالوا في علمنا ولا نهمله؛ لأنَّه كلمةٌ عظيمةٌ؛ إذ هو كفرٌ بالله تعالى، قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} ({نُزُلاً}) {مِّنْ عِندِ اللّهِ}[آل عمران:198] أي: (ثَوَابًا) قال أبو حيَّان: النُّزُل‼: ما يُهيَّأ للنَّزيل؛ وهو الضَّيف، ثمَّ اتُّسِع فيه فأُطِلَق على الرِّزق، وهل هو مصدرٌ أو جمعٌ؟ قولان (وَيَجُوزُ: وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) بضمِّ الميم وفتح الزَّاي (كَقَوْلِكَ: أَنْزَلْتُهُ) قال في «العمدة»: يعني: أنَّ {نُزُلاً} الذي هو المصدر يكون بمعنى «منزلًا» على صيغة اسم(6) المفعول من قولك: أنزلته. انتهى. (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) ممَّا رواه الثَّوريُّ في «تفسيره» وأخرجه عبد الرَّزَّاق عن الثَّوريِّ: ({وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}[آل عمران:14]): هي (المُطَهَّمَةُ) بضمِّ الميم وفتح الطَّاء وتشديد الهاء (الحِسَانُ) قال الأصمعيُّ: المُطَهَّمُ: التَّامُّ كلِّ شيءٍ منه على حدته، فهو بارع الجمال، زاد أبو ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ والمُستملي: ”وقال سعيد بن جبيرٍ“ ممَّا وصله الثَّوريُّ ”وعبد الله بن عبد الرَّحمن بن أَبْزَى“ بفتح الهمزة والزَّاي بينهما موحدة ساكنة، ممَّا وصله الطَّبريُّ: ”الرَّاعية: هي المسوَّمة“ بفتح الواو (وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ) سعيدٌ _ممَّا وصله عنه_ في قوله تعالى: {وَسَيِّدًا} ({وَحَصُورًا}[آل عمران:39]) أي: (لَا يَأْتِي النِّسَاءَ) منعًا لنفسه مع ميلها إلى الشَّهوات وكماله، ومن لم يكن له ميل لها(7) لا يُسمَّى حصورًا، ولا بدَّ فيه من المنع؛ لأنَّ السِّجن إنَّما سُمِّي منعًا لِمَا أنَّه يمنع من الخروج (وَقَالَ عِكْرِمَةُ) مولى ابن عبَّاسٍ _ممَّا وصله الطَّبريُّ_ في قوله تعالى: {وَيَأْتُوكُم} ({مِّن فَوْرِهِمْ}[آل عمران:125]) أي: (مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ) وقال غيره: من ساعتهم هذه، وسقط لأبي ذرٍّ من قوله: «وقال ابن جبيرٍ...» إلى هنا (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) ممَّا وصله عبد بن حميدٍ: ({تُخْرِجُ (8) الْحَيَّ}[آل عمران:27]): هو (النُّطْفَةُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ والمُستملي: ”{مِنَ الْمَيِّتِ} من النُّطفة“(9) (تُخْرَجُ مَيِّتَةً وَيَخْرُجُ) بفتح الأوَّل وضمِّ الثَّالث (مِنْهَا الحَيُّ) بالرَّفع، ولغير أبي ذرٍّ: ”ويُخرِج“ بضمٍّ ثمَّ كسرٍ ”منها الحيَّ“ بالنَّصب(10).
          ({وَالإِبْكَارِ}[آل عمران:41]): هو (أَوَّلُ الفَجْرِ، و) أمَّا (العَشِيُّ) فهو (مَيْلُ الشَّمْسِ، أُرَاهُ) بضمِّ الهمزة، أي: أظنه (إِلَى أَنْ تَغْرُبَ) وهذا ساقطٌ لأبي ذرٍّ.


[1] في (د): «وقال غير أبي عبيدة: {تُبَوِّىءُ}: يتعدَّى».
[2] في (ص) و(م): «خلقه».
[3] في (ص) و(م): «في قلوبهم حسرةً».
[4] «من»: ليس في (د).
[5] في (د) و(م): «{تَحُسُّونَهُم}»، والمثبت موافق لهامش اليونينية.
[6] «اسم»: ليس في (د).
[7] «لها»: ليس في (د).
[8] في غير (د): «يخرج».
[9] جاء في (د): «ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ والمُستملي: ” {مِنَ الْمَيِّتِ} من النُّطفة“»، بدلًا قوله: «وفي نسخةٍ: من الميِّت والنُّطفة».
[10] في غير (د): «نصبٌ».