إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

كتاب الجهاد والسير

           ░░56▒▒ (كِتَابُ الجِهَادِ والسِّيَرِ) بكسر السِّين المهملة وفتح التَّحتيَّة، وزاد في «الفرع»: بفتح السِّين وسكون التَّحتيَّة، جمع سيرةٍ وهي الطَّريقة، وأُطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنَّها متلقَّاةٌ من أحوال النَّبيِّ صلعم في غزواته. والجهاد _بكسر الجيم_ مصدر جاهدت العدوَّ مجاهدةً وجهادًا، وأصله: جيهاد كقيتال _فخُفِّف بحذف الياء_ وهو مشتقٌّ من الجَهد _بفتح الجيم_ وهو التَّعب والمشقَّة؛ لما فيه من ارتكابها، أو من الجُهد _بالضمِّ_ وهو الطَّاقة، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما بذل طاقته في دفع صاحبه، وهو في الاصطلاح: قتال الكفَّار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله، ويُطلَق أيضًا على جهاد النَّفس والشَّيطان، وهو من أعظم الجهاد، والمراد بالتَّرجمة الأوَّل، والأصل فيه قبل الإجماع آياتٌ كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}[البقرة:216] {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً}[التوبة:36] وكان قبل الهجرة محرَّمًا، ثمَّ أُمِر صلعم بعدها بقتال من قاتله، ثمَّ أُبيحَ الابتداء به في غير الأشهر الحُرُم، ثمَّ أُمِرَ به مطلقًا. ثمَّ إنَّ الجهاد قد يكون فرض عينٍ، وقد يكون فرض كفايةٍ؛ لأنَّ الكفار إن دخلوا(1) بلادنا أو أسروا مسلمًا يُتوقَّع فكُّه، ففرض عينٍ. وإن كان / ببلادهم، ففرض كفايةٍ، ويأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى في «باب وجوب النفير» [خ¦2825].
          ( ╖ ) قدَّم النَّسفيُّ البَسْملة، وسقط «كتاب» والتَّرجمة لأبي ذرٍّ، كما في الفرع وأصله.
          ░1▒ (بابُ فَضْلِ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ) سقط لفظ «باب» لأبي ذرٍّ، وحينئذٍ فقوله: ”فضلُ“ رفعٌ بالابتداء (وَقَوْلُِ اللهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على المجرور أو بالرَّفع، ولأبي ذرٍّ: ”╡“ بدل قوله: «تعالى»(2) ({إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}) أي: طلب من المؤمنين أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله؛ ليثيبهم الجنَّة، وذكر الشِّراء على وجه(3) المثل(4)؛ لأنَّ الأنفس والأموال كلَّها لله، وهي عندنا عاريةٌ، ولكنَّه تعالى أراد التَّحريض والتَّرغيب في الجهاد، وهذا كقوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا}[البقرة:245] والباء في {بِأَنَّ} للمعاوضة، وهذا من فضله تعالى وكرمه وإحسانه، فإنَّه قَبِلَ العوض‼ عمَّا يملكه بما تفضَّل به على عباده المطيعين له، ولذا قال الحسن البصريُّ: بايعهم والله فأغلى ثمنهم، وقال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلعم ليلة العقبة: اشترط لربِّك ولنفسك ما شئت، فقال: «أشترط لربِّي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممَّا تمعنون(5) منه(6) أنفسكم وأموالكم» قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: «الجنَّة» قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. فنزلت: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} ({فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}) أي: في طاعته مع العدوِّ، وهذا كما قال(7) الزَّمخشريُّ: في معنى الأمر، أو هو بيانُ ما لأجله الشِّراء ({فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}) أي: يقتلون العدوَّ، ويقتلهم ({وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}) مصدرٌ مؤكِّدٌ، أي: إن هذا الوعد الَّذي وعده للمجاهدين في سبيله وعدٌ ثابتٌ قد أثبته ({فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ}) مبالغة في الإنجاز وتقرير لكونه حقًّا ({فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ}[التوبة:111-112]) أي: فافرحوا به غاية الفرح، فإنَّه أوجب لكم عظائم المطالب، وذلك هو الثَّواب الوافر (إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة:112]) أي: الموصوفين بتلك الفضائل، من التَّوبة والعبادة والصوم وغير ذلك ممَّا في الآية، وساق في رواية أبي ذرٍّ: ”إلى قوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}“ ثمَّ قال: ”إلى قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}“ وللنَّسفيِّ وابن شبُّويه: ”{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}“ الآيتين ”إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}“ وساق في رواية الأَصيليِّ وكريمة الآيتين جميعًا، قاله في «فتح الباري».
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ، فيما(8) وصله ابن أبي حاتم في تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ}[البقرة:187] (الحُدُودُ: الطَّاعَةُ) وكأنَّه تفسيرٌ باللَّازم، لأنَّ من أطاع الله وقف عند امتثال أمره واجتناب نهيه.


[1] في (د): «دخلوا في».
[2] في (د): «بدل قول الله تعالى» وهو تصحيف.
[3] في (ص): «سبيل».
[4] في (د): «التَّمثيل».
[5] في (ص): «تمنعوا».
[6] في (ب): «به».
[7] في (ص): «قاله».
[8] في (د): «ممَّا».