إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن}

          ░41▒ ({وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ}(1)) وفي نسخةٍ: ”باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ}“ أي: يموتون(2) ({مِنكُمْ وَيَذَرُونَ}) يتركون ({أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ}) مِنْ(3) بعدهم ({بِأَنفُسِهِنَّ}) فلا يتزوَّجن ولا يخرجن ولا يتزيَّنَّ ({أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}) من الليالي، ويُحتَمل أن تكون الحكمة في هذا المقدار: أنَّ الجنين في غالب الأمر يتحرَّك لثلاثة أشهرٍ إن كان ذَكَرًا، ولأربعةٍ إن كان أنثى، واعتُبر أقصى الأجلين، وزيد عليه العشر استظهارًا؛ إذ ربَّما تضعف حركته في المبادئ فلا يُحَسُّ بها، ولا يخرج عن ذلك إلَّا المتوفَّي عنها زوجُها وهي حاملٌ، فإنَّ عدَّتها بوضع الحمل ولو لم تمكث بعده(4) سوى لحظةٍ؛ لعموم قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:4] والأَمَة فإنَّ عدَّتها على النِّصف من عدَّة الحرَّة؛ شهران وخمس ليالٍ؛ لأنَّها لمَّا كانت على النِّصف من الحرَّة في الحدِّ؛ فكذلك في العدَّة، وكان ابن عبَّاسٍ يرى أن تتربَّص(5) بأبعد الأجلين؛ من الوضع وأربعة(6) أشهرٍ وعَشْرٍ؛ للجمع بين الآيتين، وهو مأخذٌ جيِّدٌ ومسلكٌ قويٌّ لولا ما ثبتت به السُّنَّة في حديث سُبَيْعة الأسلميَّة الآتي _إن شاء الله تعالى_ قريبًا بحول الله وقوَّته [خ¦4532] وتأنيث «العشر» باعتبار اللَّيالي؛ لأنَّها غُرَر الشُّهور والأيَّام تَبَعٌ(7)؛ ولذلك لا يستعملون التَّذكير في مثله قطُّ ذهابًا إلى «الأيَّام»، حتَّى إنَّهم يقولون: صُمت عشرًا، ويشهد له قوله: {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه:103] و{إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104] ({فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}) انقضت عدَّتهنَّ ({فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}) أي: فلا إثم عليكم أيُّها الأولياء أو المسلمون ({فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ}) من التَّعرُّض للخُطَّاب والتَّزيُّن وسائر ما حرم للعدَّة(8) ({بِالْمَعْرُوفِ}) بالوجه الذي لا يُنكِره الشَّرع ({وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[البقرة:234]) فيجازيكم عليه، وسقط قوله: «{فَإِذَا بَلَغْنَ}...» إلى آخره لغير أبي ذرٍّ، وقال: ”إلى: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}“.
          ({يَعْفُونَ}) أي: من قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ}[البقرة:237] قال ابن عبَّاسٍ وغيره: (يَهَبْنَ) من الهبة(9)، أي: المطلَّقات، فلا يأخذن شيئًا، والصِّيغة تحتمل التَّذكير والتَّأنيث، يقال: الرِّجال يعفون، والنِّساء يعفون، قالوا: وفي الأوَّل: ضميرٌ، والنُّون: علامة الرَّفع، وفي الثَّاني: لامُ الفعل، والنُّون: ضمير النِّساء(10)، ولذلك لم يؤثِّر فيه {أَن} ههنا، ونُصِبَ المعطوفُ، وسقط قوله: «{يَعْفُونَ}: يَهَبْنَ» لأبي ذرٍّ.


[1] زيد في (ص): «{مِنكُمْ }».
[2] «أي: يموتون»: ليس في (ص) و(م).
[3] «من»: مثبتٌ من (د).
[4] في (د): «بعدَّةٍ».
[5] في (د): «يتربَّصن».
[6] في (د): «أو أربعة».
[7] «تَبَعٌ»: سقط من (د).
[8] في (ب) و(م): «للمعتدَّة».
[9] قوله: «من الهبة» جعلها في (ج) حاشيةً.
[10] في (د): «الفعل، والضَّمير للنِّساء».