إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

كتاب في الرهن

          ░░48▒▒ ( ╖ كتابٌ) بالتَّنوين (فِي الرَّهْنِ فِي الحَضَرِ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”كتاب الرَّهن“ ، ولغير أبي ذرٍّ: ”بابٌ“ بالتَّنوين بدل كتابٌ ”في الرَّهن“ ، وفي النُّسخة المقروءة على الميدوميِّ: ”كتاب الرَّهن، باب الرَّهن في الحضر“ ، ولابن شَبُّويه: ”باب ما جاء...“ إلى آخره، والرَّهن لغةً: الثُّبوت، ومنه الحالة الرَّاهنة، أي: الثَّابتة، وقال الإمام: الاحتباس، ومنه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:38] وشرعًا: جعل عينٍ متموَّلةٍ وثيقةً بدَينٍ يُستوفَى منها عند تعذُّر وفائه، ويُطلَق أيضًا على العين المرهونة؛ تسميةً للمفعول باسم المصدر (وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}[البقرة:283]) بكسر الرَّاء وفتح الهاء وألفٍ بعدها، جمع رهنٍ، و«فَعْلٌ» و«فِعَالٌ» يطَّرد كثيرًا؛ نحو: كَعْبٍ وكِعَابٍ، وكَلْبٍ وكِلَابٍ، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ:فَرُهُنٌ ”{فَرُهُنٌ}“ بضمِّ الرَّاء والهاء من غير ألفٍ، جمع رهنٍ، و«فَعْلٌ» يُجمَع على «فُعُل»؛ نحو: سَقْفٍ وسُقُفٍ، وهي قراءة أبي عمرو وابن كثيرٍ وابن مُحَيْصِنٍ واليزيديِّ، قال أبو عمرو بن العلاء: إنَّما قرأت: {فَرُهُنٌ} للفصل بين الرِّهان في الخيل وبين جمع رهنٍ في غيرها، ومعنى الآية _كما قال القاضي ☼ _: فارهنوا واقبضوا؛ لأنَّه مصدرٌ جُعِل جزاءً للشَّرط بالفاء، فجرى مجرى الأمر؛ كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[النساء:92] {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}[محمد:4] وقيَّده في التَّرجمة بالحضر؛ إشارةً إلى أنَّ التَّقييد بالسَّفر في الآية خرج للغالب، فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيَّته في الحضر، وهو قول الجمهور، واحتجُّوا له من حيث المعنى: بأنَّ الرَّهن شُرِع توثقة(1) على الدَّين؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا}[البقرة:283] فإنَّه يشير إلى أنَّ المراد بالرَّهن: الاستيثاق(2)، وإنَّما قيَّده بالسَّفر لأنَّه مظنَّة فقد الكاتب، فأخرجه مخرج الغالب، وخالف(3) في ذلك مجاهدٌ والضَّحَّاك فيما نقله الطَّبريُّ عنهما فقالا: لا يُشرَع إلَّا في السَّفر حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظَّاهر، وفي رواية أبي ذرٍّ: ”وقول الله تعالى: {فَرُهُنٌ (4) مَّقْبُوضَةٌ}“ كذا في الفرع، وهو ينافي قول الحافظ ابن حجرٍ: وكلُّهم ذكر الآية من أوَّلها.


[1] «توثقةً»: مثبتٌ من (م).
[2] في (د): «الاستيفاء».
[3] في (د): «وخالفه».
[4] على قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وفي غير (د) و(س): «{ فَرِهَانٌ }»، على قراءة الجمهور.