إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى}

          ░23▒ ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}) ولأبي ذرٍّ: ”بابٌ“ بالتَّنوين ”{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}“ ({كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}) أي: بسبب القتلى؛ كقوله: «دخلت امرأةٌ النَّار في هِرَّةٍ»، و{الْقِصَاصُ}: مأخوذٌ من قصِّ الأثر، فكأنَّ القاتل سلك طريقًا من القتل يقصُّ أثره فيها، ويمشي على سبيله في ذلك، و{الْقَتْلَى}: جمع قتيلٍ، لفظٌ مؤنَّثٌ تأنيث الجماعة، أي: فُرِض عليكم على التَّخيير إذا كان القتل عمدًا ظلمًا أن يُقْتَل ({الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة:178]) وسقط(1) لأبي ذرٍّ «{الْحُرُّ بِالْحُرِّ}» وقال: ”إلى {أَلِيمٌ}“ وقد روى ابن أبي حاتمٍ في سبب نزول هذه الآية: أنَّ حيَّين من العرب اقتتلوا في الجاهليَّة قبل الإسلام بقليلٍ، وكان بينهم قتلٌ وجراحاتٌ، حتَّى قتلوا العبيد والنِّساء، فلم يأخذ بعضهم من بعضٍ حتَّى أسلموا، وكان أحد الحيَّين يتطاول على الآخر في العدَّة والأموال، فحلفوا ألَّا يَرضَوا حتَّى يُقتَل الحرُّ منهم(2) بالعبد، والذَّكر بالأنثى فنزلت، واستدلَّ بها المالكيَّة والشافعيَّة على أنَّه لا يُقتل الحرُّ بالعبد(3)، لكن قال البيضاويُّ: لا دلالة فيها على أن(4) لا يُقتَل الحرُّ بالعبد والذَّكر بالأنثى، كما لا تدلُّ على عكسه؛ فإنَّ المفهوم إنَّما يعتبر حيث لم يظهر للتَّخصيص غرضٌ سوى اختصاص الحكم، وقد بيَّنا ما كان الغرض، إنَّما منع مالكٌ والشَّافعي قتل الحرِّ بالعبد سواءٌ كان عبده أو عبد غيره لحديث: «لا يُقتل حرٌّ بعبدٍ» رواه الدَّارقطنيُّ‼ / ، وقال الحنفيَّة: آية البقرة منسوخةٌ بآية المائدة: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}(5)[المائدة:45] فالقصاص ثابتٌ بين العبد والحرِّ، والذَّكر والأنثى، ويستدلُّون بقوله ╕ : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» وبأنَّ التَّفاضل غير معتبرٍ في الأنفس؛ بدليل أنَّ جماعةً لو قَتَلوا واحدًا قُتِلوا به، وأُجيب بأنَّ دعوى النَّسخ بآية المائدة غير سائغٍ(6)؛ لأنَّه حكاية ما في التَّوراة، فلا ينسخ ما في القرآن، وعن الحسن وغيره: لا يُقتَل الرَّجل بالمرأة لهذه الآية، وخالفهم الجمهور _وهو مذهب الأئمة الأربعة_ فقالوا: يُقتَل الذَّكر بالأنثى والأنثى بالذَّكر بالإجماع، وحينئذٍ فما نقله(7) في «الكشَّاف» عن الشَّافعيِّ ومالكٍ أنَّه لا يُقتَل الذَّكر بالأنثى لا عمل عليه ({عُفِيَ}[البقرة:178]) أي: (تُرِكَ) وسقط ذلك في نسخٍ(8).


[1] «سقط»: سقط من (د).
[2] في غير (د): «منكم» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[3] زيد في (ص)، «والذَّكر بالأنثى».
[4] في (ب) و(س): «أنَّه».
[5] في (ل): «والنفس بالنفس».
[6] في (ب) و(س): «سائغة».
[7] في (م): «نقل».
[8] في (د): «النُّسخ».