إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

قوله: {قل هو الله أحد}

          ░░░112▒▒▒ (قَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]) ولأبي ذرٍّ: ”سورةُ الصَّمد“ وهي مكِّيَّة أو مدنيَّة، وآيُها أربع أو خمس.
          ( ╖ ) سقطتِ البسملة لغير أبي ذرٍّ. (يُقَالُ) هو قولُ أبي عبيدةَ في «المجاز»: (لَا يُنَوَّنُ {أَحَدٌ}) في الوصل، فيقال: ▬أحدُ الله↨ بحذف التَّنوين لالتقاء‼ السَّاكنين، ورويت قراءة عن زيدِ بن عليٍّ، وأبان بن عُثمان، والحسن، وأبي عَمرو في روايةٍ عنه؛ كقوله:
عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّريدَ لِقَومِهِ                     ورِجَالُ مكَّةَ مُسْنِتُون عِجَافُ
وقوله:
فَألفَيْتُه غَيْرَ مُستَعْتِبٍ                     ولَا ذَاكِرِ اللهَ إلَّا قَلِيلًا
/
على إرادةِ التَّنوين، فحذف لالتقاءِ السَّاكنين، فبقيَ «الله» منصوبًا لا مجرورًا للإضافةِ، و«ذاكر»(1) جرَّ عطفًا على «مستعتبٍ» أي: ذكَّرتُه ما كان بيننا من المودَّة فوجدتهُ غيرَ راجعٍ بالعتابِ عن قبحِ ما فعل، والجيِّد هو التَّنوين، وكسره لالتقاءِ السَّاكنين (أَيْ: وَاحِدٌ) يريدُ: أنَّ أحدًا وواحدًا بمعنًى، وأصل{أَحَدٌ} وَحَد _بفتحتين_ قال:
كَأنَّ رَحْلِي وقَدْ زَالَ النَّهارُ بنَا                     بِذِي الجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأنِسٍ وَحَدِ
فأبدلت الواو همزة، وأكثر ما يكون في المكسورةِ والمضمومةِ؛ كوجوهٍ ووسادةٍ، وقيل: ليسا مُتَرادفين. قال في «شرح المشكاة»: والفرقُ بينهما من حيثُ اللَّفظ من وجوهٍ:
          الأوَّل: أنَّ «أحدًا» لا يستعملُ في الإثباتِ على غيرِ الله تعالى، فيقالُ: الله أحدٌ، ولا يقالُ: زيد أحدٌ، كما يقال: زيد واحدٌ، وكأنَّه بُنيَ لنفي ما يذكرُ معهُ من العددِ(2).
          والثَّاني: أنَّ نفيهُ يعمُّ، ونفي الواحدِ قد لا يعمُّ؛ ولذلك صحَّ أن يقال: ليسَ في الدَّار واحد، بل فيها اثنان، ولا يصحُّ ذلك في أحدٍ؛ ولذلك قال الله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}[الأحزاب:32] ولم يقلْ: كواحدةٍ.
          الثَّالث: أنَّ(3) الواحد يفتحُ به العدد، ولا كذلكَ الأحد.
          الرَّابع: أنَّ الواحد تلحقهُ التَّاء، بخلافِ الأحد.
          ومن حيثُ المعنى أيضًا وجوهٌ:
          الأوَّل: أنَّ «أحدًا» من حيث الثَّناء أبلغُ من «واحدٍ»، كأنَّه من الصِّفات المشبَّهة التي بُنيت لمعنى الثَّبات، ويشهدُ له الفروق اللَّفظيَّة المذكُورة.
          الثَّاني: أنَّ الوحدة(4) تطلقُ ويرادُ بها عدمُ التَّثنِّي والنَّظير؛ كوحدة الشَّمس، والواحدُ يكثرُ إطلاقهُ بالمعنى الأوَّل، والأحدُ يغلبُ استعمالهُ في الثَّاني ولذلك(5) لا يجمعُ. قال الأزهريُّ: سُئل أحمدُ بنُ يحيى عن الآحادِ أنَّه جمع أحد، فقال: معاذَ الله! ليسَ للأحدِ جمعٌ، ولا يبعدُ أن يقال: جمع واحدٍ؛ كالأَشهَاد في(6) جمع شاهدٍ، ولا يفتحُ بهِ الأحد.
          الثَّالث: ما ذكرهُ بعضُ المتكلِّمين في صفاتِ الله تعالى خاصَّة؛ وهو أنَّ الواحد باعتبار الذَّات(7)، والأحدُ باعتبارِ الصِّفات(8)، وحظُّ العبدِ أن يغوصَ لجَّة التَّوحيد ويستغرقَ فيه حتَّى لا يَرى من الأزلِ إلى الأبدِ غير الواحدِ الصَّمدِ.
          قال الشَّيخ أبو بكرٍ بن فَوْرك: الواحدُ في وصفهِ تعالى لهُ ثلاثة معانٍ(9): أحدُها: أنَّه لا قسم لذاتهِ، وأنَّه غيرُ متبعِّض ولا متحيِّز(10). والثَّاني: أنَّه لا شبيهَ له، والعربُ تقول: فلانٌ واحدٌ في عصرهِ، أي: لا شبيه له. والثَّالث: أنَّه واحدٌ على معنى أنَّه لا شريك لهُ في أفعاله(11)، يقال: فلانٌ متوحِّد في هذا الأمرِ، أي: ليسَ يشركهُ فيه أحد. انتهى.
          والضَّمير في {هُوَ} فيه وجهان:
          أحدهما: أنَّه يعودُ على ما يُفهم من‼ السِّياق، فإنَّه جاء في سببِ نزولها عن أبيِّ بن كعبٍ: أنَّ المشركين قالوا للنَّبيِّ صلعم : انسب لنَا ربَّك، فنزلتْ. رواه التِّرمذيُّ والطَّبريُّ(12)، والأوَّل من وجهٍ آخر مرسلًا، وقال: هذا أصحُّ، وصحَّح الموصول ابنُ خزيمةَ والحاكم، وحينئذٍ فيجوز أن(13) يكون {اللهُ} مبتدأ و{ أَحَدٌ} خبره، والجملة خبر الأوَّل، ويجوز أن يكون { اللهُ} بدلًا(14) و{ أَحَدٌ} الخبر، وأن يكونَ {اللهُ} خبرًا أوَّل(15)، و{أَحَدٌ} خبرًا ثانيًا، وأن يكون { أَحَدٌ} خبر مبتدأ محذوفٍ(16)، أي: هو أحد.
          والثَّاني: أنَّه ضميرُ الشَّأن؛ لأنَّه موضعُ تعظيمٍ، والجملة بعده خبره مفسِّرة، ولم يثبت لفظُ الأحد في «جامعِ التِّرمذي» و«الدَّعوات» للبيهقي. نعم؛ ثبتَ اللَّفظان في «جامعِ الأصولِ».


[1] في (د): «وذاكرًا».
[2] قوله: «كما يقال: زيد واحدٌ، وكأنَّه بني لنفي ما يذكرُ معهُ من العددِ»: ليس في (د).
[3] «أن»: ليس في (د).
[4] في (د): «الواحدة».
[5] في (م): «فلذلك».
[6] «في»: ليس في (د).
[7] في (د): «الصفات».
[8] في (د): «الذات».
[9] في (م) و(ب) زيادة: «حقيقة».
[10] هكذا في كل الأصول، والذي في شرح المشكاة للطيبي «متجزئ» وهو الأولى، والله أعلم.
[11] قوله: «والثَّالث: أنَّه واحدٌ على معنى أنَّه لا شريك لهُ في أفعاله»: ليس في (د).
[12] في (د): «والطبراني». وتتمة كلام الفتح «والطبري»، وفي آخره: «قال لم يلد ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، ولا شي يموت إلا يورث وربنا لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفوًا أحد شبه ولا عِدْل» وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي العالية مرسلاً وقال: هذا أصلح...» وبهذا تستقيم عبارة المتن هنا.
[13] قوله: «فيجوز أن»: ليست في (د).
[14] قوله: «بدلًا»: ضرب عليها في (م).
[15] في (د): «الخبر الأول».
[16] قوله: «وأن يكون... مبتدأ محذوف»: ليست في (ص).