إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

ما جاء في الحرث

          ░░41▒▒ ( ╖ (1) مَا جَاءَ فِي الحَرْثِ) أي: الزرع (وَالمُزَارَعَةِ) وهي المعاملة‼ على الأرض / ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها، فإن كان من العامل فهي مخابرةٌ، وهما إن أُفرِدتا عن المساقاة باطلتان للنَّهي عن المُزارعة في «مسلمٍ»، وعن المخابرة في «الصَّحيحين» [خ¦2381] ولأنَّ تحصيل منفعة الأرض ممكنةٌ بالإجارة، فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشَّجر، فإنَّه لا يمكن عقد الإجارة عليه، فجُوِّزت المساقاة، واختار في «الرَّوضة» _تبعًا لابن المنذر وابن خزيمة والخطَّابيِّ_ صحَّتهما، وحمل أخبار النَّهي على ما إذا شرط لأحدهما زرع قطعةٍ مُعيَّنةٍ وللآخر أخرى، وعلى الأوَّل فيُشتَرط تقديم المساقاة على المزارعة بأن يقول: ساقيتك وزارعتك، فلو قال: زارعتك وساقيتك أو فصل بينهما لم يصحَّ لانتفاء التَّبعيَّة، فإن خابره تبعًا لم يصحَّ كما لو أفردها، وفارقت المزارعةَ بأنَّ المزارعة أشبه بالمساقاة، وورد الخبر بصحَّتها بخلاف المخابرة.
          ░1▒ (بَابُ فَضْلِ الزَّرْعِ وَالغَرْسِ) قال في «القاموس»: زَرَعَ كـ «مَنَعَ»: طرح البذر، كازدرع، وأصله: ازترع، أبدلوها دالًا لتوافق الزَّاي، والله أنبت وغرس الشَّجر: أثبته في الأرض، كأغرسه، والغرس: المغروس (إِذَا أُكِلَ مِنْهُ) قيدٌ في فضيلة كلٍّ منهما، ولأبي ذرٍّ: ”كتاب الحَرْث“ بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين آخره مُثلَّثةٌ، وله عن الحَمُّويي(2): ”في الحرث“ ، وإسقاط: «كتاب»، وله أيضًا عن الكُشْمِيْهَنِيِّ(3): ”كتاب المزارعة“ مع تأخير البسملة فيها، وسقط له قوله «ما جاء في الحرث والمزارعة»، وقوله: «باب» وما بعده ثابتٌ عنده، وحينئذٍ فيكون قوله: «فضلُ الزَّرع»(4) مرفوعًا على ما لا يخفى، وهذا ما في الفرع وأصله(5)، وفي «فتح الباري»: عن النَّسفيِّ كالكُشْمِيْهَنِيِّ: ”باب فضل الزَّرع والغرس إذا أُكِل منه، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم“ ، وزاد النَّسفيُّ(6) فقال(7): ”باب ما جاء في الحرث والمزارعة(8) وفضل الزرع“ ، ومثله للأَصيليِّ وكريمة إلَّا أنَّهما حذفا لفظ «كتاب المزارعة»، وللمُستملي: ”كتاب الحرث“ ، وقدَّم الحَمُّويي البسملة، وقال: ”في الحرث“ بدل «كتاب الحرث» (وَقَولِهِ تَعَالى) بالجرِّ عطفًا على السَّابق، ولأبي ذرٍّ: ”وقولُ الله تعالى“ بالرَّفع على الاستئناف: ({أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ}) تبذرون حَبَّه ({أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ}) تُنبِتونه ({أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}) المُنبِتون ({لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}[الواقعة:63-65]) هشيمًا، وإنَّما نسب سبحانه وتعالى الحرث إلينا والزَّرع إليه جلَّ جلاله وإن كانت الأفعال كلُّها له سبحانه حرثًا وبذرًا وغير ذلك؛ لأنَّ المراد بالزَّرع هنا: الإنبات لا البذر، وذلك من خصائص القدرة القديمة، ووجه الاستدلال بهذه الآية على إباحة الحرث: أنَّ الله تعالى امتنَّ علينا بإنبات ما نحرثه، فدلَّ على أنَّ الحرث جائزٌ إذ لا يمتنُّ بممنوعٍ.


[1] زيد في (م): «كتاب».
[2] «عن الحَمُّويي»: ليس في (د).
[3] «عن الكشميهنيِّ»: ليس في (د) و(م).
[4] في (ص): «المزارعة».
[5] «وأصله»: ليس في (د) و(م).
[6] قوله: «باب فضل الزَّرع والغرس... وزاد النَّسفيُّ» سقط من (م).
[7] في (م): «لكنَّه قال».
[8] في (د) و(م): «والزَّرع».