إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{ألم غلبت الروم}

          ░░░30▒▒▒ ({الم. غُلِبَتِ الرُّومُ}) وفي نسخة: ”سُوْرَةُ {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ}“ وهي مكِّيَّةٌ، إلَّا قوله: {فَسُبْحَانَ اللهِ}[الروم:17] وهي ستونَ آيةً، أو تسعٌ وخمسونَ، ولأبي ذرٍّ: ”سُورَةُ الرُّومِ ╖ “.
          ({فَلَا يَرْبُو}[الروم:39]) أي: (مَنْ أَعْطَى يَبْتَغِي) مِنَ الذي أعطاه(1) (أَفْضَلَ) أي: أكثر مِن عطيَّتِهِ (فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا) ولا وزر، وللأَصيليِّ: ”فلا يربو عند الله مَن أعطى عطيَّة(2) يبتغي أفضل منه(3) _أي: ممَّا أعطى_ فلا أجرَ له فيها(4)“، وهذا وصله الطبريُّ من طريق ابن أبي نَجيحٍ(5) عن / مجاهدٍ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: الرِّبا اثنان: فَرِبًا لا يفلح، ورِبًا لا بأس به؛ وهو هدية الرجل يريد أضعافها، ثم تلا هذه الآية، وقد كان هذا حرامًا على النبي صلعم خاصة، كما قال تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}[المدثر:6] أي: لا تُعطِ وتطلب أكثر مما أعطيت.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله الفِريابيُّ: ({يُحْبَرُونَ}) في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15] أي: (يُنَعَّمُونَ) والروضة: الجنَّة، ونكَّرها‼ للتعظيم، وقال هنا: {يُحْبَرُونَ} بصيغة الفعل، ولم يقل: محبرون(6)، ليُدلَّ على التجدُّد.
          ({يَمْهَدُونَ}) في قوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[الروم:44] أي: (يُسَوُّونَ المَضَاجِعَ) ويوطِّؤونها(7) في القبور، أو في الجنَّة.
          (الوَدْقُ) في قوله: {فَتَرَى الْوَدْقَ}[الروم:48] هو (المَطَرُ) قاله مجاهد أيضًا فيما وصله الفِريابيُّ.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) في قوله تعالى: ({هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم}[الروم:28]) المسبوق بقوله جلَّ وعلا: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ}[الروم:28] نزل (فِي الآلِهَةِ) التي كانوا يعبدونها من دون الله (وَفِيهِ) تعالى، والمعنى: أَخَذَ مثلًا وانتزعه مِن أقرب شيءٍ إليكم وهو أنفسكم، ثم بين المثل فقال: {هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} أي: من(8) مماليكِكُم {مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} مِنَ المال وغيره؟ وجوابُ الاستفهام الذي بمعنى النفي قولهُ: {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} ({تَخَافُونَهُمْ}) أي: تخافونَ أيُّها السَّادة مماليكَكُم (أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) والمرادُ: نفيُ الثلاثةِ: الشركة والاستواء وخوفهم إيَّاهم، فإذا لم يَجُزْ أن يكونَ مماليكُكُم شركاءَ مع جواز صيرورَتِهِم مثلَكُم مِن جميع الوجوه، فكيف إن أشركوا(9) مع الله(10) غيرَه؟
          ({يَصَّدَّعُونَ}[الروم:43]) أصله: يتصدَّعون، أُدغمتِ التاء بعدَ قلبها صادًا في الصاد، ومعناه: (يَتَفَرَّقُونَ) أي: فريقٌ في الجنَّة، وفريقٌ في السعير ({فَاصْدَعْ}) في قوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر:94] أي: افرق وامضه، قاله أبو عُبيدة.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي(11): غيرُ ابن عبَّاسٍ: (ضُعْفٌ) بضمِّ المعجمة (وَضَعْفٌ) بفتحها (لُغَتَانِ) بمعنًى واحد، قُرِئَ بهما في قوله تعالى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ} والفتح قراءة عاصم وحمزة، وهو لغةُ تميمٍ، والضَّمُّ لغةُ قريشٍ(12)، وقيل: بالضَّمِّ في الجسد، وبالفتح في العقل، أي: خلقكم مِن ماءٍ ذي ضعف؛ وهو النطفة، {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ} الطفوليَّة {قُوَّةً} الشبيبة {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} هَرَمًا {وَشَيْبَةً}[الروم:54] والشيبةُ تمامُ الضعفِ، والتنكيرُ مع التكرير؛ لأنَّ اللاحقَ ليس عينَ السَّابق(13).
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى}) في قوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى}[الروم:10] (الإِسَاءَةُ جَزَاءُ المُسِيئِينَ) وصله الفِريابيُّ.


[1] في (د): «أعطى».
[2] في (د): «عطيته».
[3] في (د): «منها».
[4] زيد في (د) و(م): «عند الله».
[5] «ابن أبي نجيح»: ليس في (د).
[6] في غير (د): «محبورون».
[7] في (د): «يوطؤها»، وفي (م): «ليطؤونها».
[8] «من»: ليست في (د) و(ص).
[9] في (م): «يشركوا».
[10] زيد في (م): «آخر».
[11] «أي»: مثبتٌ من (م).
[12] وهي قراءة الباقين.
[13] في (د): «لأن اللاحق غير السابق»، كلاهما بمعنًى.