إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الجزية والموادعة

           ░░58▒▒ ( ╖ ) وسقطت البسملة لأبي ذرٍّ
          ░1▒ (بَابُ الجِزْيَةِ) بكسر الجيم وهي: مالٌ مأخوذٌ من أهل الذِّمَّة، لإسكاننا إيَّاهم في دارنا، أو لحقن دمائهم وذراريِّهم وأموالهم، أو لكفِّنا عن قتالهم (وَالمُوَادَعَةِ) والمراد بها: مُتارَكة أهل الحرب مدَّةً مُعيَّنَةً لمصلحةٍ (مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالحَرْبِ) لفٌّ ونشرٌ مُرتَّبٌ؛ لأنَّ الجزية مع أهل الذِّمَّة والمُوادَعة مع أهل الحرب (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ}) كإيمان الموحِّدين ({وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ}) يعني: الخمر والميسر ({وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ}) لا يتديَّنون بدين الإسلام ({مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ}) أي(1): إن لم يسلموا ({عَن يَدٍ}) أي: عن قهرٍ وغلبةٍ ({وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة:29]) قال البخاريُّ مفسِّرًا لقوله: {صَاغِرُونَ}: (أَذِلاَّءُ) ولأبي ذرٍّ: ”يعني: أذلَّاء“ وزاد أبو ذرٍّ وابن عساكر: ”والمَسْكَنَة مصدر المسكين“ يُقال: فلانٌ ”أسكنُ من فلانٍ، أي: أحوجُ منه“ فهو من المَسْكَنة، ”ولم يذهب _أي: البخاريُّ_ إلى السُّكون“ ووجه ذكره المسكنة(2) هنا: أنَّه فسَّر الصَّغَار بالذِّلَّة، وجاء في وصف‼ أهل الكتاب: ضُرِبت عليهم الذِّلَّة والمسكنة، فناسب ذكرها عند ذكر الذِّلَّة(3)، وساق في رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر: ”إلى قوله: {وَلاَ يُحَرِّمُونَ}“ ثمَّ قال: ”إلى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}“ (وَمَا جَاءَ فِي أَخْذِ الجِزْيَةِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى) أهل الكتاب (وَالمَجُوسِ) الَّذين لهم شبهةُ كتابٍ (وَالعَجَمِ) وهذا(4) قول أبي حنيفة: تُؤخَذ الجزية من جميع الأعاجم، سواءٌ كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين. وعند الشَّافعيِّ وأحمد: لا تُؤخَذ إلَّا ممَّن له كتابٌ أو شبهةُ كتابٍ، فلا تُؤخَذ من عبدة الأوثان والشَّمس والقمر ومن في معناهم، ولا من المُرتَدِّ؛ لأنَّ الله تعالى أمر بقتل جميع المشركين إلَّا(5) أن يسلموا بقوله: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}[التوبة:5](6) الآية السَّابقة، وتُؤخَذ أيضًا ممَّن زعم(7) أنَّه متمسِّكٌ(8) بصحف إبراهيم وزبور داود، ومَنْ(9) أحدُ أبويه كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ، وعن مالكٍ: تُقبَل من جميع الكفَّار إلَّا من ارتدَّ (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيانُ ممَّا وصله عبد الرَّزَّاق: (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) بفتح النُّون وكسر الجيم وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة حاءٌ مُهمَلةٌ، عبدِ الله (قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّأْمِ) أي: من(10) أهل الكتاب (عَلَيْهِمْ) أي(11): في الجزية (أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ اليَمَنِ) من أهل الكتاب (عَلَيْهِمْ) فيها (دِينَارٌ) واحدٌ؟ (قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اليَسَارِ) بكسر القاف وفتح المُوحَّدة، أي: من جهة اليسار.
          وفيه: جواز التَّفاوت في الجزية، وأقلُّها عند الشَّافعيَّة والجمهور: دينارٌ في كلِّ حولٍ، ومن متوسِّط الحال ديناران، ومن الموسر أربعةٌ استحبابًا.


[1] «أي»: مثبتٌ من (م).
[2] في (د): «المسألة».
[3] «والمسكنة، فناسب ذكرها عند ذكر الذِّلَّة»: سقط من (د).
[4] في (د): «وهو».
[5] في غير (د): «إلى» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[6] قوله: « إلَّا أن يسلموا بقوله: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}» سقط من (م).
[7] في (م): «يزعم».
[8] في (د1) و(ص) و(م): «يتمسَّك».
[9] في (د): «وممَّن».
[10] «من»: ليس في (ص).
[11] «أي»: ليس في (د1) و(ص) و(م).