إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

المؤمن

          ░░░40▒▒▒ (المُؤْمِنُ) مكِّيَّة، وآيُها خمس أو ثمان وثمانون.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ: مَجَازُهَا) أي: {حم} ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”سورة المؤمن“ ولغيرهما(1): ”حم“ ولأبي ذرٍّ: ” ╖ قال البخاريُّ: ويقال: {حم}(2) مجازُها“ (مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ) أي: حكمُها حكمُ الأحرفِ المقطَّعة في أوائل السُّورِ، فكلُّ ما يقال في {الم} و{ص} يقال في {حم}. وقد اختلفَ في هذه الحروف المقطَّعة الَّتي في أوائل السُّور(3) على أكثر من ثلاثين قولًا. فقيل: هي عِلمٌ مستورٌ وسرٌّ محجوبٌ استأثرَ الله بعلمهِ. وقال الصِّدِّيق: للهِ في كلِّ كتابٍ سرٌّ، وسرُّه في القرآنِ أوائلُ السُّورِ. وعن علي: لكلِّ كتابٍ صَفوة، وصفوةُ هذا الكتابِ حروف التَّهجي. وذهب آخرون إلى أنَّ المرادَ منها معلومٌ، فيقال(4): ممَّا روي عن ابنِ عبَّاس في {الم } الألف إشارةٌ إلى الأحديَّةِ، واللَّام إلى لطفهِ، والميمُ إلى ملكهِ، ويقال: بعضُها يدلُّ على أسماء الذَّات، وبعضُها على أسماء الصِّفات، ويقال في {الم }: أنا الله أعلمُ، وفي {المص}: أنا الله أفصِلُ، وفي {الر}: أنا الله أرى (وَيُقَالُ) ولأبي ذرٍّ: ”فيقالُ(5)“ في {حم} (بَلْ هُوَ اسْمٌ) أي: من أسماءِ القرآنِ، أو اسمٌ للسورةِ كغيرها من الفواتحِ، واختارهُ كثيرٌ من المحقِّقين (لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى) بإثبات: ”أبي“ في الفرعِ كغيرهِ، ونسبها في «الفتح» لروايةِ القابسيِّ، وقال: إنَّ ذلك خطأ، والصَّواب إسقاطها، فيصيرُ: شريحُ بن أوفى (العَبْسِيِّ) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة، وكان مع عليِّ بن أبي طالبٍ يوم الجمل، وكان على محمد بنِ طلحةَ ابنِ عبيدِ الله عمامةٌ سوداء، فقال علي: لا تقتُلوا صاحبَ العمامةِ السَّوداء فإنَّما أخرجه برُّه لأبيهِ، فلقيه شريحُ بن أوفى فأهوى‼ له بالرُّمحِ، فتلا: {حم} فقتله، فقال شريح: (يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ) بالشين المعجمة والجيم، والجملة حاليَّة، والمعنى: والرُّمحُ مشتبك مختلطٌ (فَهَلَّا) حرفُ تحضيضٍ (تَلَا) قرأ (حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ) أي: إلى الحرب. وقال الكِرمانيُّ: وجه الاستدلال به هو أنَّه أعربهُ، ولو لم يكن اسمًا لما دخلَ عليه الإعرابُ. انتهى.
          وبذلك قرأَ عيسى بن عمر، وهي تحتملُ وجهين: أنَّها منصوبة بفعلٍ مقدَّر، أي: اقرأ حم، ومنعت من الصَّرف للعلميَّة والتَّأنيث، أو العلميَّة وشبْه العُجْمة؛ لأنَّه ليس في الأوزانِ العربيةِ وزن فاعيل، بخلاف الأعجميَّة نحو: قابيل وهابيل، أو أنَّها حركة بناء تخفيفًا كأيْنَ وكيفَ، وقيل(6): كان مرادُ محمد بن طلحةَ بقوله: أذكِّرك {حم} قوله تعالى في {حم. عسق}: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] كأنَّه(7) يذكِّره بقرابتهِ؛ ليكون ذلك دافعًا له عن قتلهِ.
          ({الطَّوْلِ}) في قولهِ تعالى: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}[غافر:3] هو (التَّفَضُّلُ). وقال قتادة: النِّعمُ، وأصله الإنعامُ الَّذي تطول مدَّته على صاحبهِ.
          ({دَاخِرِينَ}) في قولهِ تعالى: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60] قال أبو عُبيدة: أي (خَاضِعِينَ) وقال السُّدِّي: صاغرينَ ذليلينَ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ من طريق ابنِ أبي نجيح: ({ إِلَى النَّجَاةِ}) في قولهِ تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ}[غافر:41] هي (الإِيمَانُ) المنجِّي من النَّار.
          ({لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ}[غافر:43] يَعْنِي: الوَثَنَ) الَّذي تعبدونهُ من دون الله تعالى ليست له استجابة دَعوة، أو ليست له عبادةٌ في الدُّنيا؛ لأنَّ الوثنَ لا يدَّعِي ربوبيته(8)، ولا يدعو إلى عبادتهِ، وفي الآخرةِ يتبرَّأُ من عابديهِ.
          ({يُسْجَرُونَ}) في قولهِ: {ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر:72] أي: (تُوقَدُ بِهِمِ النَّارُ) قاله مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ، وهو كقوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[البقرة:24].
          ({تَمْرَحُونَ}) في قولهِ تعالى: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر:75] أي: (تَبْطَرُونَ) وفي قولهِ: {تَفْرَحُونَ} و{تَمْرَحُونَ} التَّجنيس المحرَّفُ؛ وهو أن يقعَ الفرقُ بين اللَّفظين بحرفٍ.
          (وَكَانَ العَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ) العدويُّ البصريُّ، التَّابعيُّ الزَّاهد، وليس له في «البخاريِّ» إلَّا هذا (يَذْكُرُ) بفتح أوَّله وتخفيف الكاف، ولأبي ذرٍّ: ”يُذَكَّرُ“ بضم أوله وتشديد الكاف مصحَّحًا عليها في الفرع كأصله، ولم يذكر الحافظ ابن حجرٍ غيرها. وقال في «انتقاض الاعتراض»: إنَّها الرِّوايةُ، واعترض العينيُّ ابنَ حجرٍ في التَّشديد، وصحَّح التَّخفيف(9)، أي: يخوِّفُ النَّاس (النَّارَ) فهو على حذف(10) أحدِ المفعولين (فَقَالَ) له (رَجُلٌ) _لم يعرفِ / الحافظ ابنُ حجرٍ اسمه_ مستفهمًا(11): (لِمَ تُقَنِّطُ النَّاس؟) أي: من رحمةِ الله (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ وَاللهُ‼ ╡ يَقُولُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ}[الزمر:53] وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ}) في الضَّلالة والطُّغيانِ، كالإشراكِ وسفك الدِّماء ({هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}[غافر:43]) أي: ملازمُوها (وَلَكِنَّكُمْ) وللأَصيليِّ: ”ولكن“ (تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالجَنَّةِ) بفتح الموحدة والمعجمة، مبنيًّا للمفعول (عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صلعم مُبَشِّرًا بِالجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا) بضم الميم وكسر المعجمة، وللأَصيليِّ: ”وينذِرَ“ بلفظ المضارع (بِالنَّارِ مَنْ) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”لمن“(12) (عَصَاهُ).


[1] في (ب): «لغيرها».
[2] في (م): «في حم».
[3] قوله: «فكل ما يقال في {الم } و{ص} يقال في{حم} وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور»: ليس في (م).
[4] في (م) و(د): «فقال».
[5] قوله: «ولأبي ذر: فيقال»: ليس في (م) و(د).
[6] قوله: «وقيل»: ليس في (د).
[7] في (د): «لأنه».
[8] في (س): «ربوبية».
[9] قوله: «واعترض العيني ابن حجر في التشديد وصحح التخفيف»: ليس في (د).
[10] في (م) و(د): «بحذف».
[11] في (ص) زيادة: «له»، وفي (ب): «منه».
[12] في (د): «بمن».