إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة {قل يا أيها الكافرون}

          ░░░109▒▒▒ (سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}) مكِّيَّة، وآيُها ستٌّ، وثبت لفظ: ”سورة“ لأبي ذرٍّ.
          (يُقَالُ: {لَكُمْ دِينُكُمْ}) أي: (الكُفْرُ {وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:6]) أي: (الإِسْلَامُ) وهذا قبلَ الأمرِ بالجهادِ، وقال في «الأنوار»: {لَكُمْ دِينُكُمْ} الَّذي أنتم عليهِ لا تتركونَه {وَلِيَ دِينِ} الَّذي أنا عليهِ لا أرفضُه‼، فليسَ فيه إذنٌ في الكفرِ، ولا منعٌ عن الجهادِ ليكون منسوخًا بآيةِ القتال، اللَّهمَّ إلَّا إذا فُسِّر بالمتاركةِ وتقرير كلٍّ من الفريقينِ على دينهِ (وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي) بالياء بعد النون (لأَنَّ الآيَاتِ) الَّتي قبلها (بِالنُّونِ، فَحُذِفَتِ اليَاءُ) رعايةً لتناسبِ الفواصل، وهو نوعٌ من أنواعِ البديع (كَمَا قَالَ: (1){يَهْدِينِ}[الشعراء:78] وَ{يَشْفِينِ}[الشعراء:80]) بحذف الياء فيهما لذلك(2)، قالهُ الفرَّاء.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير الفرَّاء، وسقط ذا لأبي ذرٍّ، وهو الصَّواب؛ لأنَّه لم يسبق في كلامِ المصنِّف عزوٌ، فتصويبُ الحافظ ابن حجرٍ ☼ لإثباته فيه نظرٌ لا يخفى ({لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}[الكافرون:2] الآنَ(3) وَلَا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي) أن أعبد ما تعبدون ({وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:3] وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ) الله تعالى: ({وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا}[المائدة:68]) و{ مَا}: في هذه(4) السُّورة بمعنى: الَّذي، فإن كان المرادُ بها الأصنام _كما في الآيةِ(5) الأولى والثَّالثة(6)_ فواضحٌ؛ لأنَّهم غير عقلاء، و«ما» أصلُها أن تكون لغيرِ العقلاءِ، وإذا أريدَ بها(7) الباري تعالى _كما في الثَّانية والرَّابعة_ فاستدلَّ بهِ من جوَّز وقوعها على أهلِ العلمِ، ومن منعَ جعلها مصدرية، والتَّقدير: ولَا أنتُمْ عابدُونَ عبادتي، أي: مثل عبادتي.
          وقال أبو مسلمٍ: {مَا} في الأوليين بمعنى الَّذي، والمقصودُ المعبود، و{مَا} في الأخرى(8) مصدريَّة، أي: لا أعبدُ عبادتكم المبنيَّة على الشَّك وتركِ النَّظر، ولا أنتم تعبدون مثل عبادتِي المبنيَّة على اليقين. والحاصلُ: أنَّها كلَّها بمعنى الَّذي أو مصدريَّة، أو الأوليان بمعنى الَّذي، والأخريانِ مصدريَّتان، وهل التَّكرار(9) للتَّأكيد أم لا؟ /


[1] في (س) و(ص) زيادة: «{فَهُوَ}».
[2] في (د) و(م): «كذلك».
[3] «الآن»: ليس في (ص).
[4] «هذه»: ليست في (د).
[5] «الآية»: ليست في (د).
[6] في (م) و(د): «الثانية».
[7] في (د): «وإن أريد به».
[8] في (ب): «الأخريين».
[9] في (ص): «التكرير».