إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب تفسير سورة المائدة

          ░░░5▒▒▒ ( ╖ . باب تَفسير سُورةِ المَائِدَةِ) وهي مدنيَّةٌ إلَّا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:3] فبعرفةَ عشيَّتها، قال في «الينبوع»(1): ومن نسب هذه السُّورة إلى عرفة فقد سها، بل نزلت بالمدينة سوى الآيات من أوَّلها، فإنِّهن نزلن في حجَّة‼ الوداع وهو على راحلته بعرفة بعد العصر(2). انتهى. وقد روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: «إنِّي لآخذةٌ بزمام العضباء ناقة رسول الله صلعم ؛ إذ نزلت عليه المائدة كلُّها، وكادت من ثقلها تدقُّ عضد النَّاقة» وعن ابن عمرو(3): «آخر سورة أُنزِلت المائدة والفتح» قال التِّرمذيُّ: حسنٌ غريبٌ، وثبتت البسملة بعد قوله «المائدة» لأبي ذرٍّ.
          ({حُرُمٌ}) يريد قوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ}[المائدة:1] قال أبو عبيدة: (وَاحِدُهَا: حَرَامٌ) والمعنى: وأنتم محرمون، وهذه الجملة ساقطةٌ لغير أبوي الوقت وذرٍّ.
          ({فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ}[المائدة:13]) قال قتادة وغيره أي: (بِنَقْضِهِمْ) فـ «ما»(4) صلةٌ؛ نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ}[آل عمران:159] وهو القول المشهور، وقيل: «ما» اسم نكرةٍ، أُبدِل منها {نَقْضِهِم} على إبدال المعرفة من النَّكرة، أي: بسبب نقضهم ميثاق الله وعهده بأن كذَّبوا الرُّسل الذين جاؤوا من بعد موسى، وكتموا نعت محمَّدٍ صلعم ؛ بعَّدناهم من الرَّحمة أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية.
          ({الَّتِي كَتَبَ اللّهُ}) يريد قوله تعالى: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}[المائدة:21] أي: التي (جَعَلَ اللهُ) لكم، وثبت هنا قوله: «{ حُرُمٌ}: واحدها: حرامٌ» لأبوي الوقت وذرٍّ.
          ({تَبُوءَ}) يريد قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي}[المائدة:29] معناه: (تَحْمِلُ) كذا فسَّره مجاهدٌ.
          ({دَآئِرَةٌ}) يريد قوله تعالى: {يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ}[المائدة:52] أي: (دَوْلَةٌ) كذا فسَّره السُّدِّيُّ.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) قيل: هو غير(5) السُّدِّيِّ، أو غير من فسَّر السَّابق، وسقط للنَّسفيِّ «وقال غيره» فلا إشكال. (الإِغْرَاءُ) المذكور في قوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ}[المائدة:14]: هو (التَّسْلِيطُ) وقيل: أغرينا: ألقينا.
          ({أُجُورَهُنَّ}) يريد: { إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}(6)[المائدة:5]: (مُهُورَهُنَّ) وهذا تفسير أبي عبيدة.
          (المُهَيْمِنُ) يريد قوله تعالى: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]: قال ابن عبَّاسٍ _فيما وصله ابن أبي حاتمٍ عن عليِّ بن أبي طلحة عنه_: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} قال: المهيمن (الأَمِينُ، القُرْآنُ: أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ) وقال ابن جريجٍ: القرآن أمينٌ على الكتب المتقدِّمة، فما وافقه منها فحقٌّ، وما خالفه منها فهو باطلٌ، وقال العوقي عن ابن عبَّاسٍ: {وَمُهَيْمِنًا} أي: حاكمًا على ما قبله من الكتب.
          (قَالَ) وفي الفرع: ”وقال“ (سُفْيَانُ) هو الثَّوريُّ: (مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ) قوله تعالى: ({لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ}[المائدة:68]) لِمَا فيها من التَّكليف(7) من العمل بأحكامها.
          (مَخْمَصَةٌ) قال ابن عبَّاسٍ: (مَجَاعَةٌ).
          وقال أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتمٍ في قوله تعالى: ({مَنْ أَحْيَاهَا}[المائدة:32]: يَعْنِي: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ(8) النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا).
          وقال أيضًا في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ} ({شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48]): يعني: (سَبِيلًا وَسُنَّةً) وسقط قوله: «قال سفيان...» إلى هنا لغير أبوي ذرٍّ والوقت.
          ({فَإِنْ عُثِرَ})‼ {عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا}[المائدة:107] أي: (ظَهَرَ).
          وقوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} ({الأَوْلَيَانِ}[المائدة:107]: وَاحِدَهُمَا / : أَوْلَى) وهذا ثابتٌ في بعض النُّسخ، ساقطٌ من الفرع وأصله.


[1] في (د) و(م): «البيوع»، ولعلَّه تحريفٌ.
[2] زيد في (د): «بعرفة».
[3] في كل الأصول: «بن عمر» والتصويب من سنن الترمذي: (3063) وغيره.
[4] في (د): «فجعلها».
[5] في (د): «قول».
[6] زيد في (د): «وهي».
[7] في (د) و(ص): «التَّكلفُّ».
[8] في (م): «أحي».