إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

النمل

          ░░░27▒▒▒ (النَّمْل) مكِّيَّة، وهي ثلاثٌ أو أربعٌ وتسعونَ آيةً، ولأبي ذرٍّ: ”سُورَةُ النَّملِ ╖ “ وسقطت البسملة لغير أبي ذرٍّ، وللنسفيِّ تقديمُها.
          (الخَبْءُ) ولغير أبي ذرٍّ: ”والخبء“ بزيادة واو، ومرادُه قولُه تعالى: { أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ}[النمل:25] هو (مَا خَبَأْتَ) يُقال: خَبَأتُ الشيءَ أَخْبُؤه خَبْأً، أي: سَتَرتُه، ثم أُطلق على الشيءِ المَخْبُوءِ، ونحوه(1): {هَذَا خَلْقُ اللهِ}[لقمان:11] وقيل: الخبء في السموات: المطر، وفي الأرض: النبات، وقيل: الغيث(2)، وهو يدُلُّ على كمال القدرة، وسُمِّي المخبوء بالمصدر، ليتناولَ جميعَ الأموال والأرزاق.
          ({لَّا قِبَلَ}) في قوله: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ}[النمل:37] أي: (لَا طَاقَةَ) لَهُمْ بمُقاوَمَتِها.
          (الصَّرْحُ) في قوله: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ}[النمل:44] هو (كُلُّ مِلَاطٍ) بميمٍ مكسورة: الطينُ الذي يُجعل بين سافي(3) البناء، وللأصيليِّ _كما في الفتح_: ”بلاط“ بالموحَّدة المفتوحة، ومثلُه لابن(4) السَّكَن، وكذا ضبطه الدِّمياطيُّ في نُسختِه (اتُّخِذَ) بضمِّ الفوقيَّة وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (مِنَ القَوَارِيرِ) وهو الزُّجَاج الشَّفَّاف (وَالصَّرْح: القَصْرُ) وقال الراغبُ: بيتٌ عالٍ مَزَوَّقٌ، سَمِّي بذلك اعتبارًا بكونه صرحًا عن البيوت، أي: خالصًا (وَجَمَاعَتُهُ) أي: الصَّرْحُ (صُرُوحٌ).
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ فيما(5) وصله الطبريُّ في قوله تعالى: ({وَلَهَا عَرْشٌ}[النمل:23]) أي: (سَرِيرٌ، { كَرِيمٌ}[النمل:29] حُسْنُ الصَّنْعَةِ) بضمِّ الحاء وسكون السين (وَغَلَاءُ الثَّمَنِ) وكان مضروبًا من الذهب، مُكلَّلًا بالدُّرِّ والياقوت الأحمر والزَّبرجَد الأخضر، وقوائمُه من الياقوت والزُّمُرُّد، وعليه سبعةُ أبوابٍ، على كلِّ بيتٍ بابٌ مغلقٌ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: كان عرشُها ثلاثينَ ذِراعًا في ثلاثينَ ذِراعًا‼، وطولُه في السماء ثلاثون(6) / ذِراعًا، وعند ابن أبي حاتم: ثمانون ذِراعًا في أربعين.
          ({مُسْلِمِينَ}) ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ: ”{ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}“[النمل:38] أي: (طَائِعِينَ) قاله ابن عبَّاسٍ فيما وصله الطبريُّ.
          ({رَدِفَ}) في قوله: {عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ}[النمل:72] قال ابن عبَّاس: (اقْتَرَبَ) فضمَّن { رَدِفَ} معنى فعلٍ يتعدَّى باللَّام؛ وهو «اقترب»، أو أزف {لَكُم}(7) و{ بَعْضُ الَّذِي} فاعلٌ به، أو {رَدِفَ} مفعولُه محذوفٌ، واللَّام للعِلَّة، أي: ردف الخلق لأجلكم، أو اللَّام مزيدة في المفعول تأكيدًا(8)، كزيادتها(9) في قوله: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} أو فاعل { رَدِفَ} ضمير الوعد، أي: ردف الوعد، أي: قرب ودنا مقتضاه، و{لَكُم} خبر مقدم، و{بَعْضُ} مبتدأ مؤخر.
          ({جَامِدَةً}) في قوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}[النمل:88] أي: (قَائِمَةً) قاله ابن عبَّاس.
          ({ أَوْزِعْنِي}) في قوله: {رَبِّ أَوْزِعْنِي}[النمل:19] أي: (اجْعَلْنِي) أزع شُكْرَ نعمتِكَ عندي.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله الطبريُّ في قوله: ({نَكِّرُوا}[النمل:41]) أي: (غَيِّرُوا) لها عرشها إلى حالةٍ تُنْكِرُه إذا رأَتْه، روي: أنَّه جُعِلَ أسفلُه أعلاه وأعلاه أسفلَه، ومكانُ الجوهرِ الأحمرِ أخضرَ ومكانُ الأخضرِ أحمرَ.
          ({وَأُوتِينَا الْعِلْمَ}[النمل:42]) قال مجاهد: (يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ) وقال في «الأنوار» و«اللباب» وغيرهما: من قول سليمان وقومه، فالضميرُ في {قَبْلِهَا} عائدٌ على بَلْقيس، فكأنَّ سليمانَ وقومَه قالوا: إنَّها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة، وقد رُزِقَتِ الإسلامَ، ثم عطفوا على ذلك قولَهم: وأوتينا(10) نحنُ العلمَ بالله وبقدرتِه على ما يشاء مِن قَبْلِ هذه المرأةِ مثلَ علمِها، وغرضُهم من ذلك شكرُ الله تعالى في أنْ خصَّهم بمزيد التقدُّم في الإسلام، قاله مجاهدٌ، أو هو مِن تتمَّة كلامها، فالضميرُ في {قَبْلِهَا} راجعٌ للمعجزة أو(11) الحالة الدال(12) عليهما السياق، والمعنى: وأوتينا العلم بنبوَّة سليمان مِن قَبْلِ ظهور هذه المعجزة أو مِنْ قبل هذه الحالة، وذلك لمَّا رأت مِنْ أمرِ الهُدْهُدِ وغيره.
          (الصَّرْحُ): هو (بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ) ◙ (قَوَارِيرَ) وهو الزُّجَاج الشَّفَّاف (أَلْبَسَهَا إِيَّاهُ) وللأصيليِّ: ”إيَّاها“، وكان قد ألقى في هذا الماء كلَّ شيءٍ مِن دوابِّ البحر؛ من السمك، والضفادع، وغيرهما، ثم وضع سريرَه في صدره وجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجِنُّ والإنس، وقيل: إنَّه اتخذ صُحُفًا(13) من قوارير، وجعلَ تحتَها تماثيلَ مِنَ الحيتان والضفادع، فكان الرائي يظنُّه ماءً.


[1] في (د): «نحو».
[2] في (د) و(م): «الغيب».
[3] في (د): «سافتي»، وفي (ص): «سنافي».
[4] في غير (د): «لأبي».
[5] في (د): «مما».
[6] في (ص): «ستون».
[7] «لكم»: ليس في (د).
[8] «تأكيدًا»: ليس في (د).
[9] في (م): «لزيادتها» كذا في الدر المصون.
[10] في (ص): «أتينا».
[11] في (ص) و(م): «و».
[12] في (ص) و(م): «الدالة» كذا في اللباب.
[13] في (د) و(ص) و(م): «صحنا».