إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة الرحمن

          ░░░55▒▒▒ (سورة الرَّحْمَنِ) مكِّيَّة، أو مدنيَّة، أو متبعِّضة، وآيُها ستٌّ وسبعون.
          ( ╖ ) سقطتِ البسملةُ لغير أبي ذرٍّ. (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ عبدُ بن حميدٍ في قولهِ تعالى: ({ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5]) أي: (كَحُسْبَانِ الرَّحَى) أي: يدورَان / في مثل قطبِ الرَّحى، والحُسبان قد يكون مصدر حَسَبْتُه أَحْسُبُه(1) _بالضَّم_ حَسْبًا وحِسَابًا(2) وحُسْبانًا، مثل: الغُفران والكُفران والرُّجحان، أو جمع: حسابٍ؛ كشِهابٍ وشُهبان، أي: يجريان في منازلهما بحسابٍ لا يغادرانِ ذلك(3).
          (وَقَالَ غَيرُهُ) أي: غير مجاهد _وسقطَ من قوله: «وقال مجاهد...» إلى آخر قوله: «وقال غيره» لغير أبي ذرٍّ_ ({وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ}[الرحمن:9] يُرِيدُ: لِسَانَ المِيزَانِ) قاله أبو الدَّرداء. وعند ابنِ أبي حاتمٍ: رأى ابنُ عبَّاس رجلًا يزن قد أرجحَ، فقال: أقم اللِّسانَ، كما قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ}[الرحمن:9].
          (وَ{ الْعَصْفِ}) في قولهِ تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} هو (بَقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ) الزَّرع (فَذَلِكَ العَصْفُ) والعربُ تقول: خرجنا نعصفُ الزَّرعَ؛ إذا قطعُوا منه قبل أن يدركَ ({وَالرَّيْحَانُ}[الرحمن:12] فِي كَلَامِ العَرَبِ الرِّزْقُ) وهو: مصدرٌ في الأصل أطلق على الرِّزِّق، وقال قتادة: الَّذي يشمُّ، أو كلُّ بقلةٍ طيِّبة الرِّيح سمِّيت ريحانًا؛ لأنَّ الإنسانَ يراحُ لها رائحةً طيِّبةً، أي: يشمُّ(4) ({وَالرَّيْحَانُ} رِزْقُهُ، { وَالْحَبُّ} الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ)‼ أي: من الزَّرع (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالعَصْفُ: يُرِيدُ المَأْكُولَ مِنَ الحَبِّ) وسقطتْ «واو» «والعصف» لأبي ذرٍّ(5) ({وَالرَّيْحَانُ}: النَّضِيجُ) فعيل بمعنى المنضُوج (الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ)، قاله الفرَّاء وأبو عُبيدة (وَقَالَ غَيْرُهُ: العَصْفُ: وَرَقُ الحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ) ممَّا وصلهُ ابنُ المنذرِ: (العَصْفُ التِّبْنُ) رزقًا للدَّوابِ (وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ) الغِفارِيُّ: قال أبو زرعةَ: لا يعرفُ اسمه، وقال غيره: اسمه غزوان _بمعجمتين_ وهو كوفيٌّ تابعيٌّ (العَصْفُ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ، تُسَمِّيهِ النَّبَطُ) بفتح النون والموحدة وبالطاء المهملة، الفلَّاحون (هَبُورًا) بفتح الهاء وضم الموحدة مخفَّفة وبعد الواو الساكنة راء، دُِقاق الزَّرعِ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ: (العَصْفُ وَرَقُ الحِنْطَةِ. وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ) والرَّيحان بوزن فعلان من ذوات الواو، أصله: رَوحانٌ من الرَّائحةِ، فأبدلت الواو ياء للفرق بينه وبين الرَّوحان، وهو كلُّ شيءٍ له روحٌ(6).
          (وَالمَارِجُ) في قولهِ تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}[الرحمن:15] هو (اللَّهَبُ الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ) وزاد غيره: والأحمر(7)، وهذا مشاهدٌ في النَّارِ، ترى الألوان الثَّلاثة مختلطًا بعضها ببعض، والجانُّ اسم جنسٍ كالإنسانِ، أو أبو الجنِّ إبليسُ، وسقطَ «واو» والمارج، لأبي ذرٍّ(8).
          (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ مُجَاهِدٍ) فيما وصلهُ الفِرْيابيُّ في قولهِ تعالى: ({رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن:17] مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ، و) مغربها في (الصَّيْفِ) وقيل: مشرقا الشَّمس والقمر ومغربَاهما، وذكرُ غاية ارتفاعهمَا وغايةِ انحطاطِهما، إشارةً إلى أنَّ الطَّرفين يتناولان(9) ما بينهما، كقولك في وصفِ مَلِكٍ عظيمٍ له المشرقُ والمغرب، فيُفهم منه أنَّ له ما بينهُما، ويؤيِّده قوله تعالى: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}[المعارج:40].
          ({لَّا يَبْغِيَانِ}) في قولهِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}[الرحمن:19-20] أي: (لَا يَخْتَلِطَانِ) قاله مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ، والبحران: قال ابن عبَّاس: بحرُ السَّماءِ وبحرُ الأرضِ. قال سعيد بنُ جبيرٍ: يلتقيان في كلِّ عامٍ، وقال قتادة: بحر فارسٍ والرُّوم، أو البحرُ المالح والأنهارُ العذبةُ، أو بحرُ المشرقِ والمغربِ، والبرزخ: الحاجِز. قال بعضُهم: الحاجزُ هو القدرةُ الإلهيَّةُ.
          ({الْمُنشَآتُ})[الرحمن:24] قال مجاهدٌ _فيما وصلهُ الفِريابيُّ_: هي (مَا رُفِعَ قِلْـَعُهُ مِنَ السُّفُنِ) بكسر القاف وسكون اللام، ويجوز فتحها (فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْـَعُهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ) ولأبي ذرٍّ: ”بمُنشآت(10)“ بالفوقيَّة المجرورةِ في الكتابة(11) بدل المربوطة، وقرأ حمزةُ وأبو بكرٍ بكسر الشين، اسمُ فاعل، أي: تنشِئُ السَّيرَ إقبالًا وإدبارًا، أو اللَّاتي تُنشِئنَ الأمواجَ، أو الرَّافعات الشُّرُع(12)، ونسبة الرَّفع إليها مجاز، والباقونَ بفتح الشين اسم مفعول، أي: أنشأها(13) الله‼ أو النَّاسُ أو رفعوا شراعها.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ: ({ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:14]) أي: (كَمَا يُصْنَعُ الفَخَّارُ) بضم الياء وفتح النون، مبنيًّا للمفعول، وذلك أنَّه أخذَ ترابَ الأرضِ فعجنهُ فصارَ طينًا، ثمَّ انتقل فصارَ كالحمأ المسنونِ، ثمَّ يبسَ فصار صلصالًا كالفخَّار، ولا يخالفُ هذا قوله تعالى: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ}[آل عمران:59] ونحوه.
          (الشُّوَاظُ) قال مجاهدٌ: (لَهَبٌ مِنْ نَارٍ) وقال غيره: الَّذي معه دُخان، وقيل: اللَّهبُ الأحمرُ، وقيل: الدُّخانُ الخارج من اللَّهب / ، وقول مجاهدٍ هذا ثابتٌ لأبي ذرٍّ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَنُحَاسٌ}[الرحمن:35] النُّحَاسُ) هو (الصُّفْرُ) يذابُ ثمَّ (يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يُعَذَّبُونَ بِهِ) ولأبي ذرٍّ: ”فَيُعَذَّبون به(14)“ وقيل: النُّحاسُ الدُّخانُ الَّذي لا لهبَ معه. قال الخليلُ: وهو معروفٌ في كلامِهم، وأنشد للأعشى:
يُضِيءُ كَضَوءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ                     لَمْ يَجْعَلِ اللهُ فِيْهِ نُحَاسًا
وسقطَ قوله: «النُّحَاس» لغير أبي ذرٍّ.
          ({خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}[الرحمن:46]) قال مجاهدٌ: هو الرَّجلُ (يَهُمُّ) بفتح الياء وضم الهاء (بِالمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللهَ ╡ فَيَتْرُكُهَا) من خوفهِ، و{مَقَامَ}: مصدرٌ مضافٌ لفاعله، أي: قيامَ ربِّه عليهِ وحفظهِ لأعمالهِ، أو لمفعوله، أي: القيام بحقوقِ الله فلا يضيِّعها، أو المقام(15) مكان، فالإضافة بأدنى ملابسة، لما كان النَّاسُ يقومون بين يدي الله للحسابِ؛ قيل فيه: مقام الله، والمعنى: خاف مقامَهُ بين يدَي ربِّه للحسابِ فتركَ المعصيةَ، فـ {مَقَامَ}(16) مصدر بمعنى القيامِ، وثبتَ في «اليونينية» و«آل ملك»(17) و«النَّاصرية» هنا ما سبق لأبي ذرٍّ، وهو قوله: ”الشُّواظُ لهبٌ من نَارٍ“(18).
          ({ُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:64]) قال مجاهدٌ: (سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ) والادِّهامُ لغة: السَّوادُ وشدَّةُ الخضرةِ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: خَضراوان.
          ({صَلْصَالٍ}[الرحمن:14]) أي: (طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ) أي: صَوَّت(19) كما يصُوِّتُ الخزفُ إذا جفَّ وضربَ لقوتهِ (وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ) بضم الميم وكسر التاء (يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ) اللَّحم يصِلُّ _بالكسر_ صلولًا: أنتنَ (يُقَالُ: صَلْصَالٌ؛ كَمَا يُقَالُ: صَرَّ البَابُ عِنْدَ الإِغْلَاقِ وَصَرْصَرَ) يريد: أنَّ «صلصالَ» مضاعفٌ كصَرْصر (مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ) ومنه: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا}[الشعراء:94] أصله: كبُّوا، وفي هذا النوع _وهو ما تكرَّرت فاؤُهُ وعينُه_ خلاف؛ فقيل: وزنهُ فعفع، كُررت الفاء والعين ولا لام للكلمة. قاله(20) الفرَّاء وغيره، وغَلِط؛ لأنَّ أقلَّ الأصول ثلاثة فاء وعين ولام، وقيل: وزنه فعفلَ، وقيل: فعَّل بتشديد العين، وأصله: صلَّل(21)، فلما اجتمعَ ثلاثة أمثالٍ أبدل الثَّاني من جنس فاء الكلمةِ، وهو مذهبٌ كوفيٌّ، وخصَّ بعضُهم هذا الخلاف بما إذا لم يختلَّ المعنى بسقوط الثَّالث؛ نحو: لملمَ وكبكبَ، فإنَّك تقول فيهما لمَّ وكبَّ، فلو لم يصحَّ المعنى بسقوطهِ كسمسم. قال: فلا خلافَ في أصالةِ الجميعِ، وقوله «{صَلْصَالٍ}...» إلى آخره سقطَ لأبي ذرٍّ.
          ({فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن:68] قَالَ) ولغير أبي ذرٍّ: ”وقال“ (بَعْضُهُمْ) قيل‼: هو الإمام أبو حنيفة وجماعة كالفرَّاء: (لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالفَاكِهَةِ) لأنَّ الشَّيء لا يعطفُ على نفسه إنَّما يُعطف على غيرهِ، لأنَّ العطف يقتضي المغايرةَ، فلو حلفَ لا يأكلُ فاكهةً فأكلَ رطبًا أو رمانًا لم(22) يحنث (وَأَمَّا العَرَبُ؛ فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً) وإنَّما أعاد ذكرهما لفضلِهما على الفاكهةِ، فإنَّ ثمرةَ النَّخلِ فاكهةٌ وغذاءٌ، وثمرةُ الرُّمَّانِ فاكهةٌ ودواءٌ، فهو من ذكر الخاص بعد العام تفضيلًا له (كَقَوْلِهِ ╡: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}[البقرة:238] فَأَمَرَهُمْ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ العَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا) أي: تأكيدًا لتعظيمها (كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ) هنا (وَمِثْلُهَا) أي: مثل {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} قوله(23) تعالى: ({أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}[الحج:18] وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ) ولأبي ذرٍّ: ”وقد ذكرَهم الله ╡ في أوَّل“ (قَوْلِهِ: {مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ}).
          والحاصلُ أنَّه من عطف الخاصِّ على العامِّ، واعترضَ بأنَّها(24) نكرةٌ في سياق الإثباتِ، فلا عموم، وأُجيب بأنَّها نكرة في سياق الامتنانِ فتعمُّ، أو ليس المراد بالعام والخاص ما اصطلحَ عليه في الأصول، بل كلُّ ما كان الأوَّل فيه شاملًا للثَّاني. قال العلَّامة البدر الدَّماميني: متى اعتُبِرَ الشُّمول جاء(25) الاستغراقُ، وهو الَّذي اصطلحَ عليه في الأصولِ، ولعلَّ المراد كل ما كان الأوَّل صادقًا على الثَّاني، سواء كان هنا استغراقٌ أو لم يكن، ثمَّ هنا فائدةٌ لا بأس بالتَّنبيه عليها وهي: أنَّ الشَّيخ أبا حيَّان نقل قولين في المعطوفاتِ إذا اجتمعت؛ هل كلُّها معطوفة(26) على الأوَّل، أو كلُّ واحدٍ منها معطوف على ما قبله؟ فإن قلنا بالثَّاني؛ لم يكن عطف الرُّمَّان على النَّخل(27) من باب عطفِ الخاصِّ على العامِّ، بل من عطفِ أحدِ / المتباينين على الآخرِ، ومن هذه الفائدة يتَّجهُ لك المنازعة في قولهم: إنَّ قوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ}[البقرة:98] من(28) عطف الخاصِّ على العامِّ، وليس كذلك، فأمَّا إن قلنَا بالقولِ الأوَّل(29) فجبريلُ معطوف على لفظ الجلالة، وإن قلنا بالثَّاني فهو معطوفٌ على رسلهِ، والظَّاهر أنَّ المراد بهم الرُّسل من بني آدمَ؛ لعطفهِم على الملائكةِ، فليسَ منه.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) غير مجاهدٍ، أو غير البعضِ المفسَّر بأبي حنيفةَ ☼ : ({أَفْنَانٍ}[الرحمن:48]) أي: (أَغْصَانٍ) تتشعَّبُ من فرعِ(30) الشَّجرةِ، وقال النَّابغة:
بُكَاءُ حَمَامَةٍ تَدْعُو هَدِيْلًا(31)                     مُفجَّعَةٍ عَلَى فَنَنٍ تُغَنِّي
وتخصيصها بالذِّكر لأنَّها الَّتي(32)                      تورِقُ وتثمِرُ وتمدُّ الظِّلَّ
          ({وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}[الرحمن:54]) أي: (مَا يُجْتَنَى) من ثمر شجرِهما (قَرِيبٌ) تدنُو الشَّجرةُ حتَّى يجتنيَها وليُّ الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، وقوله: ”وقال غيرُه..“ إلى هنا ساقط لأبي ذرٍّ‼.
          (وَقَالَ الحَسَنُ) البصريُّ _فيما وصلهُ الطَّبريُّ_: ({فَبِأَيِّ آلَاء}) أي: (نِعَمِهِ) جمع: الأُلى؛ وهي النِّعمة.
          (وَقَالَ قَتَادَةُ) فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ: ({رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} يَعْنِي: الجِنَّ وَالإِنْسَ) كما دلَّ عليه قوله تعالى: { لِلْأَنَامِ}[الرحمن:10] وقوله: {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ}[الرحمن:31] وذكرت آية: {فَبِأَيِّ آلَاء (33)} إحدى وثلاثين مرَّة، والاستفهام فيها للتَّقرير؛ لما روى الحاكم عن جابرٍ قال: قرأَ علينا رسولُ الله صلعم سورةَ الرَّحمنِ حتَّى ختمَها، ثمَّ قال: «مَا لي أَراكُم سُكُوتًا؟ لَلْجنُّ كانُوا أحسنَ منكُم ردًّا، ما قرأْتُ عليهِم هذِه الآيةَ مِن مرَّةٍ: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلَّا قالوا: ولا بشيءٍ من نعمكَ ربَّنا نكذِّب، فلَكَ الحمدُ»، وقيل: المرادُ بالآلاءِ القدرةُ، وقال محمد بنُ عليٍّ التِّرمذيُّ: هذه السُّورة من بين السُّور عَلَمُ القرآنِ؛ لأنَّها سورةُ صفةِ المُلْكِ والقدرة؛ لافتتاحِها باسمهِ(34) الرَّحمن؛ ليُعلم أنَّ جميعَ ما يصفُه بعد من أفعالهِ وملكهِ وقدرتهِ خرجَ إليهم من الرَّحمةِ، ثمَّ ذكرَ الإنسانَ وما منَّ عليهِ به، ثمَّ(35) حسبانَ الشَّمسِ والقمرِ، وسجودَ الأشياءِ ممَّا نجمَ وشجرَ، ورفعَ السَّماءِ، ووضعَ الميزانِ، والأرضِ للأنام، وخاطبَ الثَّقلين فقال سائلًا لهما(36): {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أي: بأيِّ قدرةِ ربِّكما تكذِّبان؟ وإنَّما كانَ تكذيبُهم أنَّهم جعلوا له في(37) هذه الأشياءِ الَّتي خرجَتْ من قدرتهِ وملكهِ شريكًا يملكُ معه ويقدرُ معه تعالى اللهُ، وقال القُتَيْبيُّ: إنَّ الله تعالى عدَّد في هذه السُّورة نعماءهُ، وذكرَ خلقهُ وآلاءهُ، ثمَّ أتبعَ كلَّ خلَّةٍ وضعَها، وكلَّ نعمةٍ بهذهِ الآيةِ، وجعلَها فاصلةً بين كلِّ نعمتينِ، لينبِّههم على النِّعم ويقرِّرهم بها، وقال الحسين بن الفضلِ: التَّكريرُ طردٌ للغفلةِ، وتأكيدٌ للحجَّةِ. وسقطَ قوله: «{تُكَذِّبَانِ}» لغير أبي ذرٍّ.
          (وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ) عُويمر بن مالك ☺ ، ممَّا وصلهُ ابن حبَّان في «صحيحه»، وابنُ ماجه في «سننه» مرفوعًا في قولهِ تعالى: ({ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29] يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ) وأخرجه البيهقيُّ في «الشعب» موقوفًا، وللمرفوعِ شاهدٌ عن ابن عمرَ أخرجه البزَّار، وقيل: يخرجُ كلَّ يومٍ عساكرَ: عسكرًا من الأصلابِ إلى الأرحامِ، وآخرَ من الأرحامِ إلى الأرضِ، وآخرَ من الأرضِ إلى القبورِ، ويقبضُ ويبسطُ، ويشفِي سَقيمًا ويسقمُ سَليمًا، ويبتلِي معافىً ويُعافِي مُبتلىً، ويعزُّ ذليلًا ويذلُّ عزيزًا. فإن قلتَ: قد صحَّ أنَّ القلمَ جفَّ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامةِ؟ فالجواب: أنَّ ذلك شؤونٌ يبديها، لا شؤونٌ يبتدِيها.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) في قولهِ تعالى: ({بَرْزَخٌ}[الرحمن:20]) أي: (حَاجِزٌ) من قدرةِ الله.
          (الأَنَامُ): هم (الخَلْقُ) ونقله النَّوويُّ في «التهذيب» عن(38) الزُّبيديِّ(39)، وقيل: الحيوانُ(40)‼، وقيل: بنو آدمَ خاصَّة، وقيل: الثَّقلانِ.
          ({نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:66]) أي: (فَيَّاضَتَانِ) بالخيرِ والبركةِ، وقيل: بالماءِ، وقال ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ أيضًا: ينضخُ على أولياءِ الله بالمسكِ والعنبرِ والكافُورِ في دور أهل الجنَّة، كما ينضخُ رشُّ المطرِ. وقال سعيد بنُ جبيرٍ: بأنواعِ الفَواكهِ والماءِ، وسقطَ من قوله: «وقال ابن عبَّاس...» إلى هنا لأبي ذرٍّ.
          ({ذُو الْجَلَالِ}[الرحمن:27]) أي: (ذُو العَظَمَةِ) و«ذو» الثَّاني سقطَ لأبي ذرٍّ(41).
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) غير ابن عبَّاس: ({مَّارِجٍ}) أي: (خَالِصٌ مِنَ النَّارِ) من غير دُخان. قال في «الأنوار» في قولهِ: {مِن مَّارِجٍ} من صافٍ من دخانٍ {مِّن نَّارٍ} بيانٌ لـ {مَّارِجٍ} (يُقَالُ: مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ؛ إِذَا خَلَّاهُمْ) بتشديد / اللَّام، أي: تركهم (يَعْدُو) بالعين المهملة (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) أي: يظلمُ بعضُهم بعضًا، ومنه: (مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ: اخْتَلَطَ) واضطربَ، ولأبي ذرٍّ: ”ويقال(42): مرجَ أمرُ النَّاسِ“ ومرَج: بفتح الراء في الفرعِ، وضبطها العينيُّ بالكسر.
          ({مَّرِيجٍ}) من قوله: {فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ}[ق:5] أي: (مُلْتَبِسٌ) وسقطَت هذه لأبي ذرٍّ.
          ({مَرَجَ})[الرحمن:19] أي: (اخْتَلَطَ البَحْرَانِ) ولأبي ذرٍّ: ”البَحرين“ بالياء بدل ألف الرَّفع (مِنْ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ) إذا(43) (تَرَكْتَهَا) ترعى، وسقطَ لأبي ذرٍّ «من»(44).
          ({سَنَفْرُغُ لَكُمْ}[الرحمن:31]) أي: (سَنُحَاسِبُكُمْ) فهو مجازٌ عن الحسابِ، وإلَّا فالله تعالى (لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ، شَيْءٍ وَهْوَ) أي: لفظ {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} (مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ، يُقَالُ: لأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ) وإنَّما هو وعيدٌ وتهديدٌ(45)، كأنَّه (يَقُولُ: لآخُذَنَّكَ عَلَى غِرَّتِكَ) غفلتكَ.


[1] قوله: «أحسبه»: ليس في (ص).
[2] قوله: «وحسابًا»: ليس في (د) و(م).
[3] في (د) و(م) هنا زيادة ستأتي كما في بقيَّة الأصول: «وهذا ساقط لغير أبي ذرٍّ... إلى آخر قوله».
[4] في (د) و(م) زيادة: «ولأبي ذرٍّ».
[5] قوله: «وسقطت: واو والعصف لأبي ذرٍّ»: ليس في (د) و(م).
[6] في (د): «ريح».
[7] في (م) و(ص): «أحمر».
[8] قوله: «وسقط واو والمارج لأبي ذر»: ليس في (د).
[9] في (م) و(ص): «يتناول».
[10] في (م): «منشآت».
[11] قوله: «في الكتابة»: ليس في (د) و(م).
[12] في (م): «الشروع».
[13] في (ص): «أنشاء».
[14] «به»: ليس في (ب).
[15] في (س): «والمقام»، وفي (ص): «للمقام».
[16] في (ب): «ومقام».
[17] نسخة من الصحيح عاد إليها القسطلَّاني في أكثر من موضع لعلها تعود للأمير سيف الدين الحاج آل ملك (ت:747هـ)، والله تعالى أعلم.
[18] قوله: «وثبت في اليونينية... من نار»: ليس في (د).
[19] في (ص): «يصوت».
[20] في (م): «قال».
[21] في (ب): «فعلل».
[22] في (د): «لا».
[23] في (د): «في قوله».
[24] في (ص) و(م): «بأنه».
[25] في (د): «جاز».
[26] في (ص) و(م): «معطوف»، كذا في مصابيح الجامع.
[27] في (د): «النَّخل والرُّمَّان»، وفي (ج) و(م): «النخل على الرمان».
[28] في (د) و(ص) و(م): «إنَّ هذا من».
[29] في (ج) و(د) و(ص) و(ل) و(م): «الآخر».
[30] في (ب) و(س): «فروع».
[31] في (ص): «ذهيلًا».
[32] قوله: «التي»: ليس في (ص).
[33] قوله: «آلاء»: ليس في (ص) و(م).
[34] في (م): «باسم».
[35] في (م): «من».
[36] في (د) و(ص) و(م): «لهم».
[37] في (ب): «من».
[38] قوله: «عن»: ليس في (م).
[39] في (د): «الترمذي».
[40] في (ص): «للحيوان».
[41] العبارة في (د) هكذا: «ذو العظمة، وهذا ساقط لأبي ذر».
[42] قوله: «ويقال»: ليست في (م).
[43] في (م): «أي».
[44] قوله: «وسقط لأبي ذر من»: ليس في (د).
[45] في (م): «تهدية».