إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة الشعراء

          ░░░26▒▒▒ (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ) مكِّيَّة إلَّا قوله: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ (1)}[الشعراء:224] إلى آخرها، وهي مئتان وعشرون وستُّ آياتٍ.
          ( ╖ ) سقط لفظ «سورة» والبسملة لغير أبي ذرٍّ. (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله الفِريابيُّ في قوله تعالى: ({تَعْبَثُونَ}) من قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}[الشعراء:128] أي: (تَبْنُونَ) وقال الضَّحَّاك ومقاتِلٌ: هو الطريق، قال ابن عبَّاس: كانوا يبنون بكلِّ رِيع عُلِيَّاءَ(2) يعبثون فيه بمَن يمرُّ في الطريق إلى هودٍ ◙ ، وقيل: كانوا يبنون الأماكن المرتفعة؛ ليُعرف بذلك غِناهم، فنُهوا عنه(3) ونُسبوا إلى العَبَث.
          ({هَضِيمٌ}) في قوله تعالى: {فِي (4) جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء:147-148] (يَتَفَتَّتُ إِذَا مُسَّ) بضمِّ الميم وتشديد السِّين المهملة(5) مبنيًّا للمفعول، وهذا قاله مجاهد أيضًا، وقال ابن عبَّاسٍ: هو اللطيف، وقال عكرمة: اللَّيِّن، وقيل: {هَضِيمٌ} أي: يَهضِمُ الطعام، وكلُّ هذا لِلَطافَتِه.
          (مُسَحَّرِينَ) في قوله: { إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:153] أي: (المَسْحُورِينَ) ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ: ”مَسْحُورِينَ“ الذين سُحروا مرَّةً بعدَ أخرى من المخلوقين.
          (لَيْكَةُ) بلامٍ مفتوحة مِن غير ألف وصل قبلَها، ولا همزةٍ بعدَها، غيرُ منصرفٍ، اسمٌ غيرُ معرَّفٍ بـ «أل»، مضافٌ إليه {أَصْحَابُ}[الشعراء:176] وبه قرأ نافعٌ وابنُ كثيرٍ وابنُ عامرٍ، ولأبي ذرٍّ: ”واللَّيكة“ بألف وصلٍ وتشديد اللَّام (وَالإِيْكَةُ) بألف وصلٍ وسكون اللَّام وبعدها همزة مكسورة (جَمْعُ أَيْكَةٍ) ولأبي ذرٍّ: ”جمع(6) الأيكة“ (وَهْيَ جَمْعُ شَجَرٍ) وكان شجرَهُم الدَّوْمُ؛ وهو المُقْل، قال العينيُّ: الصواب أنَّ اللَّيكة والأيكة جمع(7) أيك، وكيف يقال: الأيكة جمع أيكة؟
          ({ يَوْمِ الظُّلَّةِ}) في قوله: { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}[الشعراء:189] هو (إِظْلَالُ العَذَابِ إِيَّاهُمْ) على نحو ما اقترحوا بأن سلَّط اللهُ عليهم الحَرَّ سبعةَ أيَّامٍ حتَّى غلت أنهارُهم، فأظلَّتْهُم سحابةٌ، فاجتمعوا تحتَها، فأمطرتْ عليهم نارًا، فاحترقوا.
          ({مَّوْزُونٍ}) في سورة الحجر →الآية:19← أي: (مَعْلُومٍ) ولعلَّ ذكره هنا من ناسخ، فالله أعلم.
          ({كَالطَّوْدِ}[الشعراء:63]) أي: (الجَبَلِ) ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ: ”كالجَبَل“ بزيادة الكاف.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) غيرُ مجاهدٍ: ({لَشِرْذِمَةٌ}) في قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ}[الشعراء:54] (الشِّرْذِمَةُ: طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ) والجملةُ(8) معمولٌ لقولٍ مُضمَرٍ، أي: قال: إنَّ هؤلاء، وهذا القولُ يجوزُ أن يكون حالًا، أي: أرسلَهم قائلًا ذلك، ويجوز أن يكون مفسِّرًا لـ {أَرْسَلَ} وجمعُ الشِّرذِمةِ: شَراذِم، فذَكَرَهم بالاسم الدال على القِلَّة، ثمَّ جَعَلَهم قليلًا بالوصف‼، ثم جمع القليل فجعل كلَّ حزبٍ منهم قليلًا، واختار جمعَ السَّلامة الذي هو من قبيل(9) جمعِ القِلَّة، وإنَّما استقلَّهم وكانوا ست مئة وسبعين ألفًا بالإضافة إلى جنودِه؛ لأنَّه رُوِيَ: أنَّه خرجَ وكانت مقدِّمتُه سبع مئة ألف.
          ({فِي السَّاجِدِينَ}) في قوله: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}[الشعراء:219] أي: (المُصَلِّينَ) / وقال مقاتِلٌ: مع المصلِّين في الجماعة، أي: نراك حين تقوم وحدَك للصلاة، ونراك(10) إذا صليت مع الجماعة، وقال مجاهد: نرى تقلُّب(11) بصرك في المصلِّين، فإنَّه كان يبصرُ مِن خلْفِه كما يبصر مِن أمامه، وعن ابن عبَّاسٍ: تقلُّبَك في أصلاب الأنبياء مِن نبيٍّ إلى نبيٍّ حتى أخرجتُك في هذه الأمَّة.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}) في قوله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}[الشعراء:129] أي: (كَأَنَّكُمْ) تخلدون في الدنيا، وليس ذلك بحاصلٍ لكم(12)، بل زائلٌ عنكم، كما زال عمَّن قبلَكم، قال الواحديُّ: كلُّ ما وقع في القرآن «لعلَّ»؛ فإنَّها للتعليل، إلَّا هذه؛ فإنَّها للتشبيه، ويؤيِّده ما في حرف أُبيٍّ: ▬كأنَّكم تخلُدُون↨، وعُورِضَ ما ذَكَرَه مِنَ الحصر بقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ}[الشعراء:3] لكن لم يُعلَم مَن نص على أنَّ «لعلَّ» تكون للتعليل.
          (الرِّيعُ) في قوله: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ}[الشعراء:128] هو (الأَيْفَاعُ) بفتح الهمزة وسكون التحتيَّة وبعد الفاء ألف فعين مهملة، أي: المرتفع (مِنَ الأَرْضِ) قال ذو الرُّمَّة:
طِراقُ الخوافي مشـرفٌ فوقَ رِيعَةٍ                     ندى ليلِهِ(13) في رِيشهِ يترقرقُ
(وَجَمْعُهُ) أي: الرِّيع (رِيَعَةٌ) بكسر الرَّاء وفتح التحتيَّة والعين المهملة، كقِرَدَة (وَأَرْيَاعٌ) هو (وَاحِدُ الرِّيَعَةِ) بكسر الرَّاء وفتح التحتيَّة كالأُولى، ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ: ”واحده(14) _وفي نسخة: واحدها_ رَيْعة“ بسكون التحتيَّة، وضبطه الحافظ ابن حجرٍ بالسكون، والأُولى بالفتح، وتبعَه العينيُّ، وقال البِرماويُّ كالكِرمانيِّ: وأمَّا الأرياع؛ فمفردُه رِيْعة بالكسر والسكون.
          ({مَصَانِعَ}[الشعراء:129]) قال أبو عُبيدة: (كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ) وقال سفيان: ما يُتخَذُ فيه الماء، وقال مجاهدٌ: قصورٌ مَشيدة، وقيل: هي الحصون.
          ({فَارِهِينَ}[الشعراء:149]) بالهاء، قال أبو عُبيدة أي: (مَرِحِينَ(15)) ولأبي ذرٍّ: ”فرحين“ «بالحاء» بدل: «الهاء» في الأوَّل، وبالهاء أَوجَه ({فَارِهِينَ} بِمَعْنَاهُ) أي: بمعنى {فَارِهِينَ}(16)، مِن قولهم: فَرِهَ زيدٌ فهو فاره (وَيُقَالُ: {فَارِهِينَ}) أي: (حَاذِقِينَ) وفارهينَ حالٌ مِنَ الناحتين.
          ({تَعْثَوْا}) في قوله: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الشعراء:183] (هو أَشَدُّ الفَسَادِ) وسقط لفظ «هو» لغير الأصيليِّ(17) (وعَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا) يريد أنَّ اللفظين بمعنًى واحد، لا أنَّ(18) {تَعْثَوْا} مشتقٌّ مِن «عاث»؛ لأنَّ «يعثو» معتلُّ اللَّام ناقصٌ، و«عاث» معتلُّ العين أجوف، وثبتت(19) الواو في وعاث لأبي ذرٍّ.
          (الجِبِلَّةُ) في قوله: {وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ}[الشعراء:184] هي (الخَلْقُ) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللَّام (جُبِلَ) بضمِّ الجيم وكسر الموحَّدة؛ أي‼: (خُلِقَ) وزنه ومعناه (وَمِنْهُ) ومن هذا الباب قولُه في سورة يس →الآية:62←: ({جِبِلًّا}) بضمِّ الجيم والموحَّدة (وَجِبِلًا) بكسرهما (وَ{جِبِلًّا}) بضمِّ الجيم وسكون الموحَّدة، مع التخفيف في الثلاثة(20) لغات (يَعْنِي) بها: (الخَلْقَ، قَالَهُ ابْنُ عبَّاسٍ) وسقط قولُه: «قاله ابن عبَّاس» لغير أبي ذرٍّ، وبالضَّمَّتين قرأَ ابنُ كثيرٍ والأخوان، وبالضَّمِّ والسكون أبو عمرو وابن عامر، وقرأ نافع وعاصم بكسرهما مع تشديد اللَّام، ولأبي ذرٍّ هنا: ”ليكة“ بلام مفتوحة ”الأَيْكَةُ؛ وهي الغيضة“، وقد سبق تفسيرُها بالشجر.


[1] «{ يَتَّبِعُهُمُ}»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] في (د): «علمًا».
[3] زيد في (ص): «وقيل».
[4] «{ فِي}»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[5] «المهملة»: ليس في (ب).
[6] في (ب): «جميع».
[7] كذا في النسخ، والذي في «عمدة القاري»: «جمعها».
[8] في (د) و(ص) و(م): «والشرذمة».
[9] «من قبيل»: مثبتٌ من (د) و(م).
[10] في (د): «يراك» في الموضعين.
[11] في (د): «يرى تقليب».
[12] «لكم»: ليس في (د).
[13] في (ب): «ليكة».
[14] في (م): «واحدة».
[15] في (د) و(م): «فرهين».
[16] في (م): «فرحين».
[17] في (د) و(م): «للأصيلي».
[18] في (ص): «إلا أن»، وفي (د) و(م): «لأن».
[19] في (ب) و(س): «ثبت».
[20] في غير (د): «الثلاث».