إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{حم} الزخرف

          ░░░43▒▒▒ (حم الزُّخْرُفِ) مكِّيَّة إلَّا قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا}[الزخرف:45] وآيُها تسع وثمانون، ولأبي ذرٍّ: ”سورة حم الزُّخرف“، وله ولابنِ عساكرَ: ” ╖ “ وسقطت(1) لغيرِهما.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) في قولهِ: ({عَلَى أُمَّةٍ}) من قوله: { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ }[الزخرف:22] أي: (عَلَى إِمَامٍ) كذا فسَّره أبو عُبيدة، وعند عبد بن حميدٍ، عن مجاهد: على ملَّةٍ، وعن ابن عبَّاسٍ عند الطَّبريِّ: على دينٍ.
          ({وَقِيلِهِ يَارَبِّ}[الزخرف:88] تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ) وهذا يقتضي الفصلَ بين المعطوفِ والمعطوف(2) عليه بجملٍ كثيرةٍ، قال الزَّركشيُّ: فينبغي حملُ كلامهِ على أنَّه أرادَ تفسيرَ المعنى، ويكون التَّقدير: ويعلم قيلهُ، وهذا يردُّه ما حكاه(3) السَّفاقسيُّ من إنكارِ بعضهم لهذا، وقال: إنَّما يصحُّ ذلك أن لو كانت التِّلاوةُ: وقيلِهِم. انتهى. وقيل: عطفٌ على مفعول {يَكْتُبُونَ}[الزخرف:80] المحذوف، أي: يكتبونَ ذلك ويكتبونَ قيلَه كذا، أو على مفعول {يَعْلَمُونَ}[الزخرف:86] المحذوف، أي: يعلمون ذلك ويعلمونَ قيلَه، أو أنَّه مصدرٌ، أي: قال قيله، أو بإضمارِ فعلٍ، أي: الله يَعْلَمُ قيلَ رسولِ الله(4) صلعم شَاكيًا إلى ربِّه: يا رب. وقرأ عاصمٌ وحمزة بخفض اللَّام وكسر الهاء وصلتها بياء، عطفًا على {السَّاعَةِ}[الزخرف:85] أي: عندهُ علمُ قيلِه، والقولُ والقالُ / والقيل بمعنى واحدٍ، جاءت المصادرُ على هذه الأوزانِ.
          (وَقَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“ (ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما(5) وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ والطَّبريُّ من طريق عليِّ ابنِ أبي طلحةَ عنه في قولهِ: ({وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}[الزخرف:33]) أي: (لَوْلَا أَنْ جَعَلَ) بلفظ الماضي، وللأَصيليِّ: ”أن يجعل“ بصيغة المضارع بالياء التَّحتية، ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ: ”أن أجعل“ (النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا؛ لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الكُفَّارِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”بيوت الكفَّار“ ({سُقُفًا}) بفتح السين وسكون القاف، على إرادة الجنسِ، وهي قراءة أبي عمرو وابنِ كثيرٍ، ولأبي ذرٍّ: ”{سُقُفًا}“[الزخرف:33] بضمهما على الجمع، وهي قراءة الباقين ({مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ}) جمع: معرجٍ (مِنْ فِضَّةٍ، وَهْيَ دَرَجٌ، وَسُرُرُ(6) فِضَّةٍ) جمع: سَرير، وهل قوله: {مِّن فَضَّةٍ} يشملُ المعارجَ والسُّرر؟ وعن الحسنِ فيما رواه(7) الطَّبريُّ من طريق عوف عنه قال: كفَّارًا يميلونَ إلى الدُّنيا. قال(8): وقد مالَتِ الدُّنيا بأكثر أهلها وما فُعِل، فكيف لو فُعِل؟! وقال في «الأنوار»: لولا أن يرغبُوا في الكفرِ إذا رأوا الكفَّارَ في سعةٍ، وتنعُّمهم لحبِّهم الدُّنيا فيجتمعُوا عليه؛ لجعلنا.
          ({مُقْرِنِينَ}) في قولهِ تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13] أي: (مُطِيقِينَ) من أقرنَ الشَّيء‼ إذا أطاقهُ(9)، ومعنى الآية: ليس عندنا من القوَّة والطَّاقة أن نقرنَ هذه الدَّابة والفلكَ أو(10) نضبطها، فسبحان من سخَّر لنا هذا بقدرتهِ وحكمتهِ!
          ({آسَفُونَا}[الزخرف:55]) أي: (أَسْخَطُونَا) قاله(11) ابنُ عبَّاسٍ، فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ، وقيل: أغضبونَا بالإفراطِ في العنادِ والعصيانِ، وهذا من المتشابهات، فيؤوَّل بإرادةِ العقاب.
          ({يَعْشُ}[الزخرف:36]) بضم الشين. قال ابنُ عبَّاسٍ _فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ عن عكرمةَ، عنه_: أي: (يَعْمَى) لكن قال أبو عُبيدة: من قرأ بضم الشين فمعناه: أنَّه تُظْلم عينُهُ، ومن فتحها فمعناهُ: تَعْمى عينُهُ. وقال في «الأنوار»: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ}[الزخرف:36] يتعامَى ويعرضُ عنه بفرطِ اشتغالهِ بالمحسوساتِ، وانهماكهِ في الشَّهوات، وقرئ: ▬يَعْشَ↨ بالفتح، أي: يَعمى، يقال: عشيَ إذا كان في بصرهِ آفةٌ، وعشَى إذا تعشَّى بلا آفةٍ، كعَرَج وعَرُج. انتهى.
          وقولُ ابن المُنيِّرِ في «الانتصاف»: وفي الآيةِ نكتَتان: إحداهما: أنَّ النكرة في سياقِ الشَّرط تعمُّ، وفي ذلك اضطراب للأصوليين، وإمام الحرمين يختارُ العمومَ، وبعضُهم حملَ كلامهُ على العمومِ البدليِّ لا الاستغراقيِّ، فإن كان مرادهُ عموم الشُّمول فالآيةُ حجَّة له من وجهين؛ لأنَّه نكَّرَ الشَّيطانَ ولم يرد إلَّا الكلَّ؛ لأنَّ كلَّ إنسانٍ له شيطان، فكيف بالعاشِي عن ذكرِ الله؟! والثَّاني: أنَّه أعادَ الضَّمير مجموعًا في قولهِ: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ}[الزخرف:37] ولولا عموم الشُّمول لما جازَ عود الضَّمير على واحدٍ.
          تعقَّبه العلَّامة البدرُ الدَّمامينيُّ فقال: في كلٍّ من الوجهينِ اللَّذين أبداهُما نظرٌ، أمَّا الأوَّل: فلا نسلِّم أنَّه أرادَ كلَّ شيطانٍ، بل المقصودُ أنَّه قُيِّض لكلِّ فردٍ من العاشينَ عن ذكر الله شيطانٌ واحدٌ لا كل شيطانٍ، وذلك واضحٌ. وأمَّا الثَّاني: فعود ضمير الجماعةِ على شيءٍ ليس بينه وبين العمومِ الشُّمولي تلازمٌ بوجهٍ، وعود الضَّمير في الآية بصيغةِ ضميرِ الجماعةِ إنَّما كان باعتبار تعدُّد الشَّياطينِ المفهومة ممَّا تقدَّم؛ إذ معناه على ما قرَّرناهُ: أنَّ كلَّ عاشٍ له شيطان، فبهذا الاعتبارِ جاء التَّعدد، فعاد الضَّمير كما يعودُ على الجماعةِ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) ممَّا(12) وصلهُ الفِريابيُّ في قولهِ: ({أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ}[الزخرف:5] أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟) وقال الكلبيُّ: أفنتركُكم سدًى لا نأمركُم ولا ننهاكُم؟
          ({وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}[الزخرف:8]) أي: (سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) قاله مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ أيضًا.
          ({مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13]) وللأَصيليِّ: ”{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}“ (يَعْنِي: الإِبِلَ وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ) وهو تفسيرٌ للمراد بالضَّمير في {لَهُ}.
          ({يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}[الزخرف:18]) أي: (الجَوَارِي) اللَّاتي(13) يَنْشَأْنَ في الزِّينةِ، أي: البنات (جَعَلْتُمُوهُنَّ) وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ: ”يقول: جعلتموهنَّ“‼ (لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ) بذلك ولا ترضونه لأنفسكم؟
          ({لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم}[الزخرف:20] يَعْنُونَ الأَوْثَانَ) وقال قتادةُ: يعنُون الملائكةَ، والمعنى: وإنَّما لم يعجِّل عقوبتَنا على عبادتِنا إيَّاهم لرضاهُ منَّا بعبادتِها (يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى) وللأَصيليِّ(14): ”بقولِ اللهِ تعالى“ بالموحدة، ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ: ”لقولِ الله ╡“ / : ({ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}[الزخرف:20]) أي: (الأَوْثَانُ؛ إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) نزَّلَ الأوثانَ منزلةَ من يعقلُ، ونفى عنهم علمَ ما يصنعُ المشركونَ من عبادَتهم، وقيل: الضَّميرُ للكفَّارِ، أي: ليس لهم علمُ ما ذكروه من قولهم: إنَّ الله رضيَ عنَّا لعبادتِنا، وسقطَ للأَصيليِّ «إنَّهم».
          ({فِي عَقِبِهِ}[الزخرف:28]) أي: (وَلَدِهِ) فيكونُ منهم أبدًا من يوحِّد الله، ويدعو إلى توحيدِهِ.
          ({مُقْتَرِنِينَ}[الزخرف:53]) أي: (يَمْشُونَ مَعًا) قاله مجاهدٌ أيضًا.
          ({سَلَفًا}) في قولهِ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}[الزخرف:56] هم (قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ(15) أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلعم {وَمَثَلًا}) أي: (عِبْرَةً) لهم.
          ({يَصِدُّونَ}[الزخرف:57]) بكسر الصاد، أي: (يَضِجُّونَ) وقرأ نافع وابنُ عامرٍ والكِسائيُّ: بضم الصاد، فقيل: هما بمعنى واحدٍ، وهو الضَّجيج واللَّغطُ، وقيل: الضَّمُّ من الصُّدود، وهو الإعراضُ.
          ({مُبْرِمُونَ}) في قولهِ تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79] أي: (مُجْمِعُونَ)، وقيل: محكمونَ.
          ({أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:81]) أي: (أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ)، قاله(16) مجاهدٌ أيضًا.
          ({إِنَّنِي}) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”وقال غيره“ أي: غير مجاهدٍ: {إِنَّنِي} ({ بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ}[الزخرف:26] العَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ البَرَاءُ) منك(17) (وَالخَلَاءُ) منك (وَالوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالجَمِيعُ مِنَ المُذَكَّرِ وَالمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ: بَرَاءٌ) بلفظ واحد (لأَنَّهُ مَصْدَرٌ) في الأصلِ، وقع موقعَ الصِّفةِ؛ وهي(18) بريءٌ (وَلَوْ قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”ولو قيل“: (بَرِيءٌ لَقِيلَ فِي الاِثْنَيْنِ: بَرِيئَانِ، وَفِي الجَمِيعِ: بَرِيئُونَ) وأهل نجدٍ يقولون: أنا بريءٌ، وهي بريئةٌ، ونحن براءٌ (وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ) يعني: ابن مسعودٍ (▬إِنَّنِي بَرِيءٌ↨ بِاليَاءِ) وصلهُ الفضلُ بنُ شاذانَ في «كتاب القراءة» عنه.
          (وَالزُّخْرُفُ) في قولهِ: { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ. وَزُخْرُفًا}[الزخرف:34-35] هو (الذَّهَبُ) قاله قتادةَ، وفي قراءة عبد الله بن مسعودٍ: ▬أو يَكُون لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ↨.
          ({مَّلَائِكَةً}) في قولهِ تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ} ({يَخْلُفُونَ}[الزخرف:60]) أي: (يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) قاله قتادة، فيما أخرجه عبد الرَّزَّاق، وزاد في آخره: مكان ابن آدم، و«مِن» في قولهِ: { مِنكُم} بمعنى: بدل، أي: لجعلنا بدلكُم، أو تبعيضيَّة(19)، أي: لولَّدْنا منكُم يا رجالُ ملائكةً في الأرضِ، يخلُفُونكُم كما تخلفُكُم أولادُكُم، كما وَلَّدْنا عيسى من أُنْثى دون ذكرٍ.


[1] في (ص) زيادة: «البسملة».
[2] قوله: «والمعطوف»: ليست في (م) و(ص).
[3] في (د): «قاله».
[4] في (ص) و(ب): «رسوله» كذا في الدر المصون.
[5] في (م): «مما».
[6] في (م) زيادة: «من».
[7] في (م): «وصله».
[8] قوله: «قال»: ليس في (س) و(ص).
[9] في (م): «أطاق».
[10] في (د): «وأن».
[11] في (م): «قال».
[12] في (م): «فبما».
[13] في (ج) و(ص) و(ل) و(م): «الذين»
[14] في (م) زيادة: «ولأبي ذر».
[15] في (م): «للكفار أي لكافر».
[16] في (ص): «قال».
[17] نبَّه الشيخ قطة ☼ إلى أن الأفضل حذف كلمة: «منك» لوجودها في المتن.
[18] في (م): «هو».
[19] في (م) زيادة: «منكم».