إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{لا أقسم}

          ░░░90▒▒▒ ({لَا أُقْسِمُ}) مكِّيَّة، وآيُها عشرون، ولأبي ذرٍّ: ”سورة {لَا أُقْسِمُ}“.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلَه الفِريابيُّ: ({بِهَذَا الْبَلَدِ}[البلد:1] مَكَّةَ) ولأبي ذرٍّ: ”{وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}: مكَّة“ (لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ) أي: أنتَ على الخصوصِ تستحلُّه دون غيركَ لجلالةِ شأنك، كما جاء [خ¦4313] «لم تحلَّ لأحدٍ قبلِي، ولَا تحلُّ لأحدٍ بعدِي» وأنت على هذا من بابِ التَّقديم للاختصاصِ؛ نحو: أنا عرفتُ. قال الواحديُّ: إنَّ الله تعالى لمَّا ذكرَ القَسم بمكَّة دلَّ ذلك على عظمِ قدرهَا مع كونها حرامًا، فوعدَ نبيَّه صلعم أن يحلَّها له يقاتلُ فيها، وأن(1) يفتحَها على يدهِ ويكون فيها حلًّا، والجملةُ اعتراضٌ بين المقسم بهِ وما عطف عليه.
          ({وَوَالِدٍ} آدَمَ {وَمَا وَلَدَ}[البلد:3]) أي: من الأنبياءِ والصَّالحين من ذرِّيَّتهِ؛ لأنَّ الكافر وإن كان من ذرِّيَّته لكن لا حرمةَ لهُ(2) حتَّى يقسمَ بهِ، أو المرادُ بـ {وَوَالِدٍ} إبراهيمُ، وبـ { وَمَا وَلَدَ} محمَّد صلعم ، و{مَا} بمعنى مَن. قال(3) في «الأنوار»: وإيثارُ {مَا} على «مَن» لمعنى التَّعجب؛ كما في قولهِ تعالى: {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}[آل عمران:36].
          ({لُّبَدًا}[البلد:6]) بضم اللام وفتح الموحدة لأبي ذرٍّ، جمع / : لُبْدَة، كغُرْفَة وغُرَف، وهي قراءة العامَّة، ولغير أبي ذرٍّ: ”{ لُّبَدًا}“ بكسر اللام، أي: (كَثِيرًا) من تلبَّد الشَّيء؛ إذا اجتمعَ.
          (وَ{النَّجْدَيْنِ}) هُما (الخَيْرُ وَالشَّرُّ) قال الزَّجاجُ: النَّجدان الطَّريقان الواضحان، والنَّجد المرتفعُ من الأرضِ، والمعنى‼: ألم نبيِّن لهُ طريقَي الخيرِ والشَّرِّ؟ وقال ابنُ عبَّاس: { النَّجْدَيْنِ}(4) الثَّديين، وهما ممَّا تقسِم بهِ العرب، تقول: أمَا ونجديهَا ما فعلتُ، تريد: ثديي المرأة؛ لأنَّهما كالنَّجدينِ للبطنِ.
          ({مَسْغَبَةٍ}[البلد:14]) أي: (مَجَاعَةٍ) والسَّغَب: الجُوع.
          ({مَتْرَبَةٍ}[البلد:16]) ولأبي ذرٍّ برفع الثَّلاثة، أي: (السَّاقِطُ فِي التُّرَابِ) ليس له بيتٌ لفقرِه.
          (يُقَالُ: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[البلد:11] فَلَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ) فلَم يجاوزهَا (فِي الدُّنْيَا) ليأمن (ثُمَّ فَسَّرَ العَقَبَةَ فَقَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ}) أي: أعلمكَ ({مَا الْعَقَبَةُ}[البلد:12]) الَّتي يقتحمهَا، وبيَّن سببَ جوازها بقوله: ({فَكُّ رَقَبَةٍ}[البلد:13]) برفع الكاف على إضمارِ مبتدأ، أي: هو فكُّ، وخفض {رَقَبَةٍ} بالإضافة، من الرِّق بإعتاقها ({أَوْ إِطْعَامٌ}) بهمزة مكسورة وألف بعد العين ورفع ميم {إِطْعَامٌ} منوَّنًا، وقراءةُ ابن كثيرٍ وأبي عَمرو والكسائيِّ: {فَكُّ} بفتح الكاف فعلًا ماضيًا، {رَقَبَةٍ} نصب، {إِطْعَامٌ} فعلًا ماضيًا أيضًا ({فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}[البلد:14]) مجاعةٍ، وهذا تنبيهٌ على أنَّ النَّفس لا توافقُ صاحبهَا في الإنفاقِ لوجهِ الله تعالى ألبتَّة، فلا بدَّ من التَّكلُّف وحمل المشقَّة على النَّفس، والَّذي يوافقُ النَّفس هو الافتخارُ والمراءاة، فكأنَّه تعالى ذكر هذا المثل بإزاءِ ما قال: {أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا}[البلد:6] والمرادُ بيان الإنفاقِ المفيد، وأن ذلك الإنفاق مضرٌّ. قاله صاحبُ «الفرائد» فيما حكاهُ في «فتوح الغيب».
          ({فِي كَبَدٍ}[البلد:4]) أي: (شِدَّةٍ) أي: شدَّة(5) خلق، وقال ابنُ عبَّاس: في نَصَبٍ، وقيل: شدَّة مكايد مصائبِ الدُّنيا وشدائد الآخرة، وهذا ثابتٌ للنَّسفي وحدَه(6).


[1] قوله: «وأن»: ليست في (م).
[2] في (م) و(د): «ولكن لا مزية له».
[3] في (ص): «وقال».
[4] قوله: «النجدين»: ليس في (ص) و(م).
[5] قوله: «أي شدة»: ليست في (ص) و(د).
[6] قوله: «في كبد... للنسفي وحده»: وقع في (م) و(د) بعد لفظ «المقسم به وما عطف عليه».