إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

الزمر

          ░░░39▒▒▒ (الزُّمَرِ) مكِّيَّة، إلَّا {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} الاية[الزمر:53] وآيُها خمسٌ أو اثنتان وسبعون، ولأبي ذرٍّ: ”سورة الزمر“.
          ( ╖ ) سقطتِ البسملةُ لغير أبي ذرٍّ. (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ من طريقِ ابنِ أبي نجيحٍ عنه في قولهِ: ({يَتَّقِي}) ولغير أبي ذرٍّ: ”{أَفَمَن يَتَّقِي}“ ({بِوَجْهِهِ}[الزمر:24]) أي: (يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ) «يُجَرُّ» بالجيم المفتوحة، مبنيًّا للمفعول، وللأَصيليِّ _كما في «الفتح»_: ”يخِر“ بالخاء المعجمة المكسورة (وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[فصلت:40]) وقال عطاء: يُرمَى به في النَّارِ منكُوسًا، فأوَّلُ شيءٍ يمسُّ النَّارَ منه وجههُ، وخبر {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} محذوفٌ تقديره: كمَن هو آمنٌ منه.
          ({ذِي}) ولأبي ذرٍّ: ”{غَيْرَ ذِي}“ ({عِوَجٍ}[الزمر:28]) أي: (لَبْسٍ) بموحدة ساكنة(1)، وقال ابنُ عبَّاسٍ: غير مخلوقٍ. ({وَرَجُلًا سَلَمًا}[الزمر:29]) بفتح اللام من غير ألفٍ، مصدر وصف به، ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ: ”{سَلَمًا}“ بكسرها مع الألف، وهي قراءة أبي(2) عَمرو وابنِ كثيرٍ، اسم فاعل من الثُّلاثي(3) ({لِّرَجُلٍ}) أي: (صَالِحًا) كذا لأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي، وفي رواية الكُشمِيهنيِّ: ”خَالصًا“ بدل: «صَالِحًا»، ومراده قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ}[الزمر:29] أي: متنازعونَ كلٌّ يدَّعي أنَّه عبدهُ، فهم يتجاذبونهُ حوائجهم، وهو متحيِّرٌ في أمرهِ، كلَّما أرضى أحدهم غضبَ الباقون، وإذا احتاجَ إليهم ردَّه كلُّ واحدٍ إلى الآخرِ، فهو في عذابٍ دائمٍ، ورجلًا سالمًا لرجلٍ واحدٍ لا يملكه غيرهُ، فهو يخدمهُ على سبيل الإخلاصِ، وسيده يعينه على مهمَّاته هذا (مَثَلٌ لآلِهَتِهِمِ) بمدِّ الهمزة، الإله (البَاطِلِ وَالإِلَهِ الحَقِّ) قاله مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ.
          ({وَيُخَوِّفُونَكَ}) يعني(4): قُريشًا ({بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ}[الزمر:36]) أي: (بِالأَوْثَانِ) وذلك أنَّهم قالوا له ╕ : لتكفنَّ عن شتمِ آلهتِنا أو لنأمرنَّها فلتخبلنَّك. فنزلت {وَيُخَوِّفُونَكَ} رواه عبدُ الرَّزَّاق، وسقطَ لأبي ذرٍّ من قوله: «مَثَلٌ...» إلى هنا(5).
          (خَوَّلْنَا) في قولهِ تعالى: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً}[الزمر:49]‼ أي: (أَعْطَيْنَا) قاله(6) أبو عُبيدة.
          ({وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ}) أي: (القُرْآنِ) وفي نسخة: ”القرآنُ“ بالرفع بتقدير: هو ({وَصَدَّقَ بِهِ}[الزمر:33]) هو (المُؤْمِنُ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ) حال كونه (يَقُولُ): ربِّ (هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي) يريد: القرآنَ (عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ) رواه عبد الرَّزَّاق عن ابنِ عيينة، عن منصورٍ، وقيل: الَّذي جاء هو الرَّسول ╕ ، والمصدِّق أبو بكر. قاله أبو العالية. قال في «الأنوار»: وذلك يقتضِي إضمارَ الَّذي، وهو غير جائزٍ، وقوله: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ} لفظه مفرد ومعناه جمع؛ لأنَّه أريدَ به الجنس، فيتناول الرُّسلَ والمؤمنين؛ لقوله(7): {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[الزمر:33] فجمع، أو {الَّذِي} صفة لموصوفٍ محذوفٍ بمعنى الجمع، أي: والفريقُ(8) أو الفوجُ؛ ولذلك قال: {أُوْلَئِكَ}.
          ({مُتَشَاكِسُونَ}[الزمر:29] الرَّجُلُ الشَّكِسُ) بكسر الكاف هو (العَسِرُ) الَّذي (لَا يَرْضَى بِالإِنْصَافِ) قال الكِسائيُّ: يقال: شَكِسَ يشْكَسُ شُكُوسًا وشَكَسًا؛ إذا عسرَ، وهو رجلٌ شكِسٌ، أي: عسرٌ، وشاكسٌ؛ إذا تعاسرَ (▬وَرَجُلًا سِلْمًا↨ وَيُقَالُ: {سَلَمًا} صَالِحًا) كذا أثبتَه هنا في الفرع كأصله(9)، وقد سبق.
          ({ اشْمَأَزَّتْ}) في قولهِ: {وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر:45] قال(10) مجاهدٌ فيما وصلهُ الطَّبريُّ(11): أي: (نَفَرَتْ) وقال أبو زيد(12): الاشمئزازُ الذُّعرُ، اشمأزَّ فلان: ذعرَ، ووزنُه افعلَلَّ كاقشعرَّ. قال الزَّمخشريُّ: ولقد تقابل(13) الاستبشارُ والاشمئزازُ / ؛ إذ كلُّ واحد منهما غايةٌ في بابه(14)؛ لأنَّ الاستبشارَ أن يمتلئ قلبهُ سرورًا حتَّى يظهرَ ذلك السُّرور في أسرَّةِ وجههِ ويتهلَّلَ، والاشمئزازُ أن يمتلئ غَيظًا وغمًّا حتَّى يظهرَ الانقباضُ في أديمِ وجههِ.
          ({بِمَفَازَتِهِمْ}[الزمر:61]) مفعلة (مِنَ الفَوْزِ) أي: يُنجيهِم بفوزِهم من النَّار بأعمالِهم الحسنةِ. وقرأ الأخوان وشعبة: {بِمَفَازَتِهِمْ} بالجمع؛ لأنَّ النَّجاة أنواعٌ، والمصادرُ إذا اختلفَتْ أنواعُها جُمِعت.
          ({حَافِّينَ}) في قولهِ تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}[الزمر:75] أي: (أَطَافُوا بِهِ) حال كونهم (مُطِيفِينَ) دائرين. (بِحِفَافَيْهِ) بكسر الحاء المهملة مصحَّحًا عليها في الفرع كأصله(15)، وكذا قال(16) العينيُّ _كـ «فتح الباري» والبرماويِّ والكِرمانيِّ_: بكسرها وفاءين مفتوحتين مخفَّفتين بينهما ألف تثنيةٍ حفاف، وفي «النَّاصريَّة»: بفتح الحاء(17)، أي: (بِجَوَانِبِهِ) قال اللَّيث: حفَّ القومُ بسيِّدهم يحفُّونَ حفًّا إذا طافُوا به، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”بجَانبيهِ“ بدل: بحفافَيْهِ(18)، وسقطَ «بجوانبهِ» لأبي ذرٍّ.
          ({مُّتَشَابِهًا}) في قولهِ تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا}[الزمر:23] (لَيْسَ مِنَ الاِشْتِبَاهِ، وَلَكِنْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ) والحُسْنِ ليس فيه تناقضٌ ولا اختلافٌ.


[1] قوله: «بموحدة ساكنة»: ليست في (د).
[2] في (د): «ابن».
[3] في (ب): «الثاني».
[4] في (م) و(د): «أي».
[5] قوله: «وسقط لأبي ذر من قوله: مثل إلى هنا»: ليس في (د).
[6] في (م): «قال».
[7] في (ب): «كقوله».
[8] في (د): «أو الفريق».
[9] قوله: «كأصله»: ليست في (د)، وفي (ص): «وأصله».
[10] في (ص): «قاله».
[11] في (م) و(د): «الفريابي».
[12] في (م): «يزيد».
[13] في (م) و(د): «يقابله».
[14] في (م): «فيهما»، وفي (د): «والاشمئزاز والاستبشار كل منهما غاية فيهما».
[15] «كأصله»: ليست في (م) و(د).
[16] في (د): «وقال».
[17] قوله: «وفي الناصرية بفتح الحاء»: ليست في (د).
[18] في (م): «بحافيه»، وفي (د): «بحافتيه».