إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم}

          ░27▒ ({أُحِلَّ}) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، أي: أحلَّ الله ({لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ}) عُدِّي الرَّفث الذي هو كنايةٌ عن الجماع بـ {إِلَى} والأصل أن يتعدَّى بالباء، يقال: أرفث فلانٌ بامرأته؛ لتضمُّنه معنى الإفضاء، قال تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}[النساء:21] كأنَّه قال: أُحِلَّ لكم الإفضاء إلى نسائكم بالرَّفث ({هُنَّ}) أي: نساؤكم ({لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}) قال الزَّمخشريُّ: لمَّا كان الرَّجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه في عناقه؛ شُبِّه باللِّباس المشتمل عليه، قال الجعديُّ:
إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَها                     تثنَّتْ فكانتْ عليه لِباسا
          وزاد القاضي(1): لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يسترُ حال صاحبه ويمنعه من الفجور ونحوه، قال السَّمرقنديُّ: والجملة استئنافٌ تُبيِّن سبب الإحلال؛ وهو قلَّة الصَّبر عنهنَّ، وصعوبة اجتنابهنَّ لكثرة المخالطة وشدَّة الملابسة؛ فلذلك رخَّص في المباشرة ({عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ}) في موضع رفعٍ خبرٌ لـ «أنَّ» ({تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}) تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظِّها من الثَّواب ({فَتَابَ عَلَيْكُمْ}) حين تبتم ممَّا ارتكبتم من المحظور ({وَعَفَا عَنكُمْ}) يَحتَمل أن يريد: عن المعصية بعينها، فيكون تأكيدًا وتأنيسًا زيادةً على التَّوبة، ويُحتَمل أن يريد: عفا عمَّا كان يلزمكم(2) من اجتناب النِّساء؛ بمعنى: تركه لكم؛ كما تقول: شيءٌ معفوٌّ عنه، أي: متروكٌ ({فَالآنَ}) أي: فالوقت الذي كان يُحرَّم عليكم فيه الجماع من اللَّيل ({بَاشِرُوهُنَّ}) أي: جامعوهنَّ‼ ({وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}[البقرة:187]) أي: اطلبوا ما قدَّره الله(3) لكم(4) وأثبته في اللَّوح المحفوظ(5) من الولد، والمعنى: أنَّ المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد؛ فإنَّه الحكمة من خَلْق الشَّهوة وشَرْع النِّكاح لا قضاء الوطر، قاله في «أسرار التَّنزيل» كـ «الكشَّاف»، وقال السَّمرقنديُّ: ابتغُوا بالقرآن ما أُبيحَ لكم فيه وأُمِرتُم به، وسقط من قوله: «{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ}...» إلى آخره في رواية أبي ذرٍّ، وقال بعد قوله: {إِلَى نِسَآئِكُمْ}: «إلى قوله: {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}».


[1] يقصد الإمام البيضاوي.
[2] في (د): «لزمكم».
[3] اسم الجلالة: مثبتٌ من (د) و(م).
[4] «لكم»: ليس في (د).
[5] «المحفوظ»: ليس في (ص) و(م).