إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

كتاب الحيض

          ولمَّا فرغ المؤلِّف من الغسل وأحكامه شَرَعَ في الكلام على الحيض والنِّفاس والاستحاضة، فقال(1):
          ░░6▒▒ ( ╖ ) كذا في الفرع بإثباتها، مع رقم علامة إسقاطها عند ابن عساكر والأَصيليِّ.
          هذا (كِتَابُ) بيان أحكام (الحَيْضِ) وما يُذكَر معه من الاستحاضة والنَّفاس، ولأبي ذَرٍّ:تقديم «كتاب» على «البسملة»، وفي روايةٍ: ”باب“ بدل «كتاب»، والتَّعبير بـ «الكتاب» أَوْلى كما لايخفى، وترجم بالحيض لكثرة وقوعه، وله أسماءٌ عشرةٌ: الحيض، والطَّمث،والضَّحك، والإكبار، والإعصار، والدِّراس(2)، والعِرَاك، والفِرَاك _بالفاء_ والطَّمس، والنِّفاس، ومنه قوله ╕ لعائشة: «أنُـَفِسْتِ♣؟»، والحيض في اللُّغة: السَّيلان، يُقال: حاض الوادي إذا سال، وحاضت الشَّجرة(3) إذا سال صمغها، وفي الشَّرع: دمٌ يخرج من قعر رحم المرأة بعد بلوغها في أوقاتٍ معتادةٍ، والاستحاضة: الدَّم الخارج في غير أوقاته ويسيل من عرقٍ فمه في أدنىالرَّحم، اسمه: العاذل _بالذَّال المُعجَمة_ قاله الأزهريُّ(4)، وحكى ابن سِيْدَهإهمالها، والجوهريُّبدل اللَّام راءٌ.
          (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) وللأَصيليِّ: ” ╡ “(5) بالجرِّ عطفًا على قوله: «الحيض»، المجرور بإضافة «كتابٍ» إليه، وفي روايةٍ: ”قولُ الله“ بالرَّفع: ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ }) مصدرٌ كالمجيء والمبيت، أي:الحيض، أي:عن حكمه، وروى الطَّبريُّ عن السُّدِّيِّ: أنَّ الذي سأل أوَّلًا عن ذلك: أبو(6) الدَّحْدَاح، وسبب نزول الآية ما روى(7) مسلمٌ عن أنسٍ: أنَّ اليهود كانوا(8) إذا حاضت المرأةفيهم(9) أخرجوها من البيوت، فسأل الصَّحابةُ رسولَ الله صلعم ، فأنزل الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ } الآية، وقال النَّبيُّ صلعم : «افعلوا كلَّ شيءٍ إلَّا النِّكاح» ({قُلْ هُوَ أَذًى}) أي: الحيض، مُستقذَرٌ يؤذي من يقربه لنتنهونجاسته ({فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ}) فاجتنبوا مجامعتهنَّ في نفس الدَّم، أي:حال سيلانه أو زمن الحيض أو الفرج، والأوَّل هو الأصحُّ، وهو اقتصادٌ بين إفراط اليهود الآخذين في ذلك بإخراجهنَّ من البيوت‼،وتفريط النَّصارى؛ فإنَّهم كانوا يجامعونهنَّ ولا يبالون بالحيض، وإنَّما وصفه بأنَّه أذًى، ورتَّب الحكم عليه بالفاء؛ إشعارًا بأنَّه العلَّة ({ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ }) تأكيدٌ للحكم وبيانٌ لغايته، وهو أن يغتسلن بعد الانقطاع / ويدلُّ عليه صريحًا قراءة: «يطَّهرن» بالتَّشديد، بمعنى: يغتسلن، والتزامًا(10) قوله: ({فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ }) فإنَّه يقتضي تأخُّر جواز الإتيان عن الغسل، وقال أبو حنيفة: إن طهرت لأكثر الحيض، جاز قربانها قبل الغسل ({مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ }) أي: المأتَى الذي أمركم الله به، وحلَّله لكم ({إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ }) مِنَ الذُّنوب ({وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }[البقرة:222]) المتنزِّهين عنِ الفواحش والأقذار كمُجامعة الحائض، والإتيان في غير المأتيِّ، كذا ذُكِرتِ الآية كلُّها في رواية ابن عساكر، ولأبوَي ذَرٍّ والوقت: ”{فَاعْتَزِلُواْ } إلى قوله: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }“ وللأَصيليِّ كذلك: ”إلى قوله: {الْمُتَطَهِّرِينَ }“ وفي روايةٍ: ”{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ } الآيةَ“.


[1] قوله:«ولمَّا فرغ المؤلِّف من الغسل وأحكامه... والاستحاضة، فقال» سقط من (م) و(ب).
[2] في (م): «الدَّارس».
[3] في (م): «السَّمُرة».
[4] في (ب): «الزُّهريُّ»، وليس بصحيحٍ.
[5] «والأصيليِّ: ╡ »: سقط من (ص).
[6] في (د): «ابن»، وكلاهما صحيحٌ.
[7] في (م): «رواه».
[8] في (د) و(ص): «كانت».
[9] في (ص): «عندهم».
[10] في (ص): «إلزامًا».