إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

والصافات

          ░░░37▒▒▒ (وَالصَّافَّاتِ) مكِّيَّة، وآيُها إحدى أو اثنتان(1) وثمانون(2)، ولأبي ذرٍّ: ”سُورة {(3)وَالصَّافَّاتِ}“.
          ( ╖ ) وسقطتِ البسملةُ لغير أبي ذرٍّ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) في قولهِ تعالى بسورة سبأ‼: ({وَيَقْذِفُونَ}) بفتح أوله وكسر ثالثه ({بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:53]) أي: (مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) وعند ابنِ أبي حاتمٍ عنه: {مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} يقولون: هو ساحرٌ، هو كاهنٌ، هو شاعرٌ، وقال مجاهدٌ أيضًا في قولهِ: ({وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ}) بالصَّافات →الآية:8← أي: (يُرْمَوْنَ) وفي نسخةٍ: ”{مِن كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا} يرمون“ أي: يرمونَ من كلِّ جانبٍ من(4) جوانبِ السَّماءِ إذا قصدُوا صعودهُ، و{دُحُورًا} علَّة للطَّردِ، أي: للدُّحورِ، فنصبه على أنَّه مفعولٌ له {وَلَهُمْ عَذَابٌ} ({وَاصِبٌ}[الصافات:9]) أي: (دَائِمٌ) وقيل: شديدٌ.
          ({لَّازِبٍ}) في قولهِ: { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}[الصافات:11] معناه: (لَازِمٌ) بالميم بدل الموحدة، ومنه قول النَّابغة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     وَلَا تَحْسَبُونَ الشَّـرَّ ضَرْبَةَ لَازِبٍ
بالموحدةِ، أي: لازمٍ _بالميم_ فهما بمعنى؛ لأنَّه يلزم اليدَ، أي: يلصقُ بها، وقيل: بالموحدةِ اللَّزِج، وأكثر أهل اللُّغة على أنَّ الباء في «لازبٍ» بدل: من «الميم»، وهذا كلُّه ساقطٌ في رواية أبي ذرٍّ ({تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}[الصافات:28] يَعْنِي: الحَقَّ) أي: الصِّراط الحقَّ، فمن أتاهُ الشَّيطان من قبل اليمينِ؛ أتاهُ من قبلِ الدِّين فلبَّسَ عليه الحقَّ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”يعنِي: الجِنَّ“ بالجيم والنون المشددة، والمراد به: بيان المقولِ لهم وهم الشَّياطين، وبالأوَّل تفسير لفظ {الْيَمِينِ} واليمينُ هنا استعارةٌ عن الخيراتِ والسَّعاداتِ؛ لأنَّ الجانبَ الأيمن أفضلُ من الأيسرِ إجماعًا، و{عَنِ الْيَمِينِ} حالٌ من فاعل {تَأْتُونَنَا} والمرادُ بها الجارحةُ، عبَّر بها عن القوَّةِ، أو الحلف؛ لأنَّ المتعاقدين بالحلفِ يمسحُ كلٌّ منهما يمين الآخر، فالتَّقديرُ على الأوَّل: تأتونَنا أقوياءَ، وعلى الثَّاني: مقسِمين حالفين (الكُفَّارُ تَقُولُهُ(5) لِلشَّيْطَانِ) وفي نسخة: ”للشَّياطين“ بالجمع، وقد كانوا يحلفونَ لهم إنَّهم على الحقِّ.
          ({غَوْلٌ}) أي: (وَجَعُ بطْنٍ) وبه قال قتادة، وقال اللَّيث: صُداعٌ {وَلَا هُمْ عَنْهَا} ({يُنزَفُونَ}[الصافات:47]) أي: (لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ) و{يُنزَفُونَ} / بضم أوله وفتح الزاي، من نزف الرَّجل، ثلاثيًّا، مبنيًّا للمفعول بمعنى: سَكِرَ وذهب عقلهُ، وقرأ حمزةُ والكِسائيُّ: بكسر الزاي، من أَنزفَ الرَّجلُ؛ إذا ذهبَ عقلهُ من السَّكر.
          ({قَرِينٌ}[الصافات:51]) أي: (شَيْطَانٌ) أي: في الدُّنيا ينكرُ البعثَ، ويوبِّخني على التَّصديق بالبعثِ والقيامةِ، وسقطَ لأبي ذرٍّ من قوله: «{غَوْلٌ}...» إلى هنا(6).
          ({يُهْرَعُونَ}) في قولهِ: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}[الصافات:70] (كَهَيْئَةِ الهَرْوَلَةِ) والمعنى: أنَّهم يتَّبعونَ آباءهُم اتِّباعًا في سرعةٍ، كأنَّهم يُزعجون(7) على الإسراعِ على أثرِهم، فكأنَّهم بادرُوا إلى ذلك من غيرِ توقُّفٍ على نظرٍ وبحثٍ.
          ({يَزِفُّونَ}) في قولهِ تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}[الصافات:94]‼ هو (النَّسَلَانُ) بفتحتين: الإسراعُ (فِي المَشْيِ) مع تقاربِ الخُطا، وهو دونَ السَّعي.
          ({وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}) في قولهِ تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}[الصافات:158] (قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ) فقال أبو بكرٍ الصِّديق: فمن أمهاتُهم؟ فقالوا: (وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الجِنِّ) بفتح السين والراء، أي: بنات خواصهم، وعن ابنِ عبَّاسٍ: هم حيٌّ من الملائكةِ يقال لهم: الجنُّ، منهم إبليس، وقيل: هم خزَّانُ الجنَّة. قال الإمام فخرُ الدِّين: وهذا القول عندي مشكلٌ؛ لأنَّ الله تعالى أبطلَ قولهم إنَّ الملائكةَ بناتُ الله، ثمَّ عطف عليهِ(8) قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}[الصافات:158] والعطف يقتضي كون المعطوف مغايرًا للمعطوف عليه، فوجبَ أن يكون المرادُ من الآية غير ما ذكر، وأمَّا قول مجاهدٍ: الملائكةُ بنات الله... إلى آخره؛ فبعيدٌ؛ لأنَّ المصاهرةَ لا تسمَّى نَسبًا. وحكى ابنُ جريرٍ الطَّبريُّ عن العوفيِّ، عن ابنِ عبَّاسٍ قال: زعمَ أعداءُ الله أنَّ الله تعالى هو وإبليس أخوان، ذكره ابنُ كثيرٍ. وزاد الإمام فخرُ الدِّين: فالله هو الحرُّ الكريمُ، وإبليسُ هو الأخُ الشَّريدُ(9)، ونسبه لقولِ بعض الزَّنادقةِ، وقال: إنَّه أقربُ الأقاويل في هذه الآية.
          (وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:158]) أي: (سَتُحْضَرُون) أيُّها القائلون هذا القول (لِلْحِسَابِ) بضم المثناة الفوقية وفتح الضاد المعجمة(10)، وسقطَ من قوله: «{يَزِفُّونَ}...» إلى قوله: ”لِلْحِسَابِ“ لأبي ذرٍّ(11). (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصلهُ ابنُ جريرٍ في قولهِ: ({لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165] المَلَائِكَةُ) والمفعول محذوفٌ، أي: الصَّافُّونَ أجنحتَنا أو أقدامَنا، ويحتملُ ألَّا يُراد المفعول، أي: نحن من أهلِ هذا الفعل فعلى الأوَّل يفيد الحصرَ، أي: أنَّهم الصَّافون في مواقف العبوديَّة لا غيرهم، وقال الكلبيُّ: صفوف الملائكةِ كصفوفِ النَّاسِ في الأرضِ.
          ({صِرَاطِ الْجَحِيمِ}) في قولهِ تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:23] أي: (سَوَاءِ الجَحِيمِ وَوَسْطِ الجَحِيمِ) بسكون السين، وفي «اليونينية» بفتحها(12).
          ({لَشَوْبًا}[الصافات:67]) أي: (يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ) أي: يخلطُ (بِالحَمِيمِ) الماء الحار الشَّديد، فإذا شربوهُ قطع أمعاءَهم.
          ({مَّدْحُورًا}[الأعراف:18]) بسورة الأعراف، أي: (مَطْرُودًا) لأنَّ الدَّحرَ هو الطَّردُ، وسقطَ من قوله: «{صِرَاطِ}...» إلى هنا لأبي ذرٍّ(13).
          ({بَيْضٌ مَّكْنُونٌ}[الصافات:49]) قال ابن عبَّاس فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ: (اللُّؤْلُؤُ المَكْنُونُ) أي: المصون، قال الشَّمَّاخ:
وَلَو أَنِّي أَشَاءُ كَنَنْتُ(14) نَفْسِي                      إِلَى بَيْضَاءَ بَهْكَنَةٍ(15) شَمُوْعِ
والشَّموع: اللَّعوب(16)، والبَهْكنةُ(17): الممتلئةُ. وقال غير ابنِ عبَّاس: المراد بيضُ النَّعامِ، وهو بياضٌ مشوبٌ ببعضِ صفرةٍ، وهو أحسنُ ألوانِ الأبدانِ. وقال ذو الرِّمَّة:
بَيْضَاءُ فِي تَرَحٍ(18) صَفْرَاءُ فِي غَنَجٍ                      كَأنَّها فِضَّةٌ قَدْ مَسَّها ذَهَبُ‼
({وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ}[الصافات:78]) أي: (يُذْكَرُ بِخَيْرٍ) وثناءٍ حسنٍ فيمن بعدَه من الأنبياءِ والأممِ إلى يوم الدِّين، وسقطَ لأبي ذرٍّ من قوله: «{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ}...» إلى آخره(19).
          (وَيُقَال: {يَسْتَسْخِرُونَ}) أي: (يَسْخَرُونَ)(20) ومرادهُ قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ}[الصافات:14] قال ابن عبَّاسٍ: {آيَةً} يعني: انشقاقَ القمرِ، وقيل: يستدعِي بعضهم(21) من السُّخريَّةِ، وسقطَ «ويقال» لغير أبي ذرٍّ.
          ({بَعْلًا}) في قولهِ: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا}[الصافات:125] أي: (رَبًّا) بلغة اليمن، سمع ابنُ عبَّاس رجلًا ينشد ضالَّة، فقال آخر: أنا(22) بعلُها، فقال: الله أكبرُ، وتلا الآية.
          ({ الْأَسْبَابِ}[ص:10]) هي (السَّمَاءُ) قاله ابن عبَّاسٍ فيما وصلهُ الطَّبريُّ، وثبتَ هنا: ”{ الْأَسْبَابِ}: السَّماءُ“ لأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ(23).


[1] في (د): «اثنان».
[2] في (د) زيادة: «آية».
[3] «و»: ليس في (د) و(م).
[4] في (د) زيادة: «أي جانب من»، وفي (م) زيادة: «أي يرمون من».
[5] في (ص): «تقول له».
[6] قوله: «وسقط لأبي ذر من قوله غول إلى هنا»: ليس في (د).
[7] في (س): «مزعجون».
[8] «عليه»: ليست في (د).
[9] في (م): «الشريك».
[10] «المعجمة»: ليس في (ب) و(د) و(م).
[11] قوله: «وسقط من... لأبي ذرٍّ»: ليس في (د).
[12] «وفي اليونينية بفتحها»: ليس في (د).
[13] قوله: «وسقط من قوله: {صِرَاطِ} إلى هنا لأبي ذر»: ليس في (د).
[14] في (ب): «كتبت».
[15] في (د): «بكهكفة».
[16] في (م): «اللغوب».
[17] في (د): «والبهكة».
[18] في (د): «برح»، وفي كثير من المراجع: «برج»، ولعلَّها الصَّواب؛ يُحرَّر.
[19] قوله: «وسقط لأبي ذر من قوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ}... إلى آخره»: ليس في (د).
[20] «أي يسخرون»: ليست في (م).
[21] قال الشيخ قطة ☼ : لعلَّ مفعول: «يستدعي» محذوف، أي يستدعي بعضهم بعضًا من أجل السخرية.
[22] في (م): «من»، وفي (د): «فما».
[23] قوله: «الأسباب هي السماء... عن الكُشمِيهنيِّ»: ليس في (د) و(م).