إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حم السجدة

          ░░░41▒▒▒ (حم السَّجْدَةِ) مكِّيَّة، وآيُها خمسون وثنتان أو ثلاث أو أربع، ولأبي ذرٍّ: ”سورة حم السَّجدة“.
          ( ╖ ) سقطتِ البسملةُ لغير أبي ذرٍّ (وَقَالَ طَاوُسٌ) فيما وصلهُ الطَّبريُّ وابنُ أبي حاتمٍ بإسناد على شرط المؤلِّف: (عَنِ(1) ابْنِ عَبَّاسٍ: {اِئْتِيَا طَوْعًا}) زاد أبو ذرٍّ‼ والأَصيليِّ: ”{أَوْ كَرْهًا}“ أي: (أَعْطِيَا) بكسر الطاء ({قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11]) أي: (أَعْطَيْنَا) استُشكل هذا التَّفسير؛ لأنَّ {أَتَيْنَا} و{أَتَيْنَا} بالقصرِ من المجيءِ، فكيف يُفسَّر بالإعطاءِ؟ وإنَّما يفسَّر به نحو قولك: آتيتُ(2) زيدًا مالًا، بمدِّ همزة القطع، وهمزة {أَتَيْنَا} همزة وصل، وأُجيب بأنَّ ابن عبَّاس ومجاهدًا وابنَ جُبير قرؤوا: ▬آتيا↨ ▬قالتَا آتينَا↨، بالمدِّ فيهما، وفيه وجهان: أحدُهما: أنَّه من(3) المؤاتَاةِ وهي الموافقةُ، أي: لتوافق كلٌّ منكما الأخرى لما(4) يليقُ بها، وإليه ذهب الرَّازيُّ والزَّمخشريُّ، فوزن ▬آتيا↨ فاعلا كقاتلا، و▬آتينا↨ فاعلنا كقاتلنا. والثَّاني: أنَّه من الإيتاءِ بمعنى الإعطاءِ، فوزنُ(5) ▬آتيا↨ أفعلا كأكرما، ووزن ▬آتينا↨ أفعلنا كأكرمنا، فعلى الأول يكون قد حذف مفعولًا، وعلى الثَّاني مفعولين، إذ التَّقدير: أعطيا الطَّاعة من أنفسكما من أمركما. قالتا: آتينا الطَّاعةَ، وفي مجيءِ طائعين مجيءَ جمعِ المذكَّرين(6) العقلاء(7) وجهان: أحدُهما: أنَّ المراد بائتِيَا مَن فيهما(8) من العقلاءِ وغيرهم؛ فلذا غلَّب العقلاءَ على غيرهم. الثَّاني: أنَّه لما عاملهما(9) معاملة العقلاءِ في الإخبارِ / عنهما، والأمرِ لهما، جمعهما كجمعِهم كقوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[يوسف:4]. وهل هذه المحاورة حقيقةٌ أو مجازٌ؟ وإذا(10) كانت(11) مجازًا فهل هو تمثيلٌ أو تخييلٌ؟ خلافٌ.
          (وَقَالَ المِنْهَالُ) بكسر الميم وسكون النون، ابنُ عَمرو الأسديُّ، مَولاهم الكوفيُّ، وثَّقه ابنُ معين والنَّسائيُّ وغيرهما: (عَنْ سَعِيدٍ) وللأَصيليِّ: ”سعيد بن جبيرٍ“ أنَّه (قَال: قَالَ رَجُلٌ) هو: نافعُ بنُ الأزرقِ، الَّذي صارَ بعد ذلك رأس الأزارقةِ من الخوارجِ (لِابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ، وكان يجالسه بمكَّة ويسأله ويعارضهُ: (إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ) لما بين ظواهرها(12) من التَّدافعِ، زاد عبد الرَّزَّاق: فقال ابن عبَّاس: ما هو؟ أشكٌ في القرآنِ؟ قال: ليس بشكٍّ ولكنه اختلافٌ، فقال: هاتِ ما اختلفَ عليك من ذلك (قَالَ: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}[المؤمنون:101]) وقال: ({وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ}[الصافات:27]) فإن بين قوله: {وَلَا يَتَسَاءلُونَ} وبين {يَتَسَاءلُونَ} تدافعًا نفيًا وإثباتًا. وقال تعالى: ({وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}[النساء:42]) وقوله: ({رَبِّنَا}) ولأبي ذرٍّ: ”{وَاللّهِ رَبِّنَا}“ ({مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: 23] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ) كونهم مشركين، وعُلم من الأولى أنَّهم لا يكتمونَ الله حديثًا (وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({دَحَاهَا}[النازعات: 27-30] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ) في هذه الآية (ثُمَّ قَالَ) في سورة حم السَّجدة: ({أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}... إِلَى: {طَائِعِينَ}[فصلت:9-11]) وللأَصيليِّ وابنِ عساكرَ: ”إلى قولهِ: {طَائِعِينَ}“ (فَذَكَرَ فِي هَذِهِ) الآية (خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ) وللأَصيليِّ: ”قبلَ خلقِ السَّماءِ“ والتَّدافع ظاهر (وَقَالَ تعالى: {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الفتح:14]) وقال: {وَكَانَ اللهُ} ({غَفُورًا رَّحِيمًا}[الفتح:7])‼ {وَكَانَ اللهُ} ({سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58] فَكَأَنَّهُ كَانَ(13)) موصوفًا بهذه الصِّفات (ثُمَّ مَضَى) أي: تغيَّر عن ذلك. (فَقَالَ) أي: ابن عبَّاس مجيبًا عن ذلك: أمَّا قوله تعالى: ({فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ}[المؤمنون:101]) أي: (فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللهُ}[الزمر:68] فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ) تنفعهم لزوالِ التَّعاطُف والتَّراحُم، من فرطِ الحيرةِ واستيلاءِ الدَّهشةِ، بحيث يفرُّ المرءُ من أخيهِ وأمِّه وأبيه وصاحبتهِ وبنيه، قال:
لَا نَسَبَ اليَوْمَ وَلَا خُلَّةٌ                     اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ
          وليس المراد قطعَ النَّسب (وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) لاشتغال كلٍّ بنفسه (ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَة(14) {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ}[الطور:25]) فلا تناقضَ، والحاصلُ أَن للقيامةِ أحوالًا ومواطنَ، ففي موطنٍ يشتدُّ عليهم الخوفُ(15) فيشغلُهم عن التَّساؤل، وفي موطن(16) يفيقونَ فيتساءلون (وَأَمَّا قَوْلُهُ) تعالى: ({مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:23]) وقوله تعالى: ({وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ}[النساء:42]) زاد أبو ذرٍّ والأَصيليُّ وابنُ عساكرَ: ”{حَدِيثًا}“ (فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ المُشْرِكُونَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال المُشركون“(17) بالفاء بدل الواو (تَعَالَوْا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ. فَخُتِمَ) بضم الخاء المعجمة، مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذرٍّ: ”فَخَتَمَ“ بفتحات مبنيًّا(18) للفاعل (عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ) أي: عند نطقِ أيدِيهم (عُرِفَ) بضم العين وكسر الراء، وللأَصيليِّ: ”عَرَفوا“ بفتحهما والجمع (أنَّ اللهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا) بضم أوله وفتح ثالثه، مبنيًّا للمفعول (وَعِنْدَهُ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الاية[النساء:42]) إلى {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا} والحاصل: أنَّهم يكتمون بألسنتِهم فتنطقُ أيديهم وجوارحهم (وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي) مقدارِ (يَوْمَيْنِ) أي: غير مدحوَّةٍ (ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ) بعد ذلك في يومين (وَدَحْوُهَا) وللأَصيليِّ وابنِ عساكرَ: ”وَدَحيها“ بالمثناة التَّحتية بدل الواو، ولأبي ذرٍّ: ”ودَحَاها“ أي: (أَنْ أَخْرَجَ) أي: بأن أخرجَ(19) (مِنْهَا المَاءَ وَالمَرْعَى، وَخَلَقَ الجِبَالَ وَالجِمَالَ) بكسر الجيم، الإبلَ (وَالآكَامَ) بفتح الهمزة جمع: أَكَمة _بفتحتين_، ما ارتفعَ من الأرضِ كالتلِّ والرابيَةِ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”والأكوَام“ جمع: كوم (وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ) تعالى: ({دَحَاهَا}[النازعات:30] وَ) أمَّا (قَوْلُهُ: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت:9] فَجُعِلَتِ الأَرْضُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”فخُلِقَت / الأرضُ“ (وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ) والحاصل أنَّ خلق نفس الأرضِ قبل خلق السَّماء، ودحوها بعدَه ({وَكَانَ اللهُ غَفُورًا}[الفتح:14]) وزاد أبو ذرٍّ والأَصيليُّ: ”{رَّحِيمًا}“ (سَمَّى نَفْسَهُ) أي: ذاته (ذَلِكَ(20)) وهذه التَّسمية(21) مضت، وللأَصيليِّ: ”بذلك“ (وَ) أما (ذَلِكَ) أي: (قَوْلُهُ) ما قال من الغفرانيَّةِ والرَّحيميَّةِ (أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ)‼ لا ينقطعُ (فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ) أن يرحم (شيئًا) أو يغفرَ له (إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ) قطعًا (فَلَا يَخْتَلِفْ) بالجزم على النَّهي (عَلَيْكَ القُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وعند ابنِ أبي حاتمٍ فقال له ابن عبَّاسٍ: هل بقيَ في قلبكَ شيءٌ؟ إنَّه ليس من القرآنِ شيءٌ إلَّا نزل فيه شيءٌ، ولكن لا تعلمون وجههُ.
          وهذا التَّعليق وصلهُ المؤلِّف حيث قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي الوقتِ: ”قال أبو عبدِ الله“ أي: البخاريُّ: ”حَدَّثنيه“ أي: الحديث السَّابق (يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التَّحتيَّة، ابنِ زريقٍ التَّيميُّ الكوفيُّ، نزيل(22) مصر، وليس له في هذا الجامع إلَّا هذا. قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو) بضم العين في الأوَّل، مصغَّرًا، وفتحها في الثَّاني، الرِّقيُّ _بالراء والقاف_ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) بضم الهمزة، مصغَّرًا الجزريِّ(23) (عَنِ المِنْهَالِ) بن عَمرو الأسديِّ المذكور (بِهَذَا) الحديث السَّابق، قيل: وإنَّما غيَّر البخاريُّ سياق الإسناد عن ترتيبهِ المعهود إشارةً إلى أنَّه ليس على شرطهِ، وإن صارتْ صورته صورة(24) الموصول، وهذا ثابتٌ لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرَ في نسخة(25).
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ: ({مَمْنُونٍ}) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}“[فصلت:8] أي: غير (مَحْسُوبٍ) وقال ابنُ عبَّاس: غير مقطوع(26)، وقيل: غير ممنونٍ به عليهم.
          ({َقْوَاتَهَا}) في قولهِ تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}[فصلت:10] قال مجاهدٌ: (أَرْزَاقَهَا) أي: من المطرِ، فعلى هذا فالأقوات للأرضِ لا للسكانِ، أي: قدَّر لكلِّ أرضٍ حظَّها من المطرِ، وقيل: أقواتًا تنشأُ منها بأن خصَّ حدوثَ كلِّ قوتٍ بقطرٍ من أقطارها، وقيل: أرزاقِ أهلها، وقال محمد بنُ كعبٍ: قدَّرَ أقوات الأبدانِ قبل أن يخلق الأبدان.
          ({فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا}[فصلت:12]) قال مجاهدٌ: (مِمَّا أَمَرَ بِهِ) بفتح الهمزة والميم، ولأبي ذرٍّ: ”أُمِرَ“ بضم الهمزة وكسر الميم، وعن ابنِ عبَّاسٍ فيما رواه عنه عطاء: خلق في كلِّ سماءٍ خلقها من الملائكةِ، وما فيها من البحارِ وجبال البردِ وما لا يعلمهُ إلا الله. قال السُّديُّ فيما حكاه عنه في «اللباب»: ولله في كلُّ سماء بيت تحجُّ إليه وتطوفُ به الملائكةُ(27)، كلٌّ واحد منها مقابل الكعبةِ، بحيث لو وقعت منه حصاةٌ لوقعت على الكعبةِ.
          ({نَّحِسَاتٍ}) بكسر الحاء(28) في قراءة ابن عامر والكوفيين في قولهِ تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ}[فصلت:16] قال مجاهدٌ: أي: (مَشَايِيْمَ) بفتح الميم والشين المعجمة وبعد الألف تحتيتان(29) الأولى مكسورة والثانية ساكنة، جمع: مشومة، أي: من الشُّوم، و{نَّحِسَاتٍ} نعت لـ {أَيَّامٍ} والجمع بالألف والتاء مطَّرد في صفةِ ما لا يعقلُ(30)؛ كـ {أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}[البقرة:203] قيل: كانت(31) الأيَّامُ النَّحِساتُ آخر شوَّال من الأربعاء إلى الأربعاء، وما عذِّب قوم إلَّا في يوم الأربعاءِ.
          ({وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء}[فصلت:25]) أي: (قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ)‼ بفتح القاف والراء والنون المشدَّدة، وسقطَ هذا التَّفسير لغير الأَصيليِّ، والصَّواب إثباته؛ إذ ليس للتَّالي(32) تعلُّقٌ به(33)، وقال الزَّجَّاج: سبَّبنَا لهم. وقيل: قدَّرنا(34) للكفرةِ قرناءَ _أي: نظراءَ_ من الشَّياطين يستولونَ عليهم استيلاءَ القيضِ على البيضِ _وهو القشرُ_ حتى أضلُّوهم(35)، وفيه دليلٌ على أنَّ الله(36) تعالى يريدُ الكفرَ من الكافرِ.
          ({تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}[فصلت:30]) أي: (عِنْدَ المَوْتِ) وقال قتادةُ: إذا قامُوا من قبورِهم. وقال وكيعُ بن الجرَّاح: البُشرىَ تكون في ثلاثة مواطن: عند الموتِ، وفي القبرِ، وعند البعثِ.
          ({ اهْتَزَّتْ}) في قولهِ: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ}[فصلت:39] أي: (بِالنَّبَاتِ. {وَرَبَتْ}) أي: (ارْتَفَعَتْ) لأنَّ النَّبتَ إذا قرب أن يظهرَ تحرَّكت له الأرض وانتفختْ، ثمَّ تصدَّعت عن النباتِ (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير مجاهدٍ في معنى {وَرَبَتْ} أي: ارتفعت ({مِّنْ أَكْمَامِهَا}[فصلت:47]) بفتح الهمزة، جمع: كِم _بالكسر_ (حِينَ تَطْلُعُ) بسكون الطاء المهملة(37) وضم اللَّام.
          ({لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}[فصلت:50]) أَيْ: (بِعَمَلِي) بتقديم الميم على اللَّام، أي: (أَنَا مَحْقُوقٌ / بِهَذَا) أي: مستحقٌّ لي بعلمِي وعملِي، وما علمَ الأبلهُ أنَّ أحدًا لا يستحقُّ على الله شيئًا؛ لأنَّه كان عَارِيًا(38) من الفضائلِ، فكلامهُ ظاهر الفسادِ، وإن كان موصوفًا بشيءٍ من الفضائلِ فهي إنَّما حصلَتْ له بفضلِ الله وإحسانهِ. واللَّام في {لَيَقُولَنَّ} جواب القسمِ لسبقه الشَّرط، وجواب الشَّرط محذوفٌ. وقال أبو البقاء: {لَيَقُولَنَّ} جواب الشَّرط، والفاء محذوفةٌ. قال في «الدر»: وهذا لا يجوزُ إلَّا في شعرٍ؛ كقوله:
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ اللهُ يَشْكُرُها                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

          حتَّى إنَّ المبرِّد يمنعه في الشِّعر، ويروي البيت:
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُه                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
({سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ}[فصلت:10]) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”وقال غيره“ أي: غير مجاهد: ”{سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ}“ أي: (قَدَّرَهَا سَوَاءً) و{سَوَاء } نصبَ على المصدرِ، أي: استوتْ استواءً. وقال السُّديُّ وقتادة: المعنى: سواء لمن سألَ عن الأمر(39) واستفهمَ عن حقيقةِ وقوعه وأرادَ العبرةَ فيه فإنَّه يجده.
          ({فَهَدَيْنَاهُمْ}) في قولهِ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}[فصلت:17] أي: (دَلَلْنَاهُمْ) دَلالة مطلقةً (عَلَى الخَيْرِ وَالشَّرِّ) على طريقهما (كَقَوْلِهِ) تعالى في سورة البلد: ({وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:10]) أي: طريق الخير والشَّرِّ (وَكَقَوْلِهِ) تعالى في سورة الإنسان: ({هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}[الإنسان:3] وَ) أما (الهُدَى الَّذِي هُوَ الإِرْشَادُ) إلى البُغية (بِمَنْزِلَةِ) أي: بمعنى (أَصْعَدْنَاهُ) بالصاد في الفرع كغيرهِ، ولأبوي ذرٍّ والوقتِ: ”أسعدناهُ“ بالسين بدل الصاد(40). قال السُّهيليُّ _فيما نقله عنه الزَّركشيُّ والبرماويُّ وابن حجرٍ وغيرهم_: بالصاد أقرب إلى تفسير أرشدنَاه من أسعدنَاه بالسين؛ لأنَّه(41) إذا كان بالسين كان من السَّعد، والسَّعادة ضد الشَّقاوة(42) وأرشدت الرَّجلَ إلى الطَّريق وهديته السَّبيل بعيدٌ من هذا التَّفسير‼، فإذا قلت: أصعدناهُم _بالصاد_ خرج اللَّفظ إلى معنى الصُّعُدات في قولهِ: «إيَّاكُم والقعودَ على الصُّعُداتِ» وهي الطُّرق(43)، وكذلك أصعدَ في الأرضِ إذا سارَ فيها على قصدٍ، فإن كان البخاريُّ قصدَ هذا وكتبَها في نسختِهِ(44) بالصاد التفَاتًا إلى حديث الصُّعداتِ؛ فليس بمنكرٍ. انتهى. قال الشَّيخ بدر الدين الدَّمامينيُّ: لا أدري ما الَّذي أبعد هذا التَّفسير مع قُرب ظهورهِ، فإنَّ الهدايةَ إلى السَّبيلِ والإرشادِ إلى الطَّريق إسعادٌ لذلك الشَّخصِ المهديِّ؛ إذ سلوكه في الطَّريق مُفضٍ إلى السَّعادةِ، ومجانبتهُ لها ممَّا يُؤدِّي إلى ضلالهِ وهلاكهِ. وأمَّا قوله: فإذا قلتَ: أصعدناهُ بالصاد... إلى آخره ففيه تكلُّفٌ لا داعِي له، وما في النُّسخ صحيحٌ بدونه. انتهى.
          (مِنْ ذَلِكَ) ولأبي ذرٍّ: ”ومن ذلكَ“ أي: من الهدايةِ الَّتي بمعنى الدَّلالة الموصلة إلى البُغْية الَّتي عبَّر عنها المؤلِّف(45) بالإرشادِ والإسعادِ (قَوْلُهُ) تعالى بالأنعامِ: ({أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام:90]) ونحوه ممَّا(46) هو كثيرٌ في القرآنِ.
          ({يُوزَعُونَ}) في قولهِ تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19] أي: (يُكَفُّوْنَ) بفتح الكاف بعد الضم، أي: يُوقف سوابقهم حتَّى يصلَ إليهم تواليهِم، وهو معنى(47) قول السُّدِّيُّ: يُحبسُ أوَّلُهم على آخرِهِم ليتلاحقُوا.
          ({مِّنْ أَكْمَامِهَا}) في قولهِ تعالى: { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا}[فصلت:47] هو (قِشْرُ الكُفُرَّى) بضم الكاف وضم الفاء وفتحها وتشديد الراء، وعاءُ الطَّلع. قال ابنُ عبَّاس: قبل أن ينشقَّ (هِيَ(48) الكُمُّ) بضم الكاف وقال(49) الرَّاغب: الكمُّ: ما يغطِّي(50) اليدَ من القميصِ، وما يغطِّي الثَّمرةَ، وجمعهُ: أكمامٌ. وهذا يدلُّ على أنَّه مضموم الكاف؛ إذ جعله مشتركًا بين كمِّ القميصِ وبين(51) كمِّ الثَّمرة، ولا خلاف في كمِّ القميصِ أنَّه بالضم، وضبط الزَّمخشريُّ كِم(52) الثَّمرة بكسر الكاف، فيجوزُ أن يكون فيه لغتان، دون كمِّ القميصِ جمعًا بين القولين (وَقَالَ غَيْرُهُ: وَيُقَالُ: لِلْعِنَبِ إِذَا خَرَجَ أَيضًا: كَافُورٌ وكُفُرَّى) قاله الأصمعيُّ، وهذا ساقط لغير المُستملي، ووعاءُ كلِّ شيءٍ: كافورهُ. ({ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]) أي: الصَّديق (القَرِيبُ) وللأَصيليِّ: ”قريب“.
          ({مِّن مَّحِيصٍ}) في قولهِ تعالى: {وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ}[فصلت:48] يقال: (حَاصَ عَنْهُ: حَادَ) وللأَصيليِّ: ”أي: حادَ“ وزاد أبو ذرٍّ: ”عنه“ والمعنى: أنَّهم أيقنُوا أن لا مهربَ لهم من النَّار.
          ({مِرْيَةٍ}) بكسر الميم في قولهِ تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ}[فصلت:54] (وَ▬مُرْيَةٍ↨) بضمِّها في قراءة الحسن، لغتان؛ كخِفْية وخُفْية، ومعناهما (وَاحِدٌ؛ أَي: امْتِرَاءٌ) أي: في شكٍّ من البعثِ والقيامةِ (53). /
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ عبدُ بن حُميد(54): ({ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت:40]) معناه (الوَعِيدُ) وللأَصيليِّ: ”هي وعيدٌ“.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصلهُ الطَّبريُّ: ({بِالَّتِي}) ولأبي ذرٍّ‼: ”{ ادْفَعْ بِالَّتِي}“ ({هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت:34] الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ، وَالعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ) أي: الصَّبرَ والعفوَ (عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ) وصار الَّذي بينه وبينهم عَدَاوة(55) ({كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]) أي: كالصَّديق القريب، وسقطَ لأبي ذرٍّ «{كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}» ولغيره: ”{ ادْفَعْ}“ من قوله: { ادْفَعْ بِالَّتِي}.


[1] في (ص): «عند».
[2] في (ب): «آتينا».
[3] في (د): «من باب».
[4] في (م): «بما».
[5] قوله: «آتيا فاعلا كقاتلا، وآتينا فاعلنا كقاتلنا. والثَّاني: أنَّه من الإيتاءِ بمعنى الإعطاءِ، فوزنُ»: ليس في (د). وقال في الهامش: لعل هنا سقطًا وهو: والثاني أنه من الإعطاء. وقوله: وعلى الأول وهو كونه من باب الموافاة والثاني وهو كونه من الإعطاء.
[6] في (م): «المذكورين».
[7] في (د): «من العقلاء».
[8] في (م): «فيها».
[9] في (د): «عاملهم».
[10] في (د): «فإذا».
[11] في (م): «كان».
[12] في (م): «ظاهرها».
[13] في (د): «كان يومئذ».
[14] في (م): «الأخيرة».
[15] قوله: «الخوف»: ليس في (د).
[16] في (د): «مواطن».
[17] قوله: «فقال المشركون»: ليس في (د).
[18] في (م): «مبنيات».
[19] في (م): «يخرج».
[20] في (م): «بذلك».
[21] في (د): «النسبة».
[22] في (م) و(د): «نزل».
[23] في (ص) و(د) و(س) و(م) و(ب): «الحريري»، وكتب على هامش (ج) و(ص) و(ل) و(م): قوله: «الحريريِّ»، كذا بخطِّه، والَّذي في «التَّقريب» و«التَّهذيب»: «الجزريُّ».
[24] في (م) و(د): «صار بصورة».
[25] قوله: «وهذا ثابت لأبي ذر والأَصيليِّ وابنِ عساكرٍ في نسخة»: ليست في (م) و(د).
[26] في (م) و(د): «منقطع».
[27] في (د): «تحج إليه الملائكة وتطوف به».
[28] في (ص): «بكسرها».
[29] في (م) و(ص) و(د): «تحتيتين».
[30] في (ص): «فيما يعقل».
[31] في (د): «قيل كن».
[32] في (م) و(ص): «التالي».
[33] قوله: «به»: ليست في (م)، وفي (د): «إذ ليس الثاني له تعلق».
[34] في (د): «قيدنا».
[35] في (د): «واصلوهم».
[36] في (ص): «أنه».
[37] قوله: «المهملة»: زيادة من (ص).
[38] في (ص): «عار».
[39] في (م): «الأمور».
[40] في (د) زيادة: «من الصعد وبالسين من السعادة».
[41] في (ب): «إلا أنه».
[42] قوله: «أقرب إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين؛ لأنه إذا كان بالسين كان من السعد، والسعادة ضد الشقاوة» ليست في (م) و(د). وجاء بدل عنها: «هو بالصاد من الصعب وبالسين من السعادة ضد الشقاوة».
[43] في (ص): «الطريق».
[44] قوله: «في نسخته»: ليست في (د)، وفي (ص): «نسخة».
[45] قوله: «المؤلف»: ليست في (د).
[46] في (م): «ما».
[47] في (د): «بمعنى».
[48] في (ص): «هم».
[49] في (ص): «ولما قال».
[50] في (ص): «يفضي»، وعبارة الراغب: «الكُم» ما يغطي اليد من القميص، و«الكِم» ما يغطي الثمرة.
[51] قوله: «وبين»: ليست في (م) و(ص).
[52] في (د): «فقال كم».
[53] قوله: «أي في شك من البعث والقيامة»: ليست في (د).
[54] قوله: «فيما وصله عبد بن حميد»: ليست في (د).
[55] قوله: «عصمهمُ الله، وخضع لهم عدوُّهم وصار الذي بينه وبينهم عداوة»: ليست في (ص).