إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة {عبس}

          ░░░80▒▒▒ (سورة {عَبَسَ}) مكِّيَّة، وآيُها إحدى وأربعون(1).
          ( ╖ ) سقطت البسملة لغيرِ أبي ذرٍّ. ({عَبَسَ}(2)) النَّبيُّ صلعم ، وزادَ أبو ذرٍّ: ”{وَتَوَلَّى}“ (كَلَحَ) بفتحتين. قال في «الصِّحاح»‼: الكُلُوح تكشُّرٌ في عُبُوس، وقد كَلَحَ الرَّجل كُلوحًا وكُلاحًا (وَأَعْرَضَ) هو تفسيرُ {وَتَوَلَّى} أي: أعرضَ بوجههِ الكريم؛ لأجلِ أن جاءَه الأعمَى عبدُ اللهِ ابنُ أمِّ مكتومٍ وعندَه صناديدُ قريشٍ يدعوهُم إلى الإسلامِ، فقال: يا رسولَ الله! علِّمني ممَّا علَّمك الله، وكرَّر ذلك، ولم يعلمْ أنَّه مشغولٌ بذلكَ، فكرهَ رسول الله صلعم قطعَه لكلامهِ، وعبسَ وأعرضَ عنهُ، فعوتِبَ في ذلك بما نزلَ عليه في هذهِ السُّورة، فكان بعدَ ذلك يقولُ له إذا جاءَ: «مرحبًا بمَن عاتَبني الله فيهِ» ويبسطُ لهُ رداءَه.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) سقط هذا لأبي ذرٍّ، وهو الصَّواب كمَا لا يخفَى: ({مُّطَهَّرَةٍ}) من قوله: {فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ. مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ}[عبس:13-14] (لَا يَمَسُّهَا(3) إِلَّا المُطَهَّرُونَ؛ وَهُمُ المَلَائِكَةُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ) ╡: ({فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}[النازعات:5]) قال الكَرْمانيُّ: لأنَّ التَّدبير لمحمُول خيولِ الغُزاة، فوصَف الحامِل _يعني: الخُيول_ به فقيل: فالمدبِّرات (جَعَلَ المَلَائِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً) بفتح الهاء المشددة (لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا(4) أَيْضًا) بضم جيم «جُعل» مبنيًّا للمفعول، وهذا قالَه الفرَّاء. وقيل: مطهَّرة منزَّهة عن أيدِي الشَّياطين.
          ({سَفَرَةٍ}[عبس:15]) بالخفضِ، ولأبي ذرٍّ بالرَّفع، والأوَّل موافقٌ للتَّنزيل (المَلَائِكَةُ، وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ(5)، سَفَرْتُ) أي: بين القومِ (أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ المَلَائِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللهِ وَتَأْدِيَتِهِ) إلى أنبيائهِ (كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ القَوْمِ) ومنه قوله:
فمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي                     ولَا أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشَيْتُ
وقيل: السَّفَرة جمع: سافرٍ؛ وهو الكاتب، ومثله: كاتبٌ وكَتَبة، ولأبي ذرٍّ: ”وتأديبهُ“ بالموحدة بعد التحتية / من الأدبِ، فليتأمَّل.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) سقط لأبي ذرٍّ كالسَّابق: ({تَصَدَّى}[عبس:6]) أي: (تَغَافَلَ عَنْهُ) قال الحافظُ أبو ذرٍّ: ليس هذا بصحيحٍ، وإنَّما يقالُ: تصدَّى للأمرِ إذا رفعَ رأسهُ إليه، فأمَّا {تَلَهَّى} فتغافلَ وتشاغلَ عنه. انتهى. لأنَّه لم يتغافَلْ عن المشرِك(6) إنَّما تغافلَ عمَّن جاءَه يسعَى.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيمَا وصله الفِريابيُّ: ({لَمَّا يَقْضِ}[عبس:23]) أي: (لَا يَقْضِي أَحَدٌ) من لدنِ آدمَ إلى هذهِ الغَاية (مَا أُمِرَ بِهِ) بضم الهمزةِ مبنيًّا للمفعول، إذ لم يخلُ أحدٌ من تقصيرٍ ما.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ممَّا(7) وصلَه ابنُ أبي حاتمٍ: ({تَرْهَقُهَا}) أي: (تَغْشَاهَا) قَتَرة، أي: (شِدَّةٌ) وقيل: سوادٌ وظُلمةٌ.
          ({مُّسْفِرَةٌ}[عبس:38]) أي: (مُشْرِقَةٌ) مضيئةٌ ({بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) وفي نسخةٍ بإسقاط الواو، وهو الأوجَه في معنَى {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} (كَتَبَةٍ) أي: من الملائكةِ ينسخونَ من اللَّوح المحفوظِ أو(8) الوَحي ({أَسْفَارًا}) أي: (كُتُبًا) ذكَره استطرَادًا(9).
          ({تَلَهَّى}[عبس:10]) أي: (تَشَاغَلَ(10)، يُقَالُ: وَاحِدُ الأَسْفَارِ سِفْرٌ) وهي الكُتُب العِظام، وسقطَ «يقال» لأبي ذرٍّ.


[1] في (د) و(م) زيادة هنا سيأتي مكانها كما في بقية النسخ: «وزاد أبو ذر بعد قوله: { وَتَوَلَّى}».
[2] في (د) زيادة: { وَتَوَلَّى}.
[3] في (م) و(د): «يمسه».
[4] في (م): «يحملها».
[5] في (ص): «سافرت».
[6] في (ص) و(د): «الشرك».
[7] في (م): «فيما».
[8] في (م): «و»، وفي (د): «أو من».
[9] في (ب): «اسطرادًا».
[10] قوله: «تلهى أي تشاغل»: وقع في (م) و(د) بعد لفظ «الكتب العظام» الآتي.