إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}

          ░42▒ (بابُ) قوله تعالى: ({حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ}) بالأداء لوقتها والمداومة عليها(1)، وفي فَاعَل هنا(2) قولان؛ أحدهما: أنَّه بمعنى: فَعَل، كطارقت النَّعل وعاقبت اللِّصَّ، ولمَّا ضمَّن المحافظة معنى المواظبة؛ عدَّاها بـ «على» والثَّاني: أنَّ / فَاعَل على بابها من كونها بين اثنين؛ فقيل: بين العبد وربِّه، كأنَّه قال(3): احفظ هذه الصَّلاة يحفظك الله، وقيل: بين العبد والصَّلاة، أي: احفظها تحفظك ({والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}[البقرة:238]) ذكرٌ للخاصِّ بعد العامِّ، أي: الوسطى بينها أو الفُضْلى منها، من قولهم للأفضل(4): الأوسط، قاله الزَّمخشريُّ، وتُعقِّب بأنَّ الذي يقتضيه الظَّاهر أن تكون {الْوُسْطَى} «فُعْلى» مؤنَّث الأوسط، كـ «الفُضلى» مؤنَّث الأفضل، قال أعرابيٌّ يمدح النَّبيَّ صلعم :
يا أوسطَ النَّاسِ طُرًّا في مفاخِرهم                     وأكرمَ النَّاسِ أُمًّا برَّةً وأَبَا
          وقال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}[القلم:28] أي: أفضلهم، ومنه يقال: فلانٌ واسطة قومه، أي: أفضلُهم وعينهم، وليست من «الوسط» الذي معناه متوسِّط بين شيئَين؛ لأنَّ «فُعلى» معناها «أفعل» التَّفضيل، ولا يُبنَى للتَّفضيل إلا ما يقبل الزِّيادة والنَّقص، و«الوسط» بمعنى: العدل والخيار يقبلهما، بخلاف المتوسِّط بين الشَّيئين؛ فإنَّه لا يقبلهما، فلا يُبنَى منه «أفعل» التَّفضيل.


[1] قوله: «عَلَى الصَّلَوَاتِ بالأداء لوقتها والمداومة عليها»، جاء في (د) بعد قوله: «احفظها تحفظك».
[2] في (د): «هذا».
[3] في (د) و(م): «قيل».
[4] في (د): «الأفضل».