إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة المؤمنين

          ░░░23▒▒▒ (سورة المُؤْمِنِينَ)‼ بالياء(1)، وفي نسخة ”سورة المؤمنون“ بالواو(2) مكِّيَّة، مئة وتسع عشرة آيةً في البصريِّ، وثمان عشرة في الكوفيِّ.
          ( ╖ ) سقطت البسملة لغير أبي ذر (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيانُ ممَّا(3) وصله في «تفسيره» من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ} ({سَبْعَ طَرَائِقَ}[المؤمنون:17]) أي: (سَبْعَ سَمَوَاتٍ) سُمِّيت(4) طرائق؛ لتطارقها، وهو أنَّ بعضَها فوق بعضٍ، يقال: طارقَ(5) النعل إذا أطبق نعلًا على نعل، وطارق بين الثوبين إذا لبس ثوبًا على ثوب، قاله الخليل والزَّجَّاج والفرَّاء، أو لأنَّها طرق الملائكة في العروج والهبوط، قاله عليُّ بنُ عيسى، وقيل: لأنَّها طرق الكواكب في مسيرها(6)، والوجه في إنعامه علينا بذلك: أنَّه جعلها موضعًا لأرزاقنا بإنزال الماء منها، وجعلها مقرًّا للملائكة، ولأنَّها موضع الثواب، ومكان إرسال الأنبياء، ونزول الوحي.
          ({ لَهَا سَابِقُونَ}) في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:61] أي: (سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ) قاله ابن عبَّاس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحةَ، وضميرُ {لَهَا} يرجعُ إلى { الْخَيْرَاتِ} لتقدُّمِها(7) في اللفظ، و«اللَّام» قيل: بمعنى «إلى»، يقال: سبقت له وإليه، بمعنًى، ومفعول {سَابِقُونَ} محذوفٌ تقديرُه: سابقون الناسَ إليها، وقيل: اللَّام للتعليل، أي: سابقون(8) الناس(9) لأجلها، وسقط هذا لأبي ذرٍّ.
          ({ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}[المؤمنون:60]) قال ابن عبَّاس فيما وصله ابن أبي حاتم أي: (خَائِفِينَ) ألَّا يُقبل منهم ما آتوا مِنَ الصدقات، وهذا ثابت لأبي ذرٍّ عن المُستملي.
          (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال“ (ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله الطبريُّ من طريق عليِّ بن أبي طلحة: ({هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}[المؤمنون:36]) بالفتح من غير تنوينٍ لغةُ الحجازيين، بني لوقوعه(10) موقع المبني أو لشبهه بالحرف(11)، أي: (بَعِيدٌ بَعِيدٌ).
          قال في «المصابيح»: المعروف عند النُّحاة أنَّها اسمُ فعلٍ، أي: سُمِّيَ بها الفعلُ الذي هو بَعُدَ، وهذا تحقيقٌ لكونها(12) اسمًا، مع أنَّ مدلوله وقوعُ البعد في الزمن الماضي، والمعنى: أنَّ دلالته على معنى «بَعُدَ» ليست من حيث إنَّه موضوعٌ لذلك المعنى ليكون فعلًا، بل من حيث إنَّه موضوعٌ لفعلٍ(13) دالٍّ على «بُعْد» يقترن بالزمان الماضي؛ وهو «بَعُدَ»، كوضعِ سائر الأسماء لمدلولاتها. انتهى. وفسَّره الزَّجاج في ظاهر عبارته بالمصدر، فقال: البُعد لما توعدون، أو بُعْدٌ لما توعدون(14)، فظاهرها أنَّه مصدرٌ بدليل عطف الفعل عليه(15)، ويمكن أن يكون فسَّر المعنى فقط، وجمهور القرَّاء على فتح التاء من غير تنوينٍ فيهما، وهي لغةُ الحجازيين، وإنَّما بَنَوه لشبهِهِ بالحرف، وفيه لُغات تزيد على الأربعين، وكُرِّر للتوكيد، وليست‼ المسألة من التنازع، قال جرير:
فهيهاتَ هيهاتَ العقيقُ وأهلُهُ                     وهيهاتَ خِلٌّ بالعقيقِ نُواصِلُه
({فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ}[المؤمنون:113]) أي: (المَلَائِكَةَ) يعني: الذين يحفظون أعمال بني آدم ويُحْصُونها عليهم، وهذا قولُ عِكرمَة، وقيل: الملائكة الذين يعدُّون أيام الدنيا، وقيل: المعنى: سَلْ مَن يعرف عدد ذلك، فإنَّا نسيناه.
          ({لَنَاكِبُونَ}[المؤمنون:74]) ولأبي ذرٍّ: ”قال ابن عبَّاس: { لَنَاكِبُونَ}“ أي(16): (لَعَادِلُونَ) عن الصراط السويِّ.
          ({كَالِحُونَ}[المؤمنون:104]) أي: (عَابِسُونَ) وفي حديث أبي سعيد الخدريِّ مرفوعًا: «تَشْويهِ النارُ، فتقلَّص شفتَه العليا، وتسترخي السفلى» رواه الحاكم.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غيرُ ابنِ عبَّاسٍ وثبت: ”وقال غيره“ لأبي ذرٍّ، وسقط لغيره(17) ({مِن سُلَالَةٍ}[المؤمنون:12] / : الوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ: السُّلَالَةُ) لأنَّه استُلَّ مِن أبيه، وهو مثل البُرادة والنُّحاتة لما يتساقط من الشيء بالبَرْدِ والنَّحْت، وقال الكِرمانيُّ: ليس الولد تفسيرًا للسلالة، بل مبتدأٌ خبرُه: السلالة، وهي «فُعالة»، وهو بناءٌ يدُلُّ على القِلَّة؛ كالقُلامة.
          (وَالجِنَّةُ) في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ}[المؤمنون:70] (وَالجُنُونُ وَاحِدٌ) في المعنى، وقيل: كانوا يعلمون بالضرورة أنَّه أرجحُهم عقلًا، وأثقبُهم نظرًا، فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أتى به من الدلائل القاطعة، والشرائع الكاملة الجامعة؟!
          (وَالغُثَاءُ) في قوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء}[المؤمنون:41] هو (الزَّبَدُ، وَمَا ارْتَفَعَ عَنِ المَاءِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) وهو مِن «غَثَا الوادي يَغْثُو غَثْوًا» بالواو، وأمَّا «غَثَتْ نفسُه تَغْثِي غَثَيانًا» _أي: خبث_ ؛ فهو قريب من معناه، ولكنَّه من مادة الياء.
          ({يَجْأَرُونَ}[المؤمنون:64]) أي: (يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُم) بالاستغاثة والضجيج (كَمَا تَجْأَرُ البَقَرَةُ) لشِدَّة ما نالهَم.
          ({عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[المؤمنون:66]) يقال: (رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ) أي: أدبر؛ يعني: أنَّهم مُدبرونَ(18) عن سماعِ الآيات.
          ({سَامِرًا}[المؤمنون:67]) نُصِبَ على الحال من فاعل {تَنكِصُونَ}[المؤمنون:66] أو مِنَ الضمير في {مُسْتَكْبِرِينَ}[المؤمنون:67]، مأخوذٌ (مِنَ السَّمَرِ) وهو سهرُ الليل، وهو ما يقع(19) على الشجر مِن ضوء القمر فيجلسون إليه يتحدَّثون مستأنسين به، قال:
كأنْ لم يكنْ بَيْنَ الحَجُونِ إلى الصَّفا                     أنيسٌ وَلم يَسْمُرْ بمكَّةَ سامرُ
وقال الراغب: السَّامرُ: الليل المظلم (والجَمِيعُ(20): السُّمَّارُ) بوزن الجُمَّار (وَالسَّامِرُ هَهُنَا فِي مَوْضِعِ الجَمْعِ) وهو الأفصحُ، تقول: قومٌ سامرٌ، ونظيرُه: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}[الحج:5].
          ({تُسْحَرُونَ}[المؤمنون:89]) أي: فكيف (تَعْمُونَ مِنَ السِّحْرِ) حتى يُخيَّلَ لكم الحقُّ باطلًا، مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلَّة، وثبت من قوله: ”{ تَجْأَرُونَ}...“ إلى هنا في رواية النسفيِّ، وسقط لغيره، كما نبَّه عليه في «الفتح».


[1] «بالياء»: ليس في (د).
[2] في (ص) و(م): «وفي نسخة «سورة المؤمنون» بالواو، وفي نسخة بالياء».
[3] في (ص): «فيما».
[4] في غير (د) و(س): «سمي».
[5] في (ص) و(م): «طارقت».
[6] في (د): «سيرها».
[7] في (م): «لتعديها».
[8] زيد في (م): «أي».
[9] «الناس»: ليس في (د).
[10] قوله: «بالفتح من غير تنوينٍ لغةُ الحجازيين، بني لوقوعه»، سقط من (د).
[11] «موقع المبني أو لشبهه بالحرف»: في موضعه بياضٌ في النسخ، والمثبت من حاشية (س).
[12] في (ب) و(س): «لكونه»، كذا في المصابيح.
[13] في (م): «الفعل».
[14] سقط من (ج) قوله: أو بعد لما توعدون.
[15] في (ل): «إليه».
[16] «أي»: مثبت من (د) و(م).
[17] قوله: «وثبت: وقال غيره لأبي ذرٍّ، وسقط لغيره»، سقط من (د) و(م).
[18] في (ل): «مدبرين».
[19] هكذا في (د) وفي باقي النسخ: «وهو سهر الليل مأخوذ وهو ما يقع»، وبهامشي (ج) و(ل): قوله: «مأخوذ وهو ما يقع» كذا بخطِّه، وعبارة «النِّهاية»: وأصل السَّمَر: لون ضوء القمر؛ لأنَّهم كانوا يتحدَّثون فيه.
[20] في (د) و(م): «الجمع».