إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة يوسف

          ░░░12▒▒▒ (سورة يُوسُفَ) ╕ مكِّيَّةٌ؛ وهي مئةٌ وإحدى عشرة آيةً ( ╖ ) كذا لأبي ذَرٍّ، وسقطت لغيره.
          (وَقَالَ فُضَيْلٌ) بضمِّ الفاء وفتح المعجمة، ابن عياض بن موسى الزَّاهد، المتوفَّى بمكَّة سنة سبعٍ وثمانين ومئةٍ، ممَّا وصله ابن المنذر ومسدَّد في «مسنده» (عَنْ حُصَيْنٍ) بضمِّ الحاء وفتح الصَّاد المهملتين، ابن عبد الرَّحمن السُّلميِّ (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو ابن جبرٍ المفسِّر: ▬مُتْكًا↨ بضمِّ الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همزٍ، وهي قراءة ابن عبَّاسٍ وابن عمر ومجاهدٍ وقتادة والجحدريِّ: (الأُتْرُجُّ) بضمِّ الهمزة وسكون الفوقيَّة وضمِّ الرَّاء وتشديد الجيم، ولأبي ذَرٍّ: ”الأترنج“ بزيادة نونٍ بعد الرَّاء وتخفيف الجيم، لغتان، وأنشدوا:
فَأَهْدَتْ متكَةً لِبني أبيها                     تخبُّ بها العَثَمْثَمَةُ الوَقاحُ
والعَثَمثمة من النُّوق: الشَّديدة، والذَّكر: عثمثم، والعَثَمْثَم: الأسد، والوَقَاح: بالواو المفتوحة والقاف، النَّاقة الصُّلبة (قَالَ فُضَيْلٌ) هو ابن عياضٍ، فيما وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق يحيى بن يمانٍ عنه / : (الأُتْرُجُّ) أي: بتشديد الجيم، وسقط لأبي ذَرٍّ «قال فضيلٌ: الأترجُّ» (بـ)ـاللُّغة (الحَبَشِيَّةِ مُتْكًا) بضمِّ الميم وسكون التَّاء وتنوين الكاف من غير همزٍ.
          (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيان، ممَّا وصله في «مسنده» (عَنْ رَجُلٍ) لم يُسَمَّ (عَنْ مُجَاهِدٍ: ▬مُتْكًا↨) بسكون التَّاء من غير همزٍ كالسَّابق: (كُلُّ شَيْءٍ) ولأبي ذَرٍّ: ”قال: كلُّ شيءٍ“ (قُطِعَ بِالسِّكِّينِ) كالأترجِّ وغيره من الفواكه، وأنشدوا(1):
نَشْـربُ الإثمَ بالصُّواع جهارًا                     ونرى المُتْكَ بيننا مُستعارا
قيل: وهو(2) من: مَتَك؛ بمعنى: بتك الشَّيء، أي: قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلًا من الباء، وهو بدلٌ مطَّردٌ في لغة قومٍ، ويحتمل أن تكون مادَّة أخرى وافقت هذه.
          (وَقَالَ قَتَادَةُ) في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ (3)} ({لَذُو عِلْمٍ}[يوسف:68]) وزاد أبو ذَرٍّ ”{لِّمَا عَلَّمْنَاهُ}“ أي: (عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ) وصله ابن أبي حاتمٍ، والضَّمير في { وَإِنَّهُ} ليعقوب، كما يرشد إليه قوله: {إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}[يوسف:68].
          (وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ) فيما رواه ابن منده وابن مردويه، ولأبي ذَرٍّ: ”سعيد بن جبيرٍ“: (صُوَاعٌ) ولأبي ذَرٍّ: ”{صُوَاعَ الْمَلِكِ}“: (مَكُّوكُ الفَارِسِيِّ) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومةً، مكيالٌ معروفٌ لأهل العراق؛ وهو (الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ) وكان من فضَّةٍ، وزاد ابن إسحاق: مرصَّعًا بالجواهر، كان يُسقَى به الملِك، ثمَّ جُعِل صاعًا يُكال به.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) في قوله: {لَوْلاَ أَن} ({تُفَنِّدُونِ}[يوسف:94]) أي: (تُجَهِّلُونِ) وقال الضَّحَّاك: تهرِّمون فتقولون: شيخٌ كبيرٌ قد ذهب عقله، وعند ابن مردويه عن ابن عبَّاسٍ في قوله: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ}[يوسف:94] لمَّا خرجت العير؛ هاجت ريحٌ فأتت يعقوبَ بريحِ يوسف، فقال: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ} قال: لولا أن(4) تسفِّهون، قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيَّامٍ.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير ابن عبَّاس في قوله تعالى: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ}[يوسف:10] (غَيَابَةٌ) بالرَّفع: (كُلُّ شَيْءٍ) مبتدأٌ، وفي نسخةٍ: ”غيابةٍ“ بالجرِّ والَّذي في «اليونينيَّة»: ”غيابةٌ“ بالرَّفع وبالفتح(5): (غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا) في محلِّ جرٍّ صفةٌ لشيءٍ(6)، و«شيئًا»: مفعولُ غيَّب (فَهْوَ غَيَابَةٌ) خبر المبتدأ، والمبتدأ إذا تضمَّن معنى الشَّرط؛ تدخل الفاء في خبره (وَالجُبُّ) بالجيم: (الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ) قاله أبو عبيدة، وسُمِّي به(7) لكونه محفورًا في جبوب(8) الأرض، أي: ما غَلُظ منها، والغَيَابة: قال الهرويُّ: شِبْهُ طاقٍ في البئر فويق الماء، يُغيَّب ما فيه عن(9) العيون، وقال الكلبيُّ: تكون في قعر الجبِّ؛ لأنَّ أسفله واسعٌ ورأسه ضيِّقٌ، فلا يكاد النَّاظر يرى ما في جوانبه، والألف واللَّام في «الجُبُّ» للعهد، فقيل: هو جبُّ بيت المقدس، وقيل: بأرض الأُردن، وقيل: على ثلاثة فراسخَ من منزل يعقوب.
          وقوله: {وَمَا أَنتَ} ({بِمُؤْمِنٍ لِّنَا}[يوسف:17]) أي: (بِمُصَدِّقٍ) لسوء ظنِّك بنا.
          وقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ} ({أَشُدَّهُ}[يوسف:22]) أي: (قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ) وهو ما بين الثَّلاثين والأربعين، وقيل: سنُّ الشَّباب، ومبدؤه(10) قبل بلوغ الحلم (يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ) أي: فيكون «أشدَّ» في المفرد والجمع بلفظٍ واحدٍ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا) أي: الأشدُّ (شَدٌّ) بفتح الشِّين من غير همزةٍ(11)، وهو قول سيبويهِ والكسائيِّ.
          (وَالمُتَّكَأُ) ‼ بتشديد الفوقيَّة، وبعد الكاف همزةٌ على قراءة الجمهور، اسم مفعولٍ: (مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ) أي: لأجل شرابٍ... إلى آخره، (وَأَبْطَلَ) قول (الَّذِي قَالَ): إنَّ(12) المتَّكأ هو (الأُتْرُجُّ) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذَرٍّ: ”الأترنج“ بالنُّون للفكِّ (وَلَيْسَ فِي كَلَامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ) أي: ليس مفسَّرًا في كلامهم به، وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة، ولفظه: وزعم قومٌ أنَّه التُّرُنج(13)؛ وهذا أبطل باطلٍ في الأرض. انتهى. وتعقب بما في «المحكم» حيث قال: المتَّكأ: الأترنج، ونقله الجوهريُّ في «صحاحه» عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدِّينوريُّ: بالضَّمِّ: الأُترنج، وبالفتح: السَّوسن، وعن أبي عليٍّ القاليِّ وابن فارسٍ في «مجمله»(14) نحوه، وعند عبد بن حميدٍ: أنَّ ابن عبَّاسٍ كان يقرأ: مُتْكًا، مخفَّفةً، ويقول: هو الأترجُّ (فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ) بضمِّ التاء(15)، أي: على القائلين بأنَّه الأترجُّ(16)، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فيما احْتُجَّ“ بالمثنَّاة التَّحتيَّة بدل اللَّام (بِأَنَّهُ) ولأبي ذَرٍّ: ”بأنَّ“ (المُتَّكَأُ) بالتَّشديد والهمزة (مِنْ نَمَارِقَ)(17) يعني: وسائد (فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ، فَقَالُوا) بالفاء / ، ولأبي ذَرٍّ: ”وقالوا“ (إِنَّمَا هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ) مخفَّفةً، و«ساكنةَ»: (18) نصب(19) (وَإِنَّمَا المُتْكُ) المخفَّف: (طَرَفُ البَظْرِ) بفتح الموحَّدة وسكون المعجمة؛ وهو موضع الختان من المرأة(20) (وَمِنْ ذَلِكَ) اللَّفظ (قِيلَ لَهَا) أي: للمرأة: (مَتْكَاءُ، وَابْنُ المَتْكَاءِ) بفتح الميم والتَّخفيف والمدِّ فيهما؛ وهي الَّتي لم تُختَن، ويقال(21): البظراء(22) أيضًا (فَإِنْ كَانَ ثَمَّ) بفتح المثلَّثة، أي: هناك (أُتْرُجٌّ) بتشديد الجيم (فَإِنَّهُ) كان (بَعْدَ المُتَّكَأِ) وقيل: «المُتَّكأ» طعامٌ يُحَزُّ حَزًّا، وقال ابن عبَّاسٍ وسعيد بن جبيرٍ والحسن وقتادة ومجاهدٌ: {مُتَّكَأً} طعامًا(23)، سمَّاه متَّكَأ(24) لأنَّ أهل الطعام إذا جلسوا يتَّكئون على الوسائد، فسُمِّي الطَّعام متَّكَأً على الاستعارة، وقيل: {مُتَّكَأً}(25) طعامٌ يحتاج إلى أن يقطع بالسِّكين؛ لأنَّه متى كان كذلك؛ احتاج الإنسان إلى أن يتَّكئ عليه عند القطع، وقد عُلِم ممَّا مرَّ أنَّ المُتْك المخفَّف يكون بمعنى: الأترجِّ(26) وطرف البَظْر، وأنَّ المشدَّدة: ما يُتَّكَأُ عليه(27) من وسادةٍ، وحينئذٍ فلا تعارض بين النَّقلين كما لا يخفى، وكان الأَولى سياق قوله: «والمتَّكأ: ما اتَّكأت عليه» عَقِبَ قوله: «متَّكأٌ: كلُّ(28) شيءٍ قُطِع بالسِّكين» ويشبه أن يكون من ناسخٍ؛ كغيره ممَّا يقع غيرَ مرتَّبٍ.
          وقوله: {قَدْ} ({شَغَفَهَا}[يوسف:30] يُقَالُ: بَلَغ إِلَى شِغَافِهَا) قال السَّفاقسيُّ: بكسر الشِّين المعجمة، ضبطه المحدِّثون في كتب اللُّغة بفتحها، وسقط لفظ «إلى» لأبي ذَرٍّ، وثبت له «بلغ»(29) (وَهْوَ غِلَافُ قَلْبِهَا) وهو جلدةٌ رقيقةٌ، وزاد القاضي كغيره: حتَّى وصل إلى فؤادها حبًّا، وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشِّغاف بالقلب؛ يعني: أنَّ اشتغالها بحبِّه صار حجابًا بينها وبين كلِّ ما سوى هذه المحبَّة، فلا يخطر ببالها سواه (وَأَمَّا ▬شَعَفَهَا↨) بالعين المهملة‼؛ وهي قراءة الحسن وابن محيصن (فَمِنَ المَشْعُوفِ) وهو الَّذي أحرق قلبَه الحبُّ؛ وهو من شعف البعير إذا هَنأَه، أي: طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيدٍ(30) عن هذا المعنى فقال: الشَّعف، بالمهملة: إحراق الحبِّ القلبَ مع لذَّةٍ يجدها؛ كما أنَّ البعير إذا طُلِيَ بالقطران بلغ منه مثل ذلك، ثمَّ يسترجع إليه.
          وقوله: ({أَصْبُ}) {إِلَيْهِنَّ}[يوسف:33] أي: (أَمِيلُ) إلى إجابتهنَّ، زاد أبو ذَرٍّ: ”صَبَا: مَالَ“.
          وقوله: ({أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ}[يوسف:44]) هي: (مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ) وقال قتادة فيما رواه عبد الرَّزَّاق: هي الأحلام الكاذبة، وسقط لأبي ذَرٍّ «{أَحْلاَمٍ(31) (وَالضِّغْثُ) بكسر الضَّاد وسكون الغين المعجمتين، وسقط الواو من قوله: «والضِّغث» لأبي ذَرٍّ(32) (مِلْءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطةً، وخصَّه في «الكشَّاف» بما جُمِع من أخلاط النَّبات، فقال: وأصل الأضغاث ما جُمِع من أخلاط النَّبات وحُزِمَ(33)، فاستعيرت لذلك، أي: استُعيرَت الأضغاث للتَّخاليط والأباطيل، والجامعُ: الاختلاطُ من غير تمييزٍ بين جيِّدٍ ورديءٍ، والإضافة في {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} بمعنى «مِن»، التَّقدير: أضغاثٌ من أحلامٍ (وَمِنْهُ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}[ص:44]) ممَّا هو ملء الكفِّ من الحشيش؛ وهو من جنسٍ واحدٍ، رُوِيَ: أنَّه أخذ عثكالًا من نخلةٍ (لَا مِنْ قَوْلِهِ: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ}[يوسف:44]) الَّذي هو بمعنى: لا تأويلَ له (وَاحِدُهَا) أي: الأضغاث: (ضِغْثٌ).
          وقوله: ({وَنَمِيرُ}) يريد قوله: {هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا}[يوسف:65] (مِنَ المِيرَةِ) بكسر الميم؛ وهي الطَّعام، أي: نجلب إلى أهلينا(34) الطَّعام ({وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}) أي: (مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ) بسبب حضور أخينا؛ لأنَّه كان يكيل لكلِّ رجلٍ حملَ بعيرٍ، وقال مجاهدٌ _فيما رواه الفريابيُّ من طريق ابن أبي نَجيحٍ عنه_: {كَيْلَ بَعِيرٍ} أي: كيل حمارٍ، وأيَّده ابن خالويه: بأنَّ إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل(35)، وقال ابن عادلٍ: وكونه البعير المعروف أصحُّ، وقوله: ({آوَى إِلَيْهِ}[يوسف:69]) أي: (ضَمَّ إِلَيْهِ) أخاه بنيامين إلى(36) الطَّعام أو إلى المنزل، رُوِيَ: أنَّه أجلس كلَّ اثنين على مائدةٍ، فبقي بنيامين وحده، فقال: لو كان أخي يوسف حيًّا لأُجلِسْتُ(37) معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا، فأجلَسَه معه على مائدته(38) وجعل يؤاكله، فلما كان اللَّيل؛ أمر أن ينزل كلَّ اثنين منهم بيتًا، وقال: هذا لا ثاني له آخذه معي، فآواه إليه.
          (السِّقَايَةُ) يريد قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ}[يوسف:70]: (مِكْيَالٌ) إناءٌ كان يوسف ╕ يشرب به، فجعله(39) مكيالًا؛ لئلَّا يكتالوا بغيره فيظلموا.
          قوله: {فَلَمَّا} ({اسْتَيْأَسُواْ}[يوسف:80]) أي: (يَئِسُوا) من يوسف وإجابته إيَّاهم، وزيادة السِّين / والتَّاء للمبالغة.
          قوله: ({وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ}[يوسف:87] مَعْنَاه الرَّجَاءُ) و{رَّوْحِ اللّهِ} تعالى بفتح الرَّاء: رحمته وتنفيسه، وعن قتادة: من فضل الله، وقيل: من فرج الله.
          وقوله: ({خَلَصُواْ نَجِيًّا}[يوسف:80]) أي (اعْتَرْفُوا) وللكشميهنيِّ: ”اعتزلوا“ (نجيًّا) وهو الصَّواب، أي: انفردوا وليس معهم أخوهم(40)، أو خلا بعضهم إلى(41) بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم‼، و {نَجِيًّا} حالٌ من فاعل {خَلَصُواْ} والنَّجيُّ: يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث (وَالجميعُ: أَنْجِيَةٌ) بالهمز (يَتَنَاجَوْنَ، الوَاحِدُ: نَجِيٌّ، والاِثْنَانِ وَالجميعُ: نجيٌّ) إمَّا لأنَّ النَّجيَّ «فعيل» بمعنى «مُفاعِل» كالعشير والخليط؛ بمعنى: المخالط والمعاشر؛ كقوله تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}[مريم:52] أي: مناجيًا، وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا، يقال: هم خليطك وعشيرك، أي: مخالطوك ومعاشروك، وإمَّا لأنَّه صفةٌ على «فَعِيل» بمنزلة: صَدِيق، وبابه يوحَّد؛ لأنَّه بمنزلة المصادر، كالصَّهيل والوخيد(42)، وإمَّا لأنَّه مصدرٌ؛ بمعنى: التَّناجي؛ كما قيل: النَّجوى بمعناه، قال تعالى: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى}[الإسراء:47] وحينئذٍ فيكون فيه التَّأويلات المذكورة في «عَدَل» وبابه (وَ) قد يُجمَع فيقال: (أَنْجِيَةٌ) بالهمزة(43) كما مرَّ، قال:
إنِّي إذا ما القَومُ كَانُوا أَنْجِيَةً
وقال لبيد:
وشَهِدتُ أنجيَةَ الأفاقةِ عاليًا                     كَعْبي وأردافُ المُلُوكِ شهودُ
وكان من حقِّه إذا جعل وصفًا؛ أن يُجمَع(44) على «أفعلاء» كغنيٍّ وأغنياء وشقيٍّ وأشقياء، وقال البغويُّ: النَّجيُّ يصلح للجماعة كما قال ههنا، وللواحد كما قال: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}[مريم:52] وإنَّما جاز للواحد والجمع؛ لأنَّه مصدرٌ جُعِل نعتًا كالعدل، ومثله: النَّجوى يكون اسمًا ومصدرًا، قال تعالى: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى}[الإسراء:47] أي: متناجون(45) وقال: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ}[المجادلة:7] وقال في المصدر: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ}[المجادلة:10] قال في «المفاتح»(46): وأحسنُ الوجوه أن يُقال: إنَّهم تمحَّضوا تناجيًا؛ لأنَّ مَن كمَّل حصول أمرٍ من الأمور فيه وُصِفَ بأنَّه صار عين ذلك الشَّيء، فلما أخذوا في التَّناجي إلى غاية الحدِّ(47)؛ صاروا كأنَّهم في أنفسهم نفس التَّناجي وحقيقته، وسقط من قوله: «{اسْتَيْأَسُواْ} يئسوا...» إلى آخره في رواية أبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي، وثبت له عن الكُشْميهَنيِّ(48) والمُستملي.
          قوله تعالى: {تَالله}(49) (تفتأ) بالألف صورة الهمزة، ولأبي ذَرٍّ: ” {تَفُتَؤُاْ}“ بالواو؛ وهو جواب القسم على حذف «لا» وهي ناقصةٌ؛ بمعنى: (لَا تَزَالُ) ومنه قول الشَّاعر:
تَاللهِ(50) تبقى(51) على الأيَّامِ ذو حَيَدٍ                     بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ(52) والآسُ
أي: لا يبقى، وقوله:
فقلتُ يمينَ اللهِ أبرحُ قاعدًا                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويدلُّ على حذفها: أنَّه لوكان مثبتًا؛ لاقترن بلام الابتداء ونون التَّوكيد عند البصريِّين، أو بأحدهما عند الكوفيِّين، وتقول: واللهِ أحبُّك، تريد: لا أحبُّك، وهو من التَّورية، فإنَّ كثيرًا من النَّاس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبَّة.
          وقوله: {حَتَّى تَكُونَ} ({حَرَضًا}[يوسف:85]) أي: (مُحْرَضًا) بضمِّ الميم وفتح الرَّاء (يُذِيبُكَ الهَمُّ) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتَّى تموت من الهمِّ، والحرضُ في الأصل: مصدرٌ؛ ولذلك لا يثنَّى(53) ولا يُجمَع، تقول: هو حرضٌ، وهما‼ حرضٌ(54)، وهم حرضٌ، وهي حرضٌ، وهنَّ حرضٌ(55).
          (تَحَسَّسُوا) يريد قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ (56) اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ}[يوسف:87] أي: (تَخَبَّرُوا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه، والتَّحسُّس: طلب الشَّيء بالحاسَّة.
          (مُزْجَاةٌ) بالرَّفع لأبي ذَرٍّ، ولغيره: ”{ُّزْجَاةٍ}“ بالجرِّ حكاية قولهِ: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ}[يوسف:88] أي: (قَلِيلَةٌ) بالرفع لأبي ذر، ولغيره: ”قليلةٍ“ بالجر، وقيل: رديئة.
          وقوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ} ({غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ}[يوسف:107]) أي: عقوبة (عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ) بفتح الجيم وكسر اللَّام الأولى مشدَّدةً؛ من جلَّل الشَّيء؛ إذا عمَّه، صفةٌ لـ {غَاشِيَةٌ}(57).


[1] إلى هنا ينتهي السقط من (د).
[2] في (د): «وهي».
[3] «{ وَإِنَّهُ}»: ليس في (د).
[4] «أن»: ليس في (د).
[5] قوله: «الَّذي في اليونينيَّة: غيابةٌ بالرَّفع وبالفتح»، سقط من (د) و(م).
[6] «صفةٌ لشيءٍ»: سقط من (م).
[7] في (د): «بذلك».
[8] في (د): «جنوب» وهو تصحيفٌ.
[9] في (ب) و(س): «من».
[10] في (د): «ومبتدؤه».
[11] في (د): «همز».
[12] «إنَّ»: ليس في (د).
[13] في (م): «الأترنج»، وهو لغةٌ.
[14] في (م): «محكمه»، وهو تحريفٌ.
[15] «بضمِّ التَّاء»: ليست في (د) و(م).
[16] في (د): «الأترنج».
[17] في (د) و(م): «النَّمارق».
[18] زيد في (ص): «أي للمرأة»، وهو سبق نظرٍ.
[19] في (د) و(م): «منصوب».
[20] قوله: «بفتح الموحَّدة وسكون المعجمة؛ وهو موضع الختان من المرأة»، سقط من (د)، وزيد فيها: «المتكأ».
[21] زيد في (ب): «أي للمرأة».
[22] في (د) و(م): «للبظر»، وفي (ب): «البظر».
[23] في (د): «طعامٌ».
[24] «سمَّاه متكأ»: ليس في (د).
[25] في (ب) و(س): «المتكأ».
[26] في (م): «الأترنج».
[27] زيد في (د): «عند القطع».
[28] «كلُّ»: ليس في (د).
[29] قوله: «وسقط لفظ: إلى لأبي ذَرٍّ، وثبت له: بلغ»، سقط من (د).
[30] في (ب): «عبيدة» وهو تحريفٌ.
[31] «وسقط لأبي ذرٍّ: أحلام»: سقط من (د).
[32] قوله: «وسقط الواو من قوله: والضِّغث لأبي ذَرٍّ»، سقط من (د).
[33] في (م): «وجزم»، وهو تصحيفٌ.
[34] في (د): «أهلنا».
[35] في (ص): «يكن بل» ولا يصحُّ.
[36] في غير (د): «على».
[37] في (د) و(م): «جلست».
[38] في (م): «المائدة»، وفي (د): «فأجلسه على المائدة».
[39] في (د): «يشرب منه فجعلوه مكيالًا».
[40] في (د): «أخوة».
[41] في غير (ب) و(س): «عن».
[42] في (د): «والوحيد»، وهو تصحيفٌ.
[43] في (د): «بالهمز».
[44] في (ب): «يُجعل».
[45] في (ص) و(م): «متناجين».
[46] في (د): «المفتاح»، وليس بصحيحٍ.
[47] في (ب) و(س): «الجدِّ».
[48] في (د): «وثبت للكشميهنيِّ».
[49] «{تَالله}»: ليست في (ص).
[50] في (ب): «لله».
[51] في (ب) و(س): «يبقى».
[52] في (د) و(م): «العينان» وليس بصحيحٍ.
[53] في (ص): «يؤنَّث».
[54] «وهما حرضٌ»: مثبتٌ من (د).
[55] قوله: «{تَفُتَؤُاْ} بالألف صورة الهمزة، ولأبي ذَرٍّ... وهم حرضٌ، وهي حرضٌ، وهنَّ حرضٌ»، جاء في (ص) سابقًا بعد قوله: «التاء للمبالغة»، وليس بصحيحٍ.
[56] «{يَا بَنِيَّ}»: ليس في (د).
[57] في (م): «الغاشية».