إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول}

          ░14▒ ({وَمَا})(1) ولأبي ذرٍّ: ”باب قوله: {وَمَا}“ ({جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا}) قيل: {الْقِبْلَةَ} مفعولٌ أوَّل، و{الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا} ثانٍ، فإنَّ الجَعْل بمعنى التَّصيير، أي: الجهة التي كنت عليها؛ وهي الكعبة، فإنَّه ╕ كان يصلِّي إليها بمكَّة، ثمَّ لمَّا هاجر أُمِر بالصَّلاة إلى بيت المقدس(2) تألُّفًا لليهود؛ أي(3): أنَّ أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وما جعلنا قبلتك بيت المقدس ({إِلاَّ لِنَعْلَمَ}) لنختبر ونتبيَّن ({مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ}) في الصَّلاة إلى الكعبة ({مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}) ممَّن(4) يرتدُّ عن دينه بَعْدُ، و{مَن}: موصولٌ‼، و{يَتَّبِعُ}: صلته، والموصول وصلته في محلِّ المفعول بـ «نَعْلَمْ»، و{عَلَى عَقِبَيْهِ}: في محلِّ نصبٍ على الحال قال البيضاويُّ: فإن قلت: كيف يكون علمُه تعالى غايةَ الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأنَّ هذا وأشباهه باعتبار التَّعلُّق الحاليِّ الذي هو مناط الجزاء، والمعنى: ليتعلَّق علمنا به موجودًا، وقيل: ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنَّه أسند إلى نفسه لأنَّهم خواصُّه، أو ليتميَّز(5) الثَّابت عن المتزلزل؛ كقوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[الأنفال:37] فوضع العلم موضع التَّمييز المسبَّب عنه ({وَإِن كَانَتْ}) أي: التَّحويلة أو القبلة ({لَكَبِيرَةً}) لثقيلةً شاقَّةً، و{إِن }: مخفَّفةٌ من الثَّقيلة، دخلت على ناسخ الابتداء والخبر، واللام للفرق بينها وبين النَّافية ({إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ}) وهم الثَّابتون(6) الصَّادقون في اتِّباع الرَّسول، والاستثناء مفرَّغٌ، وجاز ذلك وإن لم يتقدَّمه نفيٌ ولا شبهه؛ لأنَّه في معنى النَّفي ({وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}) أي: بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها ({إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[البقرة:143]) ولأبي ذرٍّ بعد قوله: {مَن (7) يَتَّبِعُ الرَّسُولَ}: ”الآية“ وسقط ما بعدها عنده(8).


[1] { وَمَا}: سقط من (د) و(م).
[2] في (ص) و(م): «إلى القدس».
[3] في (د): «أو»، ولا يصحُّ.
[4] في (ب) و(س): «من».
[5] في (د): «لتمييز».
[6] في غير (م): «التَّائبون» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[7] {مَن}: ليس في (د).
[8] زيد في (د): «لأبي ذرٍّ».