إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر}

          ░25▒ (بَابُ قَوْلِهِ) ╡، وسقط ذلك لغير أبي ذرٍّ ({أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ}) أي: مؤقَّتاتٍ بعددٍ معلومٍ، ونُصِب {أَيَّامًا} بعاملٍ مقدَّرٍ، أي: صوموا أيَّامًا، وهذا النَّصب إمَّا على الظَّرفيَّة، أو المفعول به اتِّساعًا، وقيل: نُصِب بـ {كُتِبَ} إمَّا على الظَّرف أو المفعول به، وردّه أبو حيَّان فقال: أمَّا النَّصب على الظَّرفيَّة؛ فإنَّه محلٌّ للفعل، والكتابة ليست واقعةً في الأيَّام، لكنَّ متعلَّقها هو الواقع في الأيَّام، وأمَّا على المفعول اتِّساعًا؛ فإنَّ ذلك مبنيٌّ على كونه ظرفًا لـ {كُتِبَ} وتقدَّم أنَّه خطأٌ، و{مَّعْدُودَاتٍ}: صفةٌ؛ والمراد به: رمضان، أو ما وجب صومه قبل وجوبه ونُسِخ به؛ وهو عاشوراء كما مرَّ ({فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا}) مرضًا يضرُّه الصُّوم ويشقُّ عليه معه ({أَوْ عَلَى سَفَرٍ}) في موضع نصبٍ عطفًا على خبر {كَانَ} و{أَوْ} للتَّنويع ({فَعِدَّةٌ}) أي: فعليه صوم عدَّة أيَّام المرض‼ أو السَّفر ({مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}) إن أفطر، فحذف الشَّرط والمضاف(1) والمضاف إليه للعلم به ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}) إن أفطروا ({فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}) نصف صاعٍ من برٍّ أو صاعٌ من غيره ثمَّ نُسِخ ذلك ({فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا}) فزاد في الفدية ({فَهُوَ}) أي: فالتَّطوَّع ({خَيْرٌ لَّهُ}) وَ{لَّهُ}: في محلِّ رفعٍ صفةٌ لـ {خَيْرٌ} فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي: خيرٌ كائنٌ له ({وَأَن تَصُومُواْ}) أيُّها المطيقون، و{أَن} مصدريَّة، أي: صومكم، وهو مرفوعٌ بالابتداء، خبره: ({خَيْرٌ لَّكُمْ}) من الفديةِ وتطوُّعِ الخير ({إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:184]) شرطٌ حُذِف جوابه؛ تقديره: اخترتموه، أو معناه: إن كنتم من أهل العلم أو التَّدبر(2) علمتم أنَّ الصَّوم خيرٌ لكم.
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ فيما وصله عبد الرَّزَّاق: (يُفْطِرُ مِنَ المَرَضِ كُلِّهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى) والذي عليه الجمهور أنَّه يُبَاح الفطر لمرضٍ يضرُّ معه الصَّوم ضررًا يُبِيح التَّيمُّم وإن طرأ على الصَّوم ويقضي (وَقَالَ الحَسَنُ) البصريُّ _فيما(3) وصله عبد بن حميدٍ_ (وَإِبْرَاهِيمُ) النَّخعيُّ _فيما وصله عبد بن حميدٍ أيضًا_ (فِي المُرْضِعِ وَالحَامِلِ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”أو الحامل“ (إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا: تُفْطِرَانِ) ولو كان(4) المُرضَع من غيرها (ثُمَّ تَقْضِيَانِ) ويجب مع ذلك الفدية في الخوف على الولد أخذًا من آية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}[البقرة:184] قال ابن عبَّاسٍ: «إنَّها نُسِخت إلَّا في حقِّ الحامل والمرضِع» رواه البيهقيُّ عنه(5)، لا في الخوف على النَّفس كالمريض، فلا فدية عليه (وَأَمَّا الشَّيْخُ الكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ) فإنَّه يفطر، وتجب عليه الفدية دون القضاء (فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ) _بكسر الموحَّدة_ وشقَّ عليه الصَّوم، وكان حينئذٍ في عشرة المئة (عَامًا أَوْ عَامَيْنِ) بالشَّكِّ من الرَّواي (كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ) وهذا رواه / عبد بن حميدٍ من طريق النَّضر بن أنسٍ عن أنسٍ، لكنَّ الواجب لكلِّ يومٍ فات صومه مُدٌّ؛ وهو رطلٌ وثلثٌ، وبالكيل المصريِّ نصف قدحٍ من جنس الفطرة، فلا يُجزِئ نحو دقيقٍ وسويقٍ، ومثل الكبير المريض الذي لا يطيق الصَّوم ولا يُرجَى برؤه؛ للآية السَّابقة على القول بأنَّها لم تُنسَخ أصلًا (قِرَاءَةُ العَامَّةِ: {يُطِيقُونَهُ}) بكسر الطَّاء وسكون التَّحتيَّة، من أطاق يُطيق كأقام يُقيم (وَهْوَ أَكْثَرُ).


[1] «والمضاف»: سقط من (د).
[2] في (د): «والتّدبير».
[3] في (د): «ممَّا»، وكذا في الموضع اللاحق.
[4] زيد في (س) و(ص): «في».
[5] زيد في (د): «يتلوه».