إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة يس

          ░░░36▒▒▒ (سورة يس) مكِّيَّة، وآيُها ثلاثٌ وثمانون.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ: ({فَعَزَّزْنَا}[يس:14]) أي: (شَدَّدْنَا) بتشديد الدال الأولى وتسكين الثانية، والمفعول محذوفٌ، أي: فشددناهما بثالثٍ.
          ({يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}[يس:30] وكَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ) أي: في الآخرةِ (اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ) أي: في الدُّنيا، و«استهزاؤُهم» رفع اسم كان، و«حسرةً» خبرُها، وهذا أخرجه الفِريابيُّ عن مجاهد أيضًا، والمعنى: هم أحقَّاءُ بأن يتحسَّر عليهم المتحسِّرون أو(1) يتلهَّف عليهم المتلهِّفونَ، أو متحسَّر(2) عليهم من جهةِ الملائكةِ والمؤمنين، وأن يكون من قول الله / تعالى على سبيل الاستعارةِ تعظيمًا للأمرِ وتهويلًا له، فيكون كالواردِ في حقِّ الله تعالى من الضَّحكِ والسُّخريةِ، ونصبَ {يَا حَسْرَةً} على المصدرِ، والمنادى محذوفٌ، أي: يا هؤلاء تحسَّروا حسرةً.
          ({أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ}) في قولهِ: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ}[يس:40] أي: (لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ) أي: أن يستر أحدهما الآخر؛ لأنَّ لكلٍّ منهما حدًّا لا يعدوهُ ولا يقصرُ دونهُ إلَّا عند قيام السَّاعةِ، وقال عبد الرَّزَّاق: أخبرنا معمرٌ عن الحسنِ في قوله: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} قال: ذلك ليلة الهلالِ.
          ({سَابِقُ النَّهَارِ}) في قولهِ: { وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ}[يس:40] أي: (يَتَطَالَبَانِ) حال كونهما (حَثِيثَيْنِ) فلا فترةَ بينهما بل كلٌّ منهما يعقبُ الآخرَ بلا مهلةٍ ولا تراخٍ؛ لأنَّهما(3) مسخرانِ يتطالبانِ طلبًا(4) حَثيثًا، فلا يجتمعان إلَّا في وقتِ قيام السَّاعةِ.
          ({نَسْلَخُ}[يس:37]) أي: (نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ) قال في «اللباب»: {نَسْلَخُ} استعارة بديعة(5)، شبَّه انكشافَ ظلمةِ اللَّيلِ بكشطِ الجلدِ من الشَّاةِ (وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لمستقرٍّ إلى أبعدِ مغربهِ فلا يتجاوزهُ(6) ثمَّ يرجع، أو المراد بالمستقرِّ: يوم القيامةِ، فالجريانُ(7) في الدُّنيا غير منقطعٍ.
          ({مِّن مِّثْلِهِ}) في قولهِ تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}[يس:42] أي: (مِنَ الأَنْعَامِ)‼ كالإبلِ فإنَّها سفائنُ البرِّ، وهذا قول مجاهدٍ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: السُّفن، وهو أشبه بقوله: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ}[يس:43] لأنَّ الغرقَ في الماءِ.
          ({فَاكِهُونَ}) في قولهِ تعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}[يس:55] بغير ألف بعد الفاء، وبها قرأ أبو جعفر، أي: (مُعْجَبُونَ) بفتح الجيم، وفي رواية غير(8) أبي ذرٍّ: ”{فَاكِهُونَ}“ بالألف، وهي قراءةُ الباقين، وبينهما فرقٌ بالمبالغةِ وعدمها.
          ({جُندٌ مُّحْضَرُونَ}[يس:75]) أي: (عِنْدَ الحِسَابِ) قال ابنُ كثيرٍ: يريد أن هذه الأصنامَ(9) محشورةٌ مجموعةٌ يوم القيامةِ، محضرةٌ عند حسابِ عابديها؛ ليكون ذلك أبلغَ في خزيهِم وأدلَّ في إقامةِ الحجَّةِ عليهم(10).
          (وَيُذْكَرُ) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابنِ عبَّاسٍ في قولهِ تعالى: {فِي الْفُلْكِ} ({ الْمَشْحُونِ}[يس:41]) هو (المُوْقَرُ) بضم الميم وسكون الواو وبعد القاف المفتوحة راء.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) في قولهِ: ({طَائِرُكُمْ}[يس:19]) أي: (مَصَائِبُكُمْ) وعنه فيما وصلهُ الطَّبري: أعمالكُم، أي: حظَّكُم من الخيرِ والشَّرِّ.
          ({نَسِلُونَ}[يس:51]) أي: (يَخْرُجُونَ)، قاله ابنُ عبَّاسٍ فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ.
          ({ مَّرْقَدِنَا}[يس:52]) أي: (مَخْرَجِنَا) وقال ابنُ كثيرٍ: يعنونَ قبورهم الَّتي كانوا في الدُّنيا يعتقدون أنَّهم لا يبعثونَ منها، فلمَّا عاينوا ما كذبوهُ في محشرِهِم؛ {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}[يس:52]. انتهى. وقال ابنُ عبَّاسٍ وقتادة: إنَّما يقولون هذا لأنَّ الله يرفعُ عنهم العذابَ بين النَّفختين فيرقدونَ، فإذا بعثوا بعد النَّفخةِ الأخيرةِ وعاينُوا القيامة دعوا بالويلِ.
          ({أحْصَيْنَاهُ}) في قولهِ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس:12] أي: (حَفِظْنَاهُ) في اللَّوحِ المحفوظِ.
          ({مَكَانَتِهِمْ} وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ) في المعنى، ومراده قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ}[يس:67] والمعنى: لو نشاءُ جعلناهم قردةً وخنازيرَ في منازلهم، أو حجارةً وهم قعودٌ في منازلهِم لا أرواحَ لهم، وسقطَ لأبي ذرٍّ من قوله: «{أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ...}» إلى آخر قوله: «واحدٌ»(11).


[1] في (ص): «و».
[2] في (م) و(د): «يتحسر».
[3] في (ص): «فيهما».
[4] في (ص): «وبينهما».
[5] في (د): «بديعية».
[6] في (م) و(ص): «يتجاوز».
[7] في (ص): «في الجريان».
[8] «غير»: ليست في (م).
[9] في (ص): «الأنعام».
[10] في (د): «أبلغ في خزيهم وإقامة الحجة عليهم».
[11] قوله: «وسقط لأبي ذر... واحد»: ليس في (د). وقوله: «لأبي ذرٍّ»؛ سقط من (ج).