إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سبأ

          ░░░34▒▒▒ (سَبَأ): مكِّيَّة، وقيل: إلَّا {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} الاية[القصص:80](1)، وآيُها خمسٌ وخمسون، ولأبي ذرٍّ: ”سورةُ سبَأ“.
          ( ╖ ) سقطتِ البسملةُ لغير أبي ذرٍّ كلفظ: ”سورة“. (يُقَالُ: {مُعَاجِزِينَ}[سبأ:5]) بألف بعد العين، وهي قراءةُ غير ابن كثيرٍ وأبي عَمرو، أي: (مُسابقِينَ) كي يفُوتوننا(2)، قاله أبو عُبيدة ({بِمُعْجِزِينَ}) في قولهِ _في العنكبوتِ_: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ}[العنكبوت:22] أي: (بِفَائِتِينَ) أخرج ابنُ أبي حاتم بإسنادٍ صحيحٍ عن عبد الله بنِ الزُّبيرِ نحوه ({مُعَاجِزِينَ}) بالألف، أي: (مُغَالِبِينَ) كذا وقع لأبي ذرٍّ، وسقطَ لغيره(3) (مُعَاجِزِيَّ) بالألف وسقوط النون مشدَّدة التَّحتيَّة، أي: (مُسَابِقِيَّ) كذا لأبوي ذرٍّ والوقتِ وابنِ عساكرَ، وسقط لكريمةَ والأَصيليِّ ({سَبَقُواْ}) أي: في قولهِ _في الأنفال_: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ}[الأنفال:59] أي: (فَاتُوا) {إِنَّهُمْ} ({لاَ يُعْجِزُونَ}) أي: (لَا يَفُوتُونَ) قاله أبو عُبيدة في «المجاز».
          ({يَسْبِقُونَا}) في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا}[العنكبوت:4] أي: (يُعْجِزُونَا) بسكون العين (قَوْلُهُ) ولأبي ذرٍّ: ”وقولُه“: ({ بِمُعْجِزِينَ}[سبأ:5]) بالقصر، وهي قراءةُ أبي عَمرو وابنِ كثيرٍ، أي: (بِفَائِتِينَ، وَمَعْنَى {مُعَاجِزِينَ}[سبأ:5]) بالألف (مُغَالِبِينَ) كذا وقع مكرَّرًا، وسقطَ لغير أبي ذرٍّ (يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ) يريد أنَّه من باب المفاعلةِ بين اثنين.
          ({مِعْشَارَ}) في قولهِ تعالى: {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ}[سبأ:45] معناه (عُشْر) بنى(4) مِفعال من لفظ العشرِ؛ كالمِرباعِ، ولا ثالثَ لهما من ألفاظِ العددِ، فلا يقال: مِسداسٌ ولا مِخماسٌ.
          (الأُكُلُ) بضم الكاف في قولهِ تعالى: {ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ}[سبأ:16] هو (الثَّمَرُ) ولأبي ذرٍّ: ”يقالُ: الأكلُ الثَّمرةُ“ قال أبو عُبيدة: الأكلُ: الجَنى _بفتح الجيم مقصورًا_ وهو بمعنى الثَّمرةِ.
          ({بَاعِدْ}) بالألف وكسر العين(5)، في قولهِ تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}[سبأ:19] (وَ{بَاعِدْ}) بدون ألف وتشديد العين، وهذه قراءةُ أبي عَمرو وابنِ كثيرٍ وهشام (وَاحِدٌ) في المعنى؛ إذ كلٌّ منهما فعلُ طلبٍ، ومعنى الآية: أنَّهم لما بطرُوا نعمةَ ربِّهم، وسألوا انتقالَها، جازاهُم جزاء من كفرَ نعمهُ إلى أن صاروا مثلًا، فقيل: تفرَّقوا‼ أيادِي سبأَ، كما قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ}[سبأ:19].
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفريابيُّ في قولهِ تعالى: ({لَا يَعْزُبُ}) أي: (لَا يَغِيبُ) {عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ}[سبأ:3].
          ({ الْعَرِمِ}) في قولهِ تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ}[سبأ:16] هو (السُّـَدُّ) بضم السين وفتحها وتشديد الدال المهملتين، الَّذي يحبسُ الماءَ، بنتهُ بلقيسُ، وذلك أنَّهم كانوا يقتتلون على ماءِ وادِيهم، فأَمرت به فسدَّ، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشمِيهنيِّ(6): ”{سَيْلَ الْعَرِمِ} السُّدُّ“ وله(7) عن(8) / الحَمُّويي(9): ”الشَّديدُ“ _بشين معجمة_ بوزن عظيم، والسَّيلُ: (مَاءٌ أَحْمَرُ أَرْسَلَهُ فِي السَّدِّ) ولأبي ذرٍّ: ”أرسلهُ اللهُ في السَّدِّ“ بفتح سين «السَّدِّ» فيهما في «اليونينية»(10) (فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْبَيْن) بفتح الجيم والموحدة بينهما نون ساكنة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”الجَنَبَتَيْنِ“ بفتح الجيم والنون والموحدة والفوقية وسكون التحتية، وفي نسخة _نسبها في «الفتح» للأكثر_: ”الجَنَّتين“ بتشديد النون بغير موحدةٍ، تثنيةُ جنَّة.
          قال الكِرمانيُّ: فإن قلتَ: القياسُ أن يقال: ارتفَعت الجنَّتانِ عن الماءِ. وأجاب: بأن المرادَ من الارتفاعِ الانتفاءُ والزَّوالُ؛ يعني: ارتفع اسم الجنَّةِ عنهما، فتقديرهُ: ارتفعَتِ الجنَّتان عن كونِهما جنَّة.
          قال في «الكشاف» _وتبعه في «الأنوار»_: وتسميةُ البدلِ جنَّتينِ على سبيلِ المشاكلَةِ.
          (وَغَابَ عَنْهُمَا) عن الجنَّتينِ (المَاءُ فَيَبِسَتَا) لطُغيانِهم وكفرهِم وإعراضهِم عن الشُّكرِ (وَلَمْ يَكُنِ المَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السُّـَدِّ) وللمُستملي: ”من السَّيلِ“ (وَلَكِنْ) ولأبي ذرٍّ: ”ولكنَّهُ“ (كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ) قالهُ مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ.
          (وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ) بفتح العين وسكون الميم، و«شُرَحْبِيْل»: بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فلام، الهمدانيُّ الكوفيُّ، فيما وصلهُ سعيد بنُ منصورٍ ({ الْعَرِمِ}[سبأ:16] المُسَنَّاةُ) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد النون، وضبطهُ في «اليونينية»: بضم الميم والهاء من غير ضبط على السين، ولا نقط على الهاء، وفي «آلِ ملك»(11): ”المُسْناة“ بضم الميم وسكون السين ونقط الهاء(12)، وضبط في أصل الأَصيليِّ _كما قال في «الفتح»_: المَسْناة: بفتح الميم وسكون المهملة (بِلَحْنِ أَهْلِ اليَمَنِ) بسكون الحاء في الفرع، وقال في «المصابيح»: بفتحها. أي: بلغتِهم، وكانت هذه المسنَّاةُ تحبسُ على ثلاثةِ أبوابٍ بعضها فوقَ بعضٍ، ومن دونها بركةٌ ضخمةٌ فيها اثنا عشر مخرَجًا على عدَّةِ أنهارِهِم(13)، يفتحونَها إذا احتاجُوا إلى الماءَ، وإذا استغنوا؛ سدُّوها، فإذا جاءَ المطرُ؛ اجتمعَ إليه ماءُ أودية اليمنِ، فاحتبسَ السَّيلُ من وراءِ السدِّ، فتأمرُ بلقيس بالبابِ الأعلى فيفتحُ فيجري ماؤهُ في البركةِ، فكانُوا يستقونَ من الأوَّل ثمَّ من الثَّاني ثمَّ من الثَّالث الأسفل، فلا ينفد الماء حتى يثوبَ الماءُ من السَّنة المقبلةِ، فكانت تقسمهُ بينهم على ذلك فبقوا على ذلك بعدها مدَّة، فلما طَغَوا‼ وكفرُوا سلَّطَ الله عليهم جُرَذًا يسمَّى الخُلْد فثقبَ السَّدَّ من أسفله، فغرَّق الماءُ جنانهم وخرَّبَ أرضَهم.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) غير ابن شرحبيلَ: ({ الْعَرِمِ}) هو (الوَادِي) الَّذي فيه الماء، وهذا أخرجه ابنُ أبي حاتم من طريق عثمان بنِ عطاءٍ، عن أبيه.
          (السَّابِغَاتُ) في قولهِ تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}[سبأ:11] هي: (الدُّرُوعُ) الكواملُ، واسعاتٌ طولًا(14) تسحبُ(15) في الأرضِ. ذكر الصَّفة ويعلم منها الموصوفُ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) في قولهِ تعالى: {وَهَلْ} ({نُجَازِي}[سبأ:17]) أي: (يُعَاقَبُ) يقال في العقوبة: يُجازَى، وفي(16) المثوبةِ: يُجزى. قال الفرَّاء: المؤمنُ يُجزى ولا يُجازَى، أي: يجزَى الثَّواب بعملهِ ولا يكافأُ بسيئاتهِ، كذا نُقل.
          ({أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ}[سبأ:46]) أي (بِطَاعَةِ اللهِ) قاله مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ ((17){ مَثْنَى وَفُرَادَى}) أي: (وَاحِدٌ وَاثْنَيْنِ) فإنَّ الازدحامَ يشوِّشُ الخاطرَ، والمعروفُ في تفسير مثله التَّكريرُ، أي: واحدٌ واحدٌ، واثنين اثنين.
          ({ التَّنَاوُشُ}[سبأ:52]) هو (الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا) قال:
تَمَنَّى أَنْ تَؤوبَ إِلَيَّ ميٌّ(18)                     وَلَيْسَ إِلَى تَنَاوُشِهَا سَبِيلُ
({وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}[سبأ:54]) أي: (مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ) في الدُّنيا، أو إيمان، أو نجاة به، {كَمَا فُعِلَ} ({بِأَشْيَاعِهِم}) أي (بِأَمْثَالِهِمْ) من كفرةِ الأممِ الدَّارجةِ، فلم يُقبَل منهم الإيمانُ حين اليأس.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ممَّا تقدَّم في «أحاديث الأنبياء» [خ¦60/40-5253] ({ كَالْجَوَابِ}[سبأ:13]) بغير تحتيَّة، ولأبي ذرٍّ: ”{كَالْجَوَابِي}“ بإثباتِها، أي: (كَالجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ) بفتح الجيم وسكون الواو، أي: الموضعُ المطمئنُّ منها، وهذا لا يستقيمُ؛ لأنَّ الجوابي جمعُ: جابيةٍ، كضاربةٍ وضوارب، فعينه موحدة، فهو مخالفٌ للجوبة من حيثُ إنَّ عينه واو، فلم يرد أن اشتقاقَهُما واحدٌ، والجابيةُ: الحوضُ العظيمُ، سمِّيت بذلك لأنَّه يجبَى إليها الماء، أي: يجتمعُ. قيل: كان / يقعدُ على الجفنةِ الواحدةِ ألف رجلٍ يأكلونَ منها.
          (الخَمْطُ) هو: (الأَرَاكُ) أي: الشَّجرُ(19) الَّذي يستاكُ بقضبانهِ (وَالأَثَلُ): هو (الطَّرْفَاءُ) قاله ابنُ عبَّاس فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ ({ الْعَرِمِ}[سبأ:16]) أي: (الشَّدِيدُ) من العرامةِ، وهي الشَّراسةُ والصُّعوبةُ، وقد مرَّ.


[1] الآية في سورة القصص، والتي في سورة سبأ {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}.
[2] في (س): «يفوتونا».
[3] في (س) و(ص) و(ل): «كذا وقع لغير أبي ذرٍّ، وسقط له».
[4] في (د): «هي».
[5] «وكسر العين»: ليس في (د).
[6] «عن المُستملي والكشميهني»: ليس في (د).
[7] «{ سَيْلَ الْعَرِمِ} السَّدُّ، وله»: ليس في (ص).
[8] في (ص): «و».
[9] في (د): «للحَمُّويي».
[10] قوله: «في اليونينية»: ليست في (م) و(ص). وقوله: «بفتح سين السد فيهما في اليونينية»: ليست في (د).
[11] نسخة من الصحيح عاد إليها القسطلَّاني في أكثر من موضع لعلها تعود للأمير سيف الدين الحاج آل ملك (ت:747هـ)، والله تعالى أعلم.
[12] قوله: «وضبطه في اليونينية... ونقط الهاء»: ليس في (د).
[13] في (ب): «أنهار لهم».
[14] في (س): «طوالًا».
[15] في (م): «تستحب».
[16] «وفي»: ليست في (ص).
[17] في (د) زيادة: «تسبحوا». وجعلها من المتن.
[18] في (س): «دناه»، وفي (ص): «مناء».
[19] في (ص): «الشيء».