إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة البروج

          ░░░85▒▒▒ (سورة البُرُوجِ) مكِّيَّة، وآيُها اثنتان وعشرون، وسقط لغير أبي ذرٍّ «سورة».
          (قَالَ) ولغير أبي ذرٍّ(1): ”وقال“ (مُجَاهِدٌ) فيمَا رواهُ عبدُ بنُ حميدٍ في قولهِ: ({ الْأُخْدُودِ}[البروج:4]) هو (شَقٌّ فِي الأَرْضِ) وقال غيرهُ: المستطيلُ في الأرضِ. وروى مسلمٌ عن صهيبٍ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «كانَ فيمَن كان قبلكُم مَلِكٌ، وكان لهُ ساحرٌ، فلمَّا كبِر قال للملكِ: إنِّي قد كَبرت، فابعث إليَّ غلامًا أعلِّمه السِّحر، فبعث إليهِ غلامًا يعلِّمه، وكانَ(2) في طريقهِ إذا سلكَ راهبٌ، فقعدَ إليه وسمعَ كلامَه فأعجبَه، فكان إذا أتَى السَّاحر مرَّ بالرَّاهبِ وقعد إليهِ، فإذا أتى السَّاحر ضربَه، فشكا ذلك إلى الرَّاهب فقال لهُ(3): إذا خشيتَ السَّاحر فقُل: حبسنِي أهلِي، وإذا خشيتَ أهلكَ فقلْ: حبَسني السَّاحر، فبينما هو كذلكَ إذ أتَى على النَّاس دابةٌ عظيمةٌ قد حبَست النَّاس، فقال: اليومَ أعلمُ آلسَّاحر أفضلُ أم الرَّاهبُ أفضلُ؟ فأخذَ حجرًا فقال: اللَّهمَّ إن كان أمرُ الرَّاهب أحبَّ إليك من أمرِ(4) السَّاحر فاقتُل هذه الدَّابة حتَّى يمضي النَّاس، فرماهَا فقتَلها‼، ومضَى النَّاسُ فأتى الرَّاهبَ فأخبرَه، فقال له الرَّاهبُ: أي بنيَّ، أنت اليومَ أفضلُ منِّي، قد بلغَ من أمركَ ما أرَى، وإنَّك ستُبتلى، فإن ابتليتَ فلا تدلَّ عليَّ، وكان الغُلام يبرئُ الأكمَه والأبرصَ، ويُداوي النَّاس من(5) سائرِ الأدواءِ، فسمع جليسٌ للملكِ(6) كان قد عميَ فأتاه بهدايَا كثيرةٍ، فقال: ما ههنا لكَ أجمعُ إن أنتَ شفيتَني. قال: إنِّي لا أشفِي أحدًا، إنَّما يشفي الله ╡، فإن آمنتَ باللهِ دعوتُ الله فشفاكَ، فآمنَ باللهِ فشفاهُ الله، فأتى الملِك فجلسَ إليهِ كما كان يجلسُ، فقال لهُ الملك: من ردَّ عليكَ بصركَ؟ فقال: ربِّي. قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: اللهُ ربِّي وربُّك، فأخذهُ فلم يزل يعذِّبه حتَّى دلَّ على الغلامِ، فجيءَ بالغلامِ فقال له الملك: أي بنيَّ، قد بلغَ من سحركَ ما تُبرئ الأكمَه والأبرصَ وتفعلُ وتفعلُ. قال: إنِّي لا أشفِي أحدًا، إنَّما يشفي الله، فأخذهُ فلم يزَل يعذِّبه حتَّى دلَّ على الرَّاهب، فجيءَ بالرَّاهب فقيل لهُ: ارجعْ عن دينِك فأبَى، فدعا(7) بالمنشارِ فوضعَ المنشارَ في مَفْرِقِ رأسهِ فشقَّه بهِ(8) حتَّى وقعَ شقَّاه، ثمَّ جيءَ بجليسِ الملك فقيل لهُ: ارجعْ عن دينِك فأبَى، فوضعَ المنشارَ في مَفْرقِ رأسهِ فشقَّه حتَّى وقع شقَّاه، ثمَّ جيءَ بالغلامِ فقيل لهُ: ارجعْ عن دينكَ فأبَى، فدفعهُ إلى / نفرٍ من أصحابهِ، فقال: اذهبوا بهِ إلى جبلِ كذا وكذا فاصعدوا بهِ الجبلَ، فإذا بلغتُم بهِ ذُروته فإن رجعَ عن دينهِ وإلَّا فاطرحوهُ، فذهبوا بهِ فصعدوا بهِ الجبلَ، فقال: اللَّهمَّ اكفنيهِم بما شئتَ، فرجفَ بهم الجبَلُ فسقطوا، وجاءَ يمشِي إلى الملكِ، فقال لهُ الملِكُ: ما فعلَ أصحابُك؟ قال: كفانيهُم الله، فدفعهُ إلى نفرٍ من أصحابهِ، فقال: اذهبوا بهِ فاحملوهُ في قُرْقُورٍ فتوسَّطوا به البحرَ، فإن رجعَ عن دينهِ وإلَّا فاقذِفوه، فذهبوا به، فقال: اللَّهمَّ اكفنيِهم بما شئتَ، فانكفأتْ بهمُ السَّفينة فغرقُوا، وجاءَ يمشي إلى الملكِ، فقال له الملِكُ: ما فعلَ أصحابكَ؟ فقال: كفانيهُم الله، فقال للملكِ: إنَّك(9) لستَ بقاتِلي حتَّى تفعلَ ما آمرك بهِ. قال: وما هو؟ قال: تجمعُ النَّاس في صعيدٍ واحدٍ وتصلبُني على جذعٍ، ثمَّ خُذ سهمًا من كِنانتي ثمَّ ضعِ السَّهم في كبدِ القَوس، ثمَّ قلْ: بسمِ الله ربِّ هذا(10) الغُلام ثمَّ ارمِني، فإنَّك إذا فعلتَ ذلكَ قتلتَني، فجمعَ النَّاس في صعيدٍ واحدٍ فصلبهُ على جذعٍ، ثمَّ أخذَ سهمًا من كنانته، ثمَّ وضعَ السَّهم في كبدِ القَوس، ثمَّ قال: بسمِ اللهِ ربِّ هذا الغُلام(11) ثمَّ رماهُ فوقَع السَّهم في صدغِه، فوضعَ يدهُ في صدغهِ موضَع السَّهم فمات، فقال النَّاس: آمنَّا بربِّ الغُلام، آمنَّا بربِ الغُلام(12) فأُتيَ الملِكُ فقيل لهُ: أرأيتَ ما كنتَ تحذره؟ قد واللهِ نزلَ بكَ حذرُك، قد(13) آمن النَّاس، فأمرَ بالأخدودِ بأفواهِ السِّكك فخُدَّت‼ وأضرَم النِّيران، وقال: مَن لم يرجعْ عن دينهِ فأقحموهُ فيها، أو قيل لهُ: اقتحِمْ، ففعلوا حتَّى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌّ لها، فتقاعَستْ أن تقعَ فيها، فقال لها الغُلام: يا أُمَّهْ، اصْبِري فإنَّك على الحقِّ».
          ({فَتَنُوا}[البروج:10]) أي: (عَذَّبُوا) قالَه مجاهدٌ فيمَا وصله الفِريابيُّ.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْوَدُودُ}[البروج:14]) هو (الحَبِيْبُ) المتوِّدد إلى أوليائهِ بالكرامَة.
          ({ الْمَجِيدُ}[البروج:15]) أي: (الكَرِيمُ) وقول ابنِ عبَّاس هذا ساقطٌ في الفَرْع كأصلهِ، ثابتٌ في روايةِ النَّسفيِّ وحده.


[1] في (ب) و(س) و(د): «ولأبي ذرٍّ».
[2] في (د): «فكان».
[3] «له»: ليست في (م) و(د).
[4] «أمر»: ليست في (م).
[5] «من»: زيادة من (م) و(د).
[6] في (م): «الملك».
[7] في (د): «فأتي»، وفي الهامش: في نسخة: «فدعا».
[8] «به»: ليست في (ص).
[9] في (م): «أنت».
[10] «هذا»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[11] قوله: «ثمَّ ارمِني... هذا الغُلام»: ليس في (ص).
[12] قوله: «آمنا برب الغلام»: ليس في (م).
[13] في (د): «وقد».