إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة {إذا الشمس كورت}

          ░░░81▒▒▒ (سورة { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}) مكِّيَّة، وآيُها تسع وعشرون.
          ( ╖ ) سقط لفظ «سورة» والبسملة لغير أبي ذرٍّ. ({انكَدَرَتْ}[التكوير:2] انْتَثَرَتْ) من السَّماء وسقطتْ على الأرض.
          (وَقَالَ الحَسَنُ) البَصريُّ _فيما وصلَه الطَّبريُّ_ ({سُجِّرَتْ}(1)) في قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6] أي: (ذَهَبَ) ولأبي ذرٍّ: ”يذهبُ“ (مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى) فيها (قَطْرَةٌ) ولأبي ذرٍّ: ”فلا تبقَى“ بالفوقيَّة(2)، وقال ابنُ عبَّاس: أوقِدت فصارَت نارًا تضطَرم(3).
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلَه الطَّبريُّ: ({ الْمَسْجُورِ}[الطور:6] المَمْلُوءُ) وسبقَ «بسورةِ الطُّور» [خ¦65-7128] (وَقَالَ غَيْرُهُ) غير مجاهدٍ: (سُجِرَتْ: أَفْضَى) ولأبي ذرٍّ: ”أُفضِي“ بضم الهمزة وكسر الضاد (بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا) وهو معنى قولِ السُّدِّي فيما أخرجَه ابنُ أبي حاتمٍ.
          (وَالخُنَّسُ: تَخْنِسُ) بفتح التاء وكسر النون (فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ) وراءَها، بينا تَرى النَّجم في آخرِ البُرج إذا كرَّ راجعًا إلى أوَّله (وَتَكْنِسُ) بكسر النون (تَسْتَتِرُ) تخفى تحتَ ضوءِ الشَّمس (كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”كمَا يكنسُ الظَّبيُّ“ أي: يستترُ في كناسهِ؛ وهو بيته المتَّخذ من أغصانِ الشَّجر، والمرادُ النُّجوم الخمسة: زُحَل والمشتَري والمرِّيخ‼ وزُهرة وعُطَارد.
          ({تَنَفَّسَ}[التكوير:18]) أي: (ارْتَفَعَ النَّهَارُ) وقال ابنُ الخازنِ(4): في تنفُّسه قولان: أحدهما: أنَّ في إقبالهِ روحًا ونسيمًا، فجعل ذلك نفسًا على المجاز. الثَّاني: أنَّه شبَّه اللَّيل بالمكروبِ المحزونِ، فإذا حصل لهُ التَّنفُّس وجد راحةً، فكأنَّه تخلَّص من الحزنِ فعبَّر عنه بالتَّنفُّس، وهو استعارةٌ لطيفةٌ.
          (وَالظَّنِينُ) بالظاء في قراءةِ ابنِ كثيرٍ وأبي عَمرو / والكسائيِّ (المُتَّهَمُ) من الظِّنَّة، وهي التُّهمة (وَالضَّنِينُ) بالضاد (يَضَنُّ بِهِ) أي: لا يبخلُ بالتَّبليغ والتَّعليم.
          (وَقَالَ عُمَرُ) بنُ الخطَّاب _فيما وصلَه عبدُ بن حُميد_: ({النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}[التكوير:7] يُزَوَّجُ) بفتح الواو مشددة، الرَّجل (نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ) عُمر ☺ : ({ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}[الصافات:22]) وأخرجَ الفرَّاء من طريقِ عكرمةَ قال: يُقرنُ الرَّجل في الجنَّة بقرينهِ الصَّالح في الدُّنيا، ويُقرنُ الرَّجل الَّذي كان يعملُ السُّوء في الدُّنيا بقرينهِ الَّذي كان يعينهُ في النَّار، وقيل: يزوَّج المؤمنونَ بالحورِ العينِ، ويزوَّج الكافرون بالشَّياطينِ. حكاه القُرطبيُّ في «تذكرته».
          ({عَسْعَسَ}[التكوير:17]) أي: (أَدْبَرَ) وقال الحسنُ: أقبلَ بظلامهِ، وهو من الأضدَاد، ويدلُّ على أنَّ المراد هنا أدبرَ قوله: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}[التكوير:18] أي: امتدَّ ضوءه حتَّى يصيرَ نهارًا.


[1] ضبطت بتخفيف الجيم على قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، وبالتشديد قرأ من سواهم من الجمهور.
[2] قوله: «ولأبي ذر فلا تبقى بالفوقية»: ليست في (د).
[3] في (م) و(د): «تضرم».
[4] كذا في الأصول، والصحيح أن الخازن صاحب «لباب التأويل» والكلام فيه(4/399).