إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة الأعراف

          ░░░7▒▒▒ (سورة الأَعْرَافِ) مكِّيَّةٌ إلَّا ثمان آياتٍ، من قوله تعالى: {واَسْأَلْهُمْ}... إلى قوله(1):{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ}[الأعراف:163-171] وزاد أبو ذرٍّ هنا: ” ╖ “.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ فيما وصله ابن جريرٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه: (▬وَرِيَاشًا↨ [الأعراف:26]) بالجمع، وهي(2) قراءة الحسن، جمع ريشٍ؛ كشِعْب وشِعَاب، وقراءة الباقين: {وَرِيشًا} بالإفراد: (المَالُ) يقال: تريَّش، أي: تموَّل، وعند ابن جريرٍ من وجهٍ آخر عن ابن عبَّاسٍ: الرِّياش: اللِّباس والعيش والنَّعيم، وقيل: الرِّيش: لباس الزِّينة، استُعير من ريش الطَّير بعلاقة الزِّينة.
          وعن ابن عبَّاسٍ أيضًا من طريق ابن جُرَيجٍ(3) عن عطاءٍ عنه، ممَّا وصله ابن جريرٍ أيضًا في قوله تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ} ({الْمُعْتَدِينَ}[الأعراف:55]) أي: (فِي الدُّعَاءِ) كالذي يسأل درجة الأنبياء، أو على(4) من لا يستحقُّه، أو الذي يرفع صوته عند الدُّعاء، وفي حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ عند أبي داود: أنَّ رسول الله صلعم قال: «سيكون قومٌ يعتدون في الدُّعاء» وقرأ هذه الآية، وعند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مغفَّلٍ أنَّه سمع ابنه يقول: اللهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنَّة إذا دخلتُها، فقال: يا بنيَّ سل الله الجنَّة وَعُذْ بِهِ من النَّار، فإنِّي سمعتُ رسول الله صلعم يقول: «يكون قومٌ يعتدون في الدُّعاء والطُّهور»، وهكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفَّان(5) به (وَفِي غَيْرِهِ) أي: غير الدُّعاء، وسقط «{ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ}» لغير أبوي ذرٍّ والوقت، وقوله «وفي غيره» للمستملي.
          وقوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى} ({عَفَواْ}[الأعراف:95]) أي: (كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ) يقال: عفا الشَّعر، إذا كثُر.
          وقوله تعالى في سورة سبأ →الآية:26←: ({الْفَتَّاحُ}) أي: (القَاضِي) قيل: وذَكَره هنا توطئةً لقوله في هذه السُّورة: ({افْتَحْ بَيْنَنَا}[الأعراف:89]) أي: (اقْضِ بَيْنَنَا) وسقط قوله: «بيننا» لأبي ذرٍّ.
          وقوله: ({نَتَقْنَا}) {الْجَبَلَ}[الأعراف:171] أي: (رَفَعْنَا) الجبل، وسقط قوله: «الجبل» لغير أبوي ذرٍّ والوقت.
          وقوله: ({فَانبَجَسَتْ}[الأعراف:160]) أي: (انْفَجَرَتْ).
          وقوله: ({مُتَبَّرٌ}[الأعراف:139]) أي: (خُسْرَانٌ).
          وقوله: ({آسَى}[الأعراف:93]) أي: فكيف (أَحْزَنُ) {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}؟ وقوله في سورة المائدة →الآية:26←‼: ({تَأْسَ}) أي: (تَحْزَنْ) ذكره استطرادًا.
          هذا كلُّه تفسير ابن عبَّاسٍ (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير ابن عبَّاس في قوله تعالى: ({مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ}[الأعراف:12] يَقُولُ(6): مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) فـ {لَّا} صلةٌ، مثلها في: {لِئَلَّا يَعْلَمَ}[الحديد:29] مؤكِّدةٌ معنى الفعل الذي دخلت عليه، ومنبِّهةٌ على أنَّ الموبَّخ عليه تركُ السُّجود.
          وقوله: {وَطَفِقَا} ({يَخْصِفَانِ}[الأعراف:22]: أَخَذَا) أي: آدم وحوَّاء (الخِصَافَ) بكسر الخاء ({مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}[الأعراف:22] يُؤَلِّفَانِ الوَرَق: يَخْصِفَانِ الوَرَقَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ) لمَّا ذاقا طعم الشَّجرة آخذين(7) في الأكل نالهما شُؤم المخالفة، وسقطت عنهما ثيابهما، وظهرت لهما سوءاتهما، وقيل: كانت من نورٍ، وكان أحدهما لا يرى سوءة الآخر، فأخذا يجعلان ورقةً على ورقةٍ لستر السوءة؛ كما تُخصَف النَّعل بأن تُجعَل طرقةٌ على طرقةٍ(8)، وتوثق بالسُّيور، حتَّى صارت الأوراق كالثَّوب، وهو ورق التِّين، وقيل: اللَّوز. والخَصَفة _بالتَّحريك_ الجلَّة، أي: القفَّة الكبيرة(9) التي تُعمَل(10) من الخوص للتَّمر، وجمعها(11): خُصُفٌ وخِصاف، قال أبو البقاء: {يَخْصِفَانِ}: ماضيه «خَصَفَ»، وهو متعدٍّ(12) إلى مفعولٍ واحدٍ، والمفعول: شيئًا من ورق الجنَّة.
          وقال أبو عبيدة في قوله: ({سَوْءَاتِهِمَا}[الأعراف:20] كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا) وسقط هذا لأبي ذرٍّ.
          ({وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[الأعراف:24] هُوَ هَهُنَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) وثبت للأبوين(13) «هو» وسقط لأبي ذرٍّ(14) «يوم» (وَالحِينُ عِنْدَ العَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”عدده، وأقلُّه ساعةٌ“.
          (الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ: وَاحِدٌ، وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ) وذكره قريبًا مفسَّرًا بالمال / وغيره.
          وقوله تعالى عن إبليس: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَ} ({وَقَبِيلُهُ}[الأعراف:27]) أي: (جِيلُهُ) بالجيم المكسورة؛ وهم الجنُّ والشَّياطين (الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ) وثبت للأبوين «هو»(15) وهو من كلام أبي عبيدة(16)، وعند المعتزلة: أنَّ سبب عدم رؤيتنا إيَّاهم لَطَافَتُهم، ورؤيتُهم إيَّانا لكثافتنا، واستدلُّوا بالآية على امتناع رؤيتهم، ولا يخفى أنَّ ما قالوه مجرَّد دعوى من غير دليلٍ، وأنَّ الخبر عن عدم الرُّؤية: {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:27] لا يدلُّ على استحالته، ويمكن أن يُستَدلَّ على فساد مذهبهم بقوله صلعم : «تفلَّت عليَّ(17) البارحة عفريتٌ، فأردت أن أربطه إلى ساريةٍ من سواري المسجد لتنظروا إليه، فذكرت دعوة أخي سليمان، فرددته(18) خاسئًا».
          وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا} ({إِذَا ادَّارَكُواْ}) أي: (اجْتَمَعُوا) {فِيهَا جَمِيعًا}[الأعراف:38].
          (وَمَشَاقُّ الإِنْسَانِ) بتشديد القاف، وفي نسخةٍ: ”ومسامُّ الإنسان“ بالسين المهملة والميم المشدَّدة بدل المعجَمة والقاف، وهما بمعنًى واحدٍ (وَ) مسامُّ (الدَّابَّةِ: كُلُّهُمْ) وللأبوين(19): ”كلُّها“ (يُسَمَّى سُمُومًا) بضمِّ السِّين المهملة (وَاحِدُهَا: سَمٌّ، وَهْيَ) تسعةٌ: (عَيْنَاهُ وَمَنْخِرَاهُ، وَفَمُهُ وَأُذُنَاهُ، وَدُبُرُهُ وَإِحْلِيلُهُ) قاله أبو عبيدة، وقال الراغب: السُّمُّ والسَّمُّ: كلُّ ثقبٍ ضيِّقٍ كخرم الإبرة وثقب الأنف، وجمعه‼: سُموم، وقد سمَّه: أدخله فيه، وفي السُّم ثلاث لغاتٍ: فتح سينه وضمُّها وكسرها، ومراد المؤلِّف بذلك تفسير قوله تعالى: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}[الأعراف:40] ودخل(20) تحت عموم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء}[الأعراف:40] الدُّهريَّة منكرو دلائل الذَّات والصِّفات، ومنكرو دلائل التَّوحيد، وهم المشركون، والبراهمة منكرو صحَّة النبوَّات، ومنكرو صحَّة المعاد الذين استكبروا عن الإيمان بها، لا تُفتَّح(21) أبواب السَّماء لأرواحهم ولا لأدعيتهم، كما تُفتَّح لأرواح المؤمنين وأعمالهم، والولوج: الدُّخول، و{سَمِّ الْخِيَاطِ}: ثقب(22) الإبرة، فإذا عُلِّق على مُحالٍ كان مُحالًا؛ لأنَّ الجمل أعظم الحيوانات عند العرب، وثقب الإبرة أضيق الثُّقَب.
          وقوله تعالى: {وَمِن فَوْقِهِمْ} ({غَوَاشٍ}[الأعراف:41]) أي: (مَا غُشُّوا) أي: غُطُّوا (بِهِ) قال محمَّد بن كعبٍ القرظيُّ: {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ}: الفُرُش، {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}: اللُّحُف.
          وقوله: {الرِّيَاحَ} ({بُشْرًا}[الأعراف:57]) بالنُّون المضمومة، أي: (مُتَفَرِّقَةً) قيل: لا تقع قطرةٌ من الغيث إلا بعد عمل أربع رياحٍ: الصَّبا تهيِّج السَّحاب، والشَّمال تجمعه، والجنوب تذرُّه، والدَّبور تفرِّقه.
          وقوله: {وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ} ({نَكِدًا}[الأعراف:58]) أي: (قَلِيلًا) عديم النَّفع، ونَصْبُه على الحال، وتقدير الكلام: والبلد الذي خَبُثَ لا يخرج نباتُه إلا نَكِدًا، فحُذِفَ المضاف وأُقيمَ المضاف إليه مُقامَه، فصار مرفوعًا مستترًا، وهذا مَثَلُ مَن يسمع الآيات وينتفع بها، ومن لا يرفع إليها(23) رأسه ولم يتأثَّر بالمواعظ.
          وقوله تعالى: { كَأَن لَّمْ} ({يَغْنَوْاْ}[الأعراف:92]) أي: (يَعِيشُوا) فيها، والغَناء _بالفتح_: النَّفع.
          وقوله تعالى: { إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} ({حَقِيقٌ}[الأعراف:105]) أي: (حَقٌّ) واجب عليَّ.
          وقوله: ({وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}[الأعراف:116]: مِنَ الرَّهْبَةِ) وهي الخوف.
          وقوله: {فَإِذَا هِيَ} ({تَلْقَفُ}[الأعراف:117]) أي: (تَلْقَمُ) تأكل ما يُلقونه ويوهمون أنَّه حقٌّ.
          وقوله: {أَلا إِنَّمَا} ({طَائِرُهُمْ}[الأعراف:131]) أي: (حَظُّهُمْ) ونصيبُهم {عِندَ اللّهُ}.
          (طُوفَانٌ) يشير إلى قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}[الأعراف:133] أي: (مِنَ السَّيْلِ) المُتْلِف للزَّرع والثِّمار (وَيُقَالُ) أيضًا (لِلْمَوْتِ الكَثِيرِ: الطُّوفَانُ) وهو مرويٌّ عن ابن عبَّاسٍ، ورواه ابن مردويه بإسنادين ضعيفينِ عن عائشة مرفوعًا.
          {وَ}(24) ({وَالْقُمَّلَ}[الأعراف:133]): هو (الحُـَمْنَانُ) بفتح الحاء المهملة ضبطه البرماويُّ والدَّمامينيُّ كالكِرمانيِّ، وضبطه ابن حجر بضمِّها _كالفرع وأصله(25)_ وسكون الميم (يُشْبِهُ) ولأبي ذر: ”شِبْهَ“ (صِغَارَ الحَلَمِ) بفتح الحاء واللام، قال الأصمعيُّ فيما _ذكره الجوهريُّ_: أوَّله قمقامةٌ، ثمَّ حُـَمْنا♣نةٌ، ثمَّ قُرادةٌ(26)، ثمَّ حَلَمةٌ وهي القُراد العظيم.
          (عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ) يريد تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}[الأعراف:137] أي: (بِنَاءٌ) قال ابن عبَّاسٍ _فيما رواه الطبريُّ_: {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} أي(27): يبنون، ولا مطابقة بين قوله: {يَعْرِشُونَ} وقول البخاريِّ: «عُروش وعَريش» لأنَّ العُروش جمع عَرْش، وهو سرير الملِك، ولو قال: {يَعْرِشُونَ}‼: يبنون؛ لكان أنسبَ.
          وقوله: {وَلَمَّا} ({سُقِطَ}) {فَي أَيْدِيهِمْ}[الأعراف:149]: قال أبو عبيدة: (كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ) لأنَّ النَّادم / المتحسِّر يَعَضُّ يده غمًّا، فتصير يده مسقوطًا فيها.
          (الأَسْبَاطُ) يريد قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا}[الأعراف:160] قال أبو عبيدة: هم (قَبَائِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) والسِّبط: من السَّبَط _بالتحريك_ وهو شجرٌ تعتلفه(28) الإبل، وكذلك القبيلة، جعل الأب كالشَّجرة، والأولاد كالأغصان.
          وقوله تعالى: ({يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ}[الأعراف:163]) قال أبو عبيدة أي: (يَتَعَدَّوْنَ لَهُ) وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «له» وفي نسخةٍ: ”به“ بالموحَّدة بدل اللام (يُجَاوِزُونَ) وفي نسخةٍ: ”ثمَّ(29) يتجاوزون“ أي: حدود الله بالصَّيد فيه وقد نُهوا عنه ({تَعْدُ}[الكهف:28]) بفتح الفوقيَّة(30) وسكون العين المهملة (تُجَاوِزْ) بضمِّ أوَّله وكسر الواو، وفي نسخةٍ: ”تَعَدَّ: تَجاوَزَ“ بتشديد الدَّال ”وتَجاوَزَ“ بفتح الواو والزَّاي، ولأبي ذرٍّ: ”تَجاوُزٌ“ بفتح الفوقيَّة وضمِّ الواو ”بَعْدَ تَجاوُزٍ“ بموحَّدةٍ وسكون العين(31).
          وقوله: ({شُرَّعاً}[الأعراف:163]) أي: (شَوَارِعَ) ظاهرةً على وجه الماء، من: شرع علينا إذا دنا وأشرف.
          وقوله: {بِعَذَابٍ} ({بَئِيسٍ}[الأعراف:165]) أي: (شَدِيدٍ) فعيلٍ من بَؤُسَ يبؤُس بؤسًا؛ إذا اشتدَّ.
          وقوله: ({أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ}[الأعراف:176]: قَعَدَ وَتَقَاعَسَ) أي: تأخَّر وأبطأ، وهو عبارةٌ عن شدَّة ميله إلى زهرة الدُّنيا وزينتها، وإقباله على لذَّاتها ونعيمها، وقوله: «{ إِلَى الأَرْضِ}» ثابتٌ لأبوي ذرٍّ والوقت.
          وقوله: ({سَنَسْتَدْرِجُهُم}[الأعراف:182] أي: نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ) أي: من موضع أمنهم، وثبت قوله: «أي» للأبوين(32) (كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}[الحشر:2]) وجه التَّشبيه: أخذ الله إيَّاهم بغتةً، وأصل الاستدراج: الاستصعاد أو(33) الاستنزال درجةً بعد درجةٍ، أي: نأخذهم قليلًا قليلًا إلى أن تُدرِكَهم العقوبة، وذلك أنَّهم(34) كلَّما جدَّدوا خطيئةً جُدِّدت لهم نعمةٌ، فظنُّوا ذلك تقريبًا(35) من الله تعالى، وأنساهم الاستغفار.
          وقوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم} ({مِّن جِنَّةٍ}[الأعراف:184]) أي: (مِنْ جُنُونٍ) والاستفهام بمعنى التَّقريع أو التَّحريض، أي: أو لم ينظروا بعقولهم؟ لأنَّ الفكر طَلَبُ المعنى بالقلب، وذلك أنَّه كما يتقدَّم رؤية البصر تقلُّبُ(36) الحدقة نحو المرئيِّ؛ يتقدم رؤية البصيرة تقلُّبُ حدقة العقل إلى الجوانب، أي: أنَّه كيف يتصوَّر منه صلعم الجنون وهو يدعوهم إلى الله تعالى، ويقيم على ذلك الدَّلائل القاطعة بألفاظٍ بلغت في الفصاحة إلى حقيقة يعجز عنها الأوَّلون والآخِرون؟!
          وقوله: ({أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[الأعراف:187]) أي: (مَتَىَ خُرُوْجُها؟) واشتقاق {أَيَّانَ} من «أيٍّ» لأنَّ معناه: أيُّ وقتٍ؟ وسقط لغير أبوي ذرٍّ والوقت «{أَيَّانَ مُرْسَاهَا}...» إلى آخره.
          وقوله: {حَمْلاً خَفِيفًا} ({فَمَرَّتْ بِهِ}[الأعراف:189]) أي: (اسْتَمَرَّ بِهَا) أي: بحوَّاء (الحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ) وعن ابن عبَّاسٍ: استمرَّت به فشكَّت؛ أحبلت أم لا؟ وسقط قوله: «{فَمَرَّتْ (37)}...» إلى آخره من رواية أبي ذرٍّ.
          قوله: {وَإِمَّا}‼ ({يَنزَغَنَّكَ}) قال أبو عبيدة: أي: (يَسْتَخِفَّنَّكَ) وقال غيره: وإمَّا ينخسنَّك من الشَّيطان نخسٌ، أي: وسوسةٌ تحملك على خلاف ما أُمِرت به {فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ}[الأعراف:200] من نزغه.
          وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ} ({طَائِفٌ}) {مِّنَ الشَّيْطَانِ}[الأعراف:201] قال أبو عبيدة: (مُلِمٌّ) يقال: (بِهِ لَمَمٌ) صرعٌ منه، أو إصابة ذنبٍ، أو همٌّ به (وَيُقَالُ: (38){طَائِفٌ}) بالألف، اسم فاعلٍ من طاف يطوف، كأنَّها طافت بهم ودارت حولهم، وهي قراءة نافعٍ وابن عامرٍ وعاصمٍ وحمزة (وَهْوَ) كالسَّابق (وَاحِدٌ) في المعنى.
          وقوله: {وَإِخْوَانُهُمْ} ({يَمُدُّونَهُمْ}[الأعراف:202]) قال أبو عبيدة أي: وإخوان الشَّياطين الذين لم يتَّقوا (يُزَيِّنُونَ) لهم الغيَّ والكفر.
          وقوله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً} ({وَخِيفَةً}[الأعراف:205]) أي: (خوفًا) قاله أبو عبيدة، وقال ابن جريجٍ في قوله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا} ({وَخُفْيَةً}[الأعراف:55]) أي: سرًّا (مِنَ الإِخْفَاءِ) المشهورُ أنَّ المزيد فيه مأخوذٌ من الثُّلاثيِّ _وهو الخفاء_ دون العكس، وإنَّما قال: من الإخفاء؛ نظرًا إلى أنَّ الاشتقاق أن تنتظم الصِّيغتان معنًى واحدًا.
          وقوله: ({وَالآصَالِ}) في قوله تعالى: { بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}[الأعراف:205] قال أبو عبيدة: (وَاحِدُهَا: أَصِيلٌ؛ وَهُوَ مَا بَيْنَ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ؛ كَقَوْلِكَ) وفي نسخةٍ وهي التي في «اليونينيَّة»(39): ”كقوله“: ({بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان:5]) والتقييد بالوقتين؛ لأنَّ بالغداة ينقلب من الموت إلى الحياة، ومن الظُّلمة التي تُشاكِلُ العدم إلى النُّور المناسِب للوجود، وفي الآخر بالعكس، وثبت قوله: «وهو» للأبوين(40).


[1] «قوله»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] في (د): «وهو».
[3] في (ص): «جريرٍ» ولعلَّه تحريفٌ.
[4] في (د): «عمل»، وهو تحريفٌ.
[5] «به»: ليس في (د).
[6] في (ب) و(س): «يقال».
[7] في (ل): «أخذن».
[8] في (د): «طرفه على طرفه»، ولعلَّه تصحيفٌ.
[9] في (ب) و(س) زيادة: «أي: القفَّة الكبيرة».
[10] في (د): «تجُعَل»، وسقط منها «التي».
[11] في (د): «وجعلها»، ولعلَّه تحريفٌ.
[12] في (م): «معتمد»، وهو تحريفٌ.
[13] في (م): «سقط لغير أبي ذر».
[14] «سقط لأبي ذرٍّ»: سقط من (د).
[15] «وثبت للأبويينِ: هو»: سقط من (ص).
[16] قوله: «وثبت للأبوين: هو، وهو من كلام أبي عبيدة»، سقط من (د) و(م).
[17] «علىَّ»: ليس في (د).
[18] زيد في (د) و(م): «بها».
[19] «كلهم وللأبوين»: سقط من (د).
[20] في (د): «ويدخل».
[21] زيد في (د) و(ص): «لهم».
[22] «ثقب»: سقط من (د).
[23] في (د): «بها».
[24] الواو مثبتةٌ من (د).
[25] «وأصله»: ليس في (د).
[26] في (د) و(ص): «قُرادٌ».
[27] «أي»: مثبتٌ من(ب) و(س).
[28] في (د): «تقتطفه».
[29] في (د): «أي»، وسقط من(ب) و(س).
[30] في (د) و(م): «أوَّله».
[31] رواية أبي ذرٍّ هذه جاءت في (د) و(م) مختصرةً بحذف ضبطها، ومحلُّها في غيرهما من النُّسخ سابقًا بعد قوله: «وقد نُهوا عنه».
[32] قوله: «وثبت: قوله: أي للأبوين» سقط من (د) و(م).
[33] في (د) و(م): «و».
[34] «أنَّهم»: ليس في (د).
[35] في (د): «تقرُّبًا».
[36] في غير (د): «بقلب»، وكذا في الموضع اللاحق، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[37] زيد في (ص): «{ بهِ}».
[38] زيد في (د) و(م): «له».
[39] «وهي التي في «اليونينيَّة»»: ليس في (د) و(م).
[40] قوله: «وثبت قوله: وهو للأبوين»، سقط من (د) و(م).