الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب وضوء الصبيان

          ░161▒ (بَابُ وُضُوءِ الصِّبْيَانِ) جمعُ صبيٍّ، وهو الغلامُ، وأكثرُ ما يستعملُ في المذكَّر، ويقالُ في المؤنَّث: صبيَّة، وقد يطلق صبي عليهما كما نقلهُ الأسنويُّ عن اللُّغة، والجمع: صبية وصبيان، ولم يقولوا أصبية استغناء بصبية، كما استغنوا بغلمَة عن أغلمَة، قاله الجوهريُّ.
          وقال بعضُهم عن الأصمعيِّ وغيره: إنَّ الولد ما دامَ في بطنِ أمِّه فهو جنين، فإذا ولدَ يسمَّى صبيًّا ما دامَ رضيعاً، فإذا فطمَ يسمَّى غلاماً إلى سبعِ سنين، ثمَّ يصيرُ يافعاً إلى عشرِ سنين، ثمَّ يصيرُ حزوراً إلى خمسة عشر سنة، ثمَّ قمداً إلى خمسٍ وعشرين سنة، ثمَّ عنطنطاً إلى ثلاثينَ سنة، ثمَّ صملاً إلى أربعينَ سنة، ثمَّ كهلاً إلى خمسينَ سنة، ثمَّ شيخاً إلى ثمانين سنة، ثمَّ يصير همًّا فانياً كبيراً بعد ذلك. انتهى.
          ويطلقُ الصَّبي شرعاً على من دونَ البلوغِ، وعليه يحملُ ما رواه أبو داود والتِّرمذي وصحَّحه وابن خزيمةَ والحاكم عن سبرةَ مرفوعاً: ((علِّموا الصَّبي الصَّلاة ابن سبعِ سنين، واضربُوه عليها ابن عشرٍ))، على أنَّ قول الجوهريُّ: الصَّبي: الغلام، قد يشملُه، فلا إشكالَ فتأمَّل.
          (وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الغُسْلُ وَالطُّهُورُ) بضم أوَّلهما والثَّاني أعمُّ من الأوَّل، وضمير ((عليهم)) عائدٌ إلى الصِّبيان، لكن بحسب ما كانَ، وإلَّا فلا يجبُ عليهم حالَ صبَاهم شيءٌ من الغسلِ ولا غيره، إلَّا ما نقلَ عن بعضِ العلماء، كما يأتي.
          وقال ابنُ الملقِّن: ذكره الطُّهور بعد الغسل لعلَّه يريد الوضوءَ، وكرَّره لأجلِ الوجُوب. انتهى.
          ولذا قالَ الزَّين ابن المنيِّر: لم ينصَّ على حكمهِ؛ لأنه لو عبَّر بالنَّدب لاقتضَى صحَّة صلاتهم بغيرِ وضوء، ولو عبَّر بالوجوبِ لاقتضى أن الصَّبي يعاقبُ على تركهِ، ولم يذكر الغسلَ لندرةِ موجبهِ من الصَّبي، وأردفهُ بالوقتِ الذي يجبُ فيه الغسل والطُّهور، لكن أوردَ أنَّه ليس في أحاديثِ البابِ تعيين وقت الإيجاب إلَّا في حديث أبي سعيدٍ في الغسلِ، فإنَّه يؤخذ منه _كما يأتِي_ أنَّ الاحتلامَ شرطٌ لوجوبِ الغسل، وكذا الوضُوء فلا يجب إلَّا بالبلوغِ كالصَّلاة، وإن وجبَ على الولي أمره بهمَا لسبعِ سنين، وضربهُ عليهما لعشرٍ؛ لحديثِ أبي داود وغيره المارِّ آنفاً، فتأمَّله منصِفاً، وهذا مذهبُ الجمهور خلافاً لمن نقلَ عن أحمد: أنَّها تجبُ كالوضوءِ.
          وقال البندنيجيُّ: إنَّ الشَّافعي أومأ إليه، وإنَّما ضرب على تركهَا للتَّدريب، فيعتادُ ذلك.
          (وَحُضُورِهِمِ) بالجر (الجَمَاعَةَ) مفعول: ((حضُورهِم)) المضاف لفاعله (وَالعِيدَيْنِ) معطوف على: ((الجماعة))، كقولهِ: (وَالجَنَائِزَ) بالنصب (وَصُفُوفِهِمْ) عطف على: ((وضوء))، ولا يلزمُ من ذلكَ أن يكون لهم صفوفٌ تخصُّهم حتَّى يقال: ليس في البابِ ما يدلُّ عليه، أو المراد: صفَّهم ولو مع غيرهم.
          قال في ((الفتح)): وَفِقْهُ ذلك: هل يخرجُ من وقفَ معه الصَّبي في الصَّفِّ عن أن يكون منفرداً حتَّى يسلمَ من بطلانِ صلاتِهِ عند من يمنعَه وكراهتهِ؟ وظاهرُ حديث أنسٍ الإجزاء فهو حجَّة على من منعَ ذلك من الحنَابلةِ مطلقاً، ونصَّ أحمد على أنَّه يجزئ في النَّفل دون الفرضِ. انتهى.
          والحاصلُ: أنَّه ذكر في التَّرجمة سبعةَ أشياء، وأوردَ في ذلك سبعةَ أحاديث: أوَّلها: حديث ابنِ عبَّاس في الصَّلاةِ على القبرِ، وسيأتي في الجنائزِ، فنتكلَّم عليها إجمالاً؛ لأنَّها إمَّا تقدَّمت أو ستأتي.