الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا ركع دون الصف

          ░114▒ (بَابٌ: إِذَا رَكَعَ) أي: المصلِّي (دُونَ الصَّفِّ) أي: قبلَ وصوله إلى الصَّف، ثمَّ مشَى إليه وهو راكعٌ _كما سبقَ أو مما سيأتي_ جازَ، فجواب ((إذا)) الشرطيَّة محذوف كما أشرنا إليه.
          واستظهرَ العينيُّ تقديره بلا يجوزُ؛ لأنَّ طريقة المصنِّف في خبر:((القراءة خلف الإمام)) تشيرُ إلى عدمِ الجواز. انتهى.
          ولاحتماله للأمرينِ قال ابنُ المنير: هذه الترجمة ممَّا نوزعِ فيها البخاري، حيث لم يأت لـ((إذا)) بجواب لإشكال الحديث، واختلافُ العلماءِ في المراد بقوله: ((ولا تعد)). انتهى.
          وأقول: ذكر ابنُ رجب أنَّ طائفة من العلماء ذهبُوا إلى أنه لا يدرك الركعة بإدراك الركوعِ مع الإمام؛ لأنَّه فاته مع الإمام القيام وقراءة الفاتحة، وإلى هذا ذهبَ البُخاري في كتاب ((القراءة خلف الإمام))، وذكرَ فيه عن شيخهِ ابن المدِيني: أنَّ الذين قالوا بإدراكِ الركوعِ من الصَّحابة كانوا ممَّن لا يوجبُ القراءة خلفَ الإمام، فأمَّا من يرى وجُوب القراءة خلفَ / الإمام، فإنه قال: لا يدركُ الركعة َبذلك كأبي هُريرة. انتهى.
          ولعلَّه هنا أشار إلى الردِّ على ذلك، وذكرَ قبل ذلك أن القولَ بإدراك الركعة وإن فاتَه القيامُ وقراءة الفَاتحة هو قولُ جمهور العلماء، وحكاهُ ابنُ راهويه إجماعاً.
          وقال أحمدُ: لم يخالف في ذلك أحدٌ من أهلِ الإسلام، ولعلَّ مرادَه من بعد الصَّحابة، فتدبر.
          وقال في ((الفتح)): كان اللَّائق إيرادُ هذه الترجمة في أبوابِ الإمامة.
          وردَّه العينيُّ بقوله: لا نسلِّم ذلك؛ لأنَّ هذا حُكُم مصل يركعُ قبلَ وصُولهِ إلى الصَّف، فعلى قوله: كانَ يلزمُ أن يذكرَ باب إذا سمعَ الإمامُ الآية، السَّابق قبل أربعة أبواب في أبوابِ الإمامَة لتعلُّقه بها، ولم يراع البُخاري بين كلِّ الأبوابِ المناسبة التَّامة، ويمكنُ أن يقال: المنَاسبة بين هذا البَاب والأبوابِ قبله من حيثُ إنَّ الركوع بعد القراءة، والأصلُ فيها الفاتحة، وختمَهَا بآمين، فليسَ بين القراءةِ والرُّكوع شيءٌ آخر. انتهى، فتأمل.