الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع

          ░127▒ (بَابُ الإطْمَأْنِينَةِ) بالهمزة في أوَّله مكسورة للأكثر، وفي رواية الكُشْميهني: <باب الطُّمأنينة> بضم الطاء.
          قال العينيُّ: وهي الأصحُّ، والموجود في اللغة.
          وأقول: فيه أن ابنَ الملقِّن قال: يقال: اطمأنَّ طمأنينة وطمأنيناً، والإطمأنينة: الواحدة، كالضَّربة من الضَّرب. انتهى.
          (حِينَ يَرْفَعُ) أي: المصلي؛ أي: حين يتم الرفع (رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ) مصغَّراً؛ أي: السَّاعدي ☺، مما يأتي، وصله المصنِّف مطولاً في باب سنة الجلوسِ للتَّشهد (رَفَعَ النَّبِيُّ صلعم) أي: رأسه من الركوعِ (فَاسْتَوَى) بالفاء لأبي ذرٍّ، ولغيره: <واستوى> بالواو؛ أي: قائماً، كما سيأتي هناك، ووقعَ لكريمة: <فاستوى جالساً>.
          قال في ((فتح الباري)): فإن كان محفوظاً، حمل على أنه عبَّر عن السُّكون بالجلوس، وفيه بعدٌ، أو لعلَّ المصنِّف أراد إلحاقَ الاعتدال بالجلوسِ بجامع كون كلٍّ منهما غير مقصُود لذاتهِ، فيطابقُ الترجمة.
          (حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ إِلَى مَكَانِهِ) الفَقار _بفتح الفاء وتخفيف القاف_ جمع: فقَارة، وهي خرَزاتُ الظَّهر ومفاصله.
          وقال ابنُ رجب: وهي خرزاتُ الصُّلب، ويقال لها: الفِقرة والفَقرة، بالكسر والفتح.
          وقال في ((القاموس)): الفِقرة _بالكسر_ والفَقرة والفَقار _بفتحهما_: ما انتضَدَ من عظامِ الصُّلب من لدن الكاهلِ إلى العجبِ، والجمع كعنب وسحاب، وفِقرات _بالكسر وبكسرتين_ وكعنبات. انتهى.
          والمراد: أن يرجعَ كلُّ عضوٍ إلى سكونه بعد حركته، ففيه _كالحديثين بعده_ إثبات فرضيَّة الطُّمأنينة، وبذلك تحصلُ المطابقة، وهو مذهبُ جمهور العلماء خلافاً للحنفيَّة، سوى أبي يوسف، فإنه يقولُ بفرضيَّتها وتقدَّم أن توقف إمام الحرمين في ذلك لا دليلَ له، بل عليه لأمره المسيء صلاته أن يرفعَ حتى يطمئنَّ قائماً، كما خرَّجه أحمد وغيره.
          وفيه أيضاً دليلٌ على أن الاعتدالَ ركنٌ، قال ابنُ رجب: وهو قول الشَّافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: ليس بركنٍ، فلو ركعَ ثم سجدَ أجزأه، وهذا يردُّه فعل النَّبي صلعم، وأمره بالاعتدالِ والطُّمأنينة. انتهى.